خاص “محكمة”: تصريف الحكومة للأعمال لا يمنع المجلس النيابي من عقد جلسة تشريعية/جهاد اسماعيل
كتب جهاد إسماعيل:
إن كان ثمّة جدل دستوري حول إمكانية المجلس النيابي في التشريع في ظلّ حكومة تصريف أعمال، باعتبار أنّ الدستور لم يعط موقفاً حاسماً في هذا الشأن، إلاّ أنّه إذا أمعنا النظر قليلاً في سياق النصّ الدستوري ومداركه ودلالاته، فإنّنا سنجد، بحسب اعتقادنا، المجلس النيابي طليقاً لجهة الصلاحيات، وأنّ بمقدوره أن ينعقد حينما تدعو الحاجة، تبعاً للحيثيات التالية:
• عملاً بنصّ المادة 69 من الدستور، فعند استقالة الحكومة أو اعتبارها مستقيلة يصبح مجلس النوّاب حكماً في دورة انعقاد استثنائية حتّى تأليف حكومة جديدة ونيلها الثقة، كما أنّه عملاً بالمادة 75، فإنّ مجلس النوّاب الملتئم لانتخاب رئيس الجمهورية يعتبر هيئة انتخابية لا اشتراعية، ما يعني أنّ صلاحية المجلس في التشريع لم تقيّد إلاّ في حالة الشروع في انتخاب رئيس الدولة، وإلا لو كان المشرّع الدستوري يقصد تقييد المجلس في التشريع، لكان نصّ صراحة على ذلك، ويبقى، وفقاً لهذه الحالة، محتفظاً بكامل صلاحياته للتشريع بمجرّد انعقاده حكماً، تأميناً لسير العمل الاشتراعي وعدم تعطيله، لا سيّما وأنّه بحسب المادة 16 من الدستور:” تتولّى السلطة المشترعة هيئة واحدة هي مجلس النوّاب”.
• لمّا كانت وظيفة العقود الاستثنائية مرتبطة ببروز الحاجة، ولما كانت الظروف اللبنانية الراهنة استثنائية الطابع، سياسياً، واقتصادياً، واجتماعياً ونقدياً وفق تأكيدات رؤساء السلطات الدستورية، وأنّ من شأن هذه الظروف أن تجعل حياة الدولة في خطر، ما يوجب إيلاء المؤسّسات المؤتمنة على الاستقرار التشريعي والسياسي، قواعد خاصة واستثنائية، لأنّ ليس للشرعية من تطبيق في حالة الظروف الاستثنائية كما يقتضي فعله في الظروف العادية بحسب الفقه الفرنسي واللبناني، ما يدحض في الوقت نفسه نظرية”سلب” المجلس صلاحياته في ظلّ حكومة تصريف أعمال، ويجعل المجلس في حالة الانعقاد الحكمي والاستثنائي سنداً للمادة 69 من الدستور للحؤول دون تعطيل المؤسّسات الأخرى من جهة، وللتأكيد على دور المجلس، بكامل صلاحياته، في مواكبة تشكيل الحكومة، وإقرار القوانين الحياتية الملحّة، ومراقبة وزراء تصريف الأعمال إذا ما طالت ولايتهم، لأنّ تعطيل المجلس النيابي، بحسب دعاة نظرية “عدم قدرة المجلس في التشريع”، يعني تعطيل للمحاسبة ورقابة الوزراء عمّا إذا كانوا يتحرّكون وفق النطاق الضيّق لتصريف الأعمال.
• لمّا كانت السوابق والأعراف تدخلان في إطار النظام الحقوقي اللبناني، فإنّ مجلس النوّاب أقرّ قوانين هامة في ظلّ حكومة تصريف أعمال في أكثر من محطّة سياسية، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: قانون العفو العام في ملفّ أحداث الضنية ومجدل عنجر وسمير جعجع، القانون المتعلّق بتأجيل النظر بالمراجعات أمام المجلس الدستوري، ما يؤكّد صلاحية المجلس، بحسب الممارسة السياسية، في التشريع حتّى في ظلّ حكومة مستقيلة.
لذلك، وبما أنّ المؤسّسات الدولية تستعجل إقرار التشريعات الضامنة لإقامة القروض والمشروعات الملحّة كما يتردّد في الصحف، وبما أنّ لبنان يمرّ في هذه الظروف بأشدّ الأزمات الاستثنائية، فإنّ الأسباب الموجبة لانعقاد المجلس النيابي في ظلّ تأخّر الرئيس المكلّف بتشكيل الحكومة إلى حدّ الآن، قد بلغت أقصى ذروتها، وسط تساؤلات عن مصير بنية الدولة والمجتمع اللبناني مع هذا الكمّ من الديون والبطالة والفقر والفساد السياسي!
“محكمة” – الثلاثاء في 2018/07/31
*حفاظاً على حقوق الملكية الفكرية، يرجى الإكتفاء بنسخ جزء من الخبر وبما لا يزيد عن 20% من مضمونه، مع ضرورة ذكر إسم موقع “محكمة” الإلكتروني، وإرفاقه بالرابط التشعّبي للخبر(Hyperlink)، وذلك تحت طائلة الملاحقة القانونية.