خاص “محكمة”:مخالفة للقاضي طارق بو نصّار في قرار استئنافي تسلّط الضوء على موضوع المجامعة خلافاً للطبيعة
القاضي طارق بو نصّار:
إنّي، إذ أحترم رأي الأكثرية*، أخالفه وأوضح ما يلي:
– إنّ القانون اللبناني، وتحديداً نصّ المادة /534/عقوبات، يعاقب على “كلّ مجامعة على خلاف الطبيعة”، دون أن يشترط حصولها علناً أو بوسائل علنية خلافاً لما جاء صراحة في نصّي المادتين /531/ و/532/ الواردتين في النبذة عينها، ولو أراد المشترع اشتراط الوسائل العلنية لكان فعل صراحةً، إلاّ أنّ نيّة المشترع واضحة لجهة اعتبار المجامعة على خلاف الطبيعة تعرّضاً للآداب والأخلاق العامة في جميع أشكالها، وما يعزّز قناعتنا في ذلك هو أنّ حتّى العلاقات الطبيعية والتي لا تدخل ضمن فئة “المجامعة على خلاف الطبيعة” تعدّ تعرّضاً للآداب والأخلاق العامة إذا حصلت علناً بحيث لم يكن المشترع بحاجة إلى نصّ المادة /534/عقوبات لو لم تكن نيّته استثناء المجامعة على خلاف الطبيعة والمعاقبة عليها دون أيّ شرط آخر، ولا يستقيم التفسير أو القياس في معرض النصّ الجزائي الواضح والصريح؛
– خلافاً لما جاء في إدلاءات بعض المدعى عليهم والمذكّرة المبرزة، لا نرى في عبارة “المجامعة على خلاف الطبيعة” غموضاً يحتاج إلى تفسير، لأنّ في الطبيعة البشرية منذ التكوين أنّ المجامعة تحصل بين جنسين مختلفين وهذه هي المجامعة الطبيعية، وكلّ مجامعة أخرى كتلك الحاصلة بين شخصين من جنس بيولوجي واحد تكون بالتالي على خلاف الطبيعة ومعاقب عليها وفقاً لنصّ المادة /534/عقوبات، مع الإشارة إلى أنّ ممارسة الحقّ وفقاً للمادة /183/عقوبات تُستثنى منها حكماً الأفعال التي منعها القانون بحيث لا يعدّ الفعل موضوع الملاحقة “حقّاً” بل “تجاوزاً” حظّره القانون تحت طائلة الإدانة والعقوبة؛
– إنّ تطوّر المفاهيم في المجتمع لا ينعكس تبدّلاً في مفهوم “الطبيعة” الثابت الملحوظ في المادة /534/عقوبات، ولا يجوز تالياً “تطويع” مفهوم “الطبيعة” الآنف الذّكر لينسجم مع الأفكار والمفاهيم المتجدّدة، ولا يستقيم في النتيجة التمسك بتمدّد حالة ما لاعتبار أنّها أمست “طبيعية”، فالمواكبة والإنفتاح لا تعفيان القاضي من التزام النصّ لحين إلغائه أو تعديله؛
– إنّ التمسك بنصّ القانون النافذ راهناً، لا يجب أن يفسّر رفضاً لأيّ مجموعة أو فئة بل تطبيقاً للقانون، ومن هنا وانطلاقاً من واجب احترام الآخر، والتسامح، ومبدأ المساواة وتقديس الحرّيات الشخصية، لا يكون المشترع معفياً من وجوب المواكبة والأخذ بعين الإعتبار أصحاب الميول الشاذّة عن الطبيعة، بمعزل عن أسباب هذا الشذوذ التي يجب أن تبقى خاصة بكلّ إنسان احتراماً لحرّيته وظروفه الشخصية، وذلك إما بإلغاء نصّ المادة /534/ أو تعديله على نحو يستثني مجامعة المثليين من مبدأ الإدانة المقرّ لأيّ مجامعة على خلاف الطبيعة إن كانت هذه الأخيرة تتجسّد بأفعال أخرى غير المثلية الجنسية؛
بناءً عليه،
وبما أنّ القانون اللبناني، ولئن لم يعاقب على مجرّد الميول الجنسية، إنّما يعاقب على المجامعة المتأتية عنها، فلا تستقيم الإدانة بالتالي ما لم يقم الدليل على حصول المجامعة، لا مجرّد الدليل على أنّ الشخص مثلي الجنس،
وبما أنّه من الثابت باعتراف كلّ من المدعى عليهم إ. ك. (محضر التحقيق الأولي ص 10) وس.ب. (محضر التحقيق الأولي ص 13) وج. س. (محضر التحقيق الأولي ص 15) وت.س. (محضر التحقيق الأولي ص 20) أنّه يمارسون “اللواط”،
وبما أنّه لم يقم أيّ دليل كاف بما لا يقبل الشكّ أنّ سائر المدعى عليهم قد مارسوا المجامعة على خلاف الطبيعة،
لذلك، وتبعاً للأسباب المبيّنة في المتن، أرى أنّه كان يقتضي فسخ الحكم المستأنف جزئياً في الأساس واتخاذ القرار بإدانة المدعى عليهم إ. ك.، وس.ب.، وج. س. وت. س. بجنحة المادة /534/عقوبات ومنحهم أوسع الأسباب التخفيفية والإكتفاء بغرامة رمزية وحتّى وقف تنفيذ العقوبة في حال توافر الشروط القانونية لذلك، وإعلان براءة باقي المدعى عليهم من الجنحة المذكورة، بدلاً من إبطال التعقبات، لعدم كفاية الدليل؛
جديدة المتن في 2018/7/12
المستشار المخالف/بو نصّار
*هذه المخالفة وضعها القاضي طارق بو نصّار في معرض قرار يتعلّق بملاحقة شبّان بجرم الشذوذ الجنسي صدر عن محكمة استئناف الجنح في جديدة المتن والمؤلّفة من القاضى رندى كفوري رئيساً والقاضيين كارلا زيدان وطارق بو نصّار مستشارين.
وكان القاضي المنفرد الجزائي في جديدة المتن قد اعتبر ما هو منسوب للشبّان ضمن ممارسة حقّ وأبطل التعقّبات عنهم، غير أنّ النيابة العامة الاستئنافية استأنفت هذا الحكم، وقد رأت الأكثرية في محكمة الاستئناف أي كفوري وزيدان، عدم وجود علانية في ارتكاب الجرم المنسوب إلى الشبّان وخلصت إلى تصديق حكم القاضي المنفرد مع تغيير التعليل القانوني، فيما ذهب القاضي بو نصّار باتجاه منحى قانوني آخر ووضع هذه المخالفة.
“محكمة” – الأحد في 2019/3/31
*حفاظاً على حقوق الملكية الفكرية، يرجى الإكتفاء بنسخ جزء من الخبر وبما لا يزيد عن 20% من مضمونه، مع ضرورة ذكر إسم موقع “محكمة” الإلكتروني، وإرفاقه بالرابط التشعّبي للخبر(Hyperlink)، وذلك تحت طائلة الملاحقة القانونية.