خاص “محكمة”: المشرّع أخطأ في قانون موزانة 2019.. الغرامة القانونية تختلف عن الغرامة المالية/هادي خليفة
المحامي هادي خليفة:
بالإشارة إلى نشركم عبر موقع مجلّة “محكمة” الإلكتروني نصّ المادة 69 من قانون الموازنة للعام 2019 الذي أقرّه مجلس النوّاب وينتظر توقيع رئيس الجمهورية كي يتمّ نشره وفقاً للأصول في الجريدة الرسمية، فإنّني أودّ أن أوضّح ما يلي:
Une loi injuste n’est pas une loi (St.Augustin)
يثبت في كلّ مرّة أنّ التشريع في لبنان لم يعد يتمتّع بالجودة التشريعية، فنصّ المادة 69 من قانون الموازنة الذي يعفي جميع المحكومين الذين ما زالوا مسجونين لعدم تسديد الغرامات المالية التي حكموا بها من جميع الغرامات من أيّ نوع كانت ليصار إلى إخراجهم من السجن، هو نصّ يضرب مبدأ فصل السلطات في الصميم والمعتمد كنظام سياسي في لبنان من جهة،
ومن ناحية أخرى هو يتعارض مع مرتكزات القواعد القانونية الواردة في قانون العقوبات لا سيّما منها التي تتناول موضوع العقوبة،
ومن ناحية ثالثة يتناقض مع مواصفات القاعدة القانونية التي يجب أن تكون عامة ومجرّدة لا سيّما في نطاق قانون العقوبات،
وليس للمشرّع الحقّ وتحت ذريعة حلّ قضيّة إنسانية ومهما كانت أهمّيتها للمجتمع أن يتناول في النصوص القانونية التي يصدرها ما يكون القضاء قد فصل به، وإلاّ أصبح التشريع هو وسيلة يُـلجأ إليها لتقويض قوّة الأحكام والقرارات القضائية، وهذا أمر خطير من شأنه أن يفرغ مبدأ فصل السلطات من مضمونه ويكون فيه تعدٍّ على نصّ المادة 20 من الدستور التي تتناول موضوع الضمانة القضائية التي سعى المجلس الدستوري في لبنان إلى تحصينها وإبعادها عن شطط التشريع.
وإنّ الأحكام والقرارات القضائية التي تصدر عن القضاء الجزائي والتي تجرّم مرتكبي الجرائم تلفظ بحقّهم العقوبة التي يراها القضاة متناسبة مع الأفعال الجرمية المرتكبة، وإنّ العقوبة تكون في غالب الأحيان عقوبة الحبس وعقوبة الغرامة في آنٍ معاً تبعاً للنصّ القانوني المطبّق بحقّهم أو يطبّق بحقّهم عقوبة الحبس فقط، والتي يجوز لقاضي الحكـم أن يستبدلها بعقوبة الغرامة،
إنّ قانون العقوبات اللبناني حدّد في الباب الثاني من الكتاب الأوّل، العقوبات، وفرّق بين عقوبة الجناية وعقوبة الجنحة وعقوبة المخالفة، وأورد لكلّ نوع من الجرائم عقوبتي الحبس والغرامة، ومنح قضاة الحكم في الدعاوى الجزائية حقّ استبدال عقوبة الحبس بعقوبة الغرامة (المادة 54 من قانون العقوبات و253 و254 منه لجهة منح المحكوم الأسباب التخفيفية)، كما أنّ الفقرة الثالثة من المادة 210 من قانون العقوبات توجب فرض عقوبة الغرامة بدون عقوبة الحبس والمصادرة والنشر على الهيئات المعنوية،
ويتضح من ذلك، أنّ الغرامة amende والواردة في العديد من النصوص القانونية من قانون العقوبات هي عقوبة قائمة بحدّ ذاتها ولها مدلول قانوني مرتبط بالجرم والإدانة، ومفهومها القانوني يختلف كلّياً عن المفهوم القانوني للغرامة المالية الواردة في قوانين أخرى لا سيّما القوانين المالية التي لها علاقة بالضرائب والرسوم.
إنّ ذهاب المشترع عبر المادة 69 موضوع البحث إلى صياغة إعفاء من الغرامة الواردة في الأحكام والقرارت القضائية يشكّل تعديلاً ضمنياً لتلك الأحكام والقرارات القضائية المبرمة الصادرة عن القضاء الجزائي وهو ما يمثّل إنموذجاً صارخاً للإعتداء على السلطة القضائية، ما لم يكن من شرّع هذا النصّ لا يعلم أنّ الغرامة الواردة في قانون العقوبات هي عقوبة peine ، وفي هذه الحال نكون أمام مصيبة كبرى، ولا يسعنا إلاّ أن نطلب اللطف بلبنان من هذا التشريع كون القدر لا أحد يسأل عنه ولنترحّم بالتالي على كبار الفقهاء والمشرّعين من هذا البلد،
وكان يجب لمعالجة موضوع إكتظاظ السجون في لبنان وهو أمر محقّ وإنسانين إصدار قانون مستقلّ عن قانون الموازنة يمنح العفو العام ، عوضاً عن التوجّه إلى حالات فردية لمنحها إعفاء من دفع الغرامة ، وهو أمر ينسجم بالتالي مع مبدأ التجرّد والعمومية في التشريع الواجب أن يكون حاضراً دائماً في ذهن من يشرّع كي لا يصبح التشريع مشرّعاً على غاربه،
وهنا وقبل أن نخـتم، نقول لأهل السياسة في لبنان إنّ الأحكام والقرارات القضائية لاسيّما منها الصادرة عن القضاء الجزائي تشكّل إحدى الوسائل الأساسية لإيرادات الخزينة اللبنانية وكان أنبـل على حاملي مفاتيح الخزينة عدم المسّ بمبدأ فصل السلطات وبالضمانات العائدة للقضاة الممنوحة لهم وبدون أيّة منـّة من أحد بموجب المادة 20 من الدستور وتحت ذرائع ليس فيها إلاّ اعتداء على السلطة القضائية التي تسعى إلى حماية دولة القانــــون.
“محكمة” – الاثنين في 2019/7/29