خاص “محكمة”: ماري بيسنار تكلّمي… أقاتلة أنتِ فعلاً؟ أم ضحية وشايات خبيثة وقدر غاشم؟/منيف حمدان
المحامي د. منيف حمدان:
كلّما وصلت إلى القضاء اللبناني، وغير اللبناني، قضية جنائية موضوعها القتل بالسّم، تتراءى للقارئ المتمرّس، في القضايا الجنائية، قاضياً كان أم محامياً، تتراءى له قضية سيدة فرنسية تدعى Marie Besnard، التي اتهمت بقتل زوجها، وعدد لا بأس به من أفراد عائلتها، ومن أصدقاء هذه العائلة، عن طريق السّم.
فمن هي هذه السيدة؟ وما هي الأسباب التي أدّت إلى إتهامها؟ وما هي الأسباب التي أدّت إلى إعلان براءتها، بعد إثني عشر عاماً من المحاكمات، في الدولة الفرنسية الصديقة؟
وحتّى نجيب على كل هذه التساؤلات، رأينا مقاربة الموضوع عبر الفقرات التالية:
أوّلاً:وفاة الزوج والأم: بتاريخ الخامس من تشرين الأوّل 1947، توفي في البلدة الفرنسية الشهيرة Loudun، السيد Léon Besnard، الزوج الثاني للسيدة Marie Besnard، ففقدت بفقده أعز إنسان على قلبها، وشعرت أنّها أصبحت وحيدة في مجابهة أعباء الحياة… فاسترسلت بالبكاء حتّى غارت الدموع في مقلتيها. ولأنّ الأمثال وليدة التجارب عبر الزمان، نراها تنطق بالحكم وتثبتها بوقائع وحقائق لا تدحض، ومنها المثل القائل: المصائب تتراكم أو Les Maleurs S’accumulent.وعملاً بهذا المثل، شاء القدر أن تفقد عائلة الثنائي Léon et Marie Besnard سبعة أشخاص من أقاربهما ومن أصدقائهما في سبعة أعوام.
ثانياً: وفاة والدة Marie Besnard تفتح شهية القرويين للقيل والقال: بعد عامين على وفاة الزوج الثاني للسيّدة Marie Besnard، أيّ في كانون الثاني من العام 1949، توفيت والدة هذه الزوجة الأرملة، فكثر القيل والقال، في بلدة المتوفاة، وصولاً إلى حد رسم علامات الإستفهام حول الصدف، التي جعلت Marie Besnard تفقد زوجها ووالدتها خلال سنة وثلاثة أشهر.
ولمّا وصلت هذه الوشوشات، أو الإخبارات، إلى أسماع رجال الدرك في تلك الديار، قاموا باستدعاء السيدة Marie Besnard إلى التحقيق، ووجّهوا إليها الإتهام بقتل زوجها، فبدأت تتكوّن بهذا الإتهام أخطر قضية جنائية في فرنسا، بعد سنوات قليلة على انتهاء الحرب العالمية الثانية.
وممّا زاد الطين بلّة، في حظّ Marie Besnard العاثر، هو أنّ سيّدة تدعى Augustine Pintou ورجلاً يدعى Massip Auguste، كانا على خلاف مع الزوجة الثكلى Marie Besnard ، فاستغلاّ ظرف وفاة زوجها وأمّها، وقرّرا أن ينتقما منها، بأفظع ما يكون الإنتقام، فتوجّها إلى دائرة الشرطة أوّلاً، وإلى دائرة قاضي التحقيق ثانياً، وصبّا كامل حقدهما والغضب في طيّات الملفّ، فلعبا دور المواطن الصالح، غير الصالح، والمخبر الصادق، غير الصادق، اللذين شوّها صورة العدالة المشرقة في بلادنا، في كثير من الأحيان، وزعما أنّ المدعى عليها، بدأت قبل مقتل زوجها بشهور، تقيم علاقة غرامية، مع جندي ألماني أكثر شباباً ووسامة من زوجها، فأغضب ذلك أفراد عائلتها، ونفر منها أصدقاؤها وأصدقاء زوجها.
ثالثاً: إحالة الملف إلى قاضي التحقيق: بعد أن أنهى رجال الأمن تحقيقاتهم، إدعت النيابة العامة بحق Marie Besnard، بجناية قتل زوجها ووالدتها، وأحالت الملف إلى قاضي التحقيق، فاستدعى الزوجة المدعى عليها واستجوبها إستجواباً مطولاً، فأنكرت كل ما نسب إليها، وتمادت في شرح ما كان يربطها به من حب عاصف متبادل، ومن احترام يتزايد مع الأيام. وأشارت في استجوابها إلى أن السعادة التي كانت تغمرها وتغمر زوجها أثارت حسد الجيران وبعض الأصدقاء المزيفين، وأيقظت أحقاداً دفينة لدى الأخصام.
ولمّا سألها السؤال الأخير: هل لديك ما تضيفين؟ قالت أريد أن أعرف لماذا مات زوجي؟ فأجاب ونحن نريد ذلك. وهذا الأمر لا يمكن الوصول إليه، إلاّ بتشريح الجثة. ولهذا السبب قرّرت أن أكلّف الخبيرين Beroud و Médaille للقيام بمهمّة فتح قبر زوجك، وإجراء التشريح على جثته، وبيان أسباب الموت.
ولمّا تم التشريح، أظهرت النتائج أنّ الزوج Léon Besnard قد توفي بفعل كمية وازنة من سم الـ Arsenic، فقرّر قاضي التحقيق إستدعاء الزوجة، واستجوابها مجدّداً فكرّرت إنكارها، لكنّه لم يقتنع بإنكارها وأصدر مذكّرة توقيف بحقّها، فاستغلت الصحافة الفرنسية هذا الحدث، واعتبرته مناسبة عظيمة لشدّ انتباه الناس، وحملهم على الإكثار من شراء الصحف والمجلات، التي تتوسّع في شرح تفاصيل ما حدث وما تتصوّره أنّه حدث، فازدادت الإصدارات… وانشغل الناس بأخبار هذه الجريمة، كما سبق للعرب أن انشغلوا بقصص ألف ليلة وليلة، عندما بدأت هذه القصص بالإنتشار، في القرنين الثالث عشر والرابع عشر، على ألسنة الحكواتيين، في الأندية المفتوحة، أمام كلّ راغب من المثقفين، إلى الأميين، وعابري السبيل.
ومما زاد في حماسة الشعب الفرنسي، والشعوب الأوروبية المجاورة، على متابعة هذه القضية، هو أنه سبق للدولة الفرنسية، أن شهدت في القرن السابع عشر أعظم حدث جرمي يتعلّق بالقتل عن طريق السّم، لوجاهة الأشخاص الذين اتهموا فيه، وتَدخّلِ جلالة الملك لويس الرابع عشر لإخماد القضية، بإحراق قسم من الملف الفضائحي، الذي يتعلّق بعشيقته المفضلة Madame de Montespan، وأمّ أبنائه الستّة “المشرعنين” قبل انصرافه عنها، وتفضيل الآنسة الشابة الجميلة جداً Mademoiselle de Fontanges عليها.
رابعاً: توسّع قاضي التحقيق في تحقيقاته بكشف كثيراً من الوقائع المحيرة
توسّع قاضي التحقيق في تحقيقاته، معتمداً على أقوال المخبرين السيدة Augustine Pintou و Auguste Massip وعلى نتائج تشريح جثة الزوج الثاني لـ Marie Besnard، وأورد في قراره الإتهامي:
1- إن Marie Besnard تزوجت في المرة الأولى ابن عمها Auguste Antigny بتاريخ نيسان 1920، يوم كان عمرها 23 سنة. وبعد سبع سنوات، توفي هذا الزوج مصاباً بداء السّل.
2- وفي شهر آب 1928، تزوجت للمرة الثانية، من شخص فقير يدعى Léon Besnard، الذي كان عشيقاً معلناً للمخبرة Augustine Pintou.
3- وبعد عشر سنوات على هذا الزواج، توفيت قريبة هذا الزوج، السيدة Lecomte، بدون أولاد، عن عمر يناهز الـ 86 عاماً، فورثها مع شقيقته Lucie.. لكن Lucie هذه لم تغفر لشقيقها Léon زواجه من Marie Besnard .
4- وبتاريخ أيار 1940، مات والد Marie Besnard، السيد بيار Davaillaud في عمر الـ 78 عاماً، بفعل جلطة دماغية، تاركاً لإبنته الوحيدة وزوجته، مزرعة لم تتم قسمتها بين الإبنة والزوجة.
5- وبتاريخ تشرين الثاني 1940، توفي والد الزوج الثاني لـ Marie Besnard، السيد Besnard Mareellin في الثامنة والخمسين من عمره، بفعل تناوله كمية من الفطر البرّي المسمّ.
6- وبعد شهرين على وفاة والد الزوج الثاني، في 19/10/1940، توفيت والدته عن عمر يناهز الـ 68 عاماً، فورثها ابنها Léon Besnard، وابنتها Lucie Bodin. وبعد شهرين على وفاة الأم، إنتحرت الإبنة Lucie في آذار 1941.
7- وبتاريخ كانون الأول 1941، توفيت صديقة Marie Besnard، الأرملة Rivet، تاركة وصية بكل ما تملك إلى صديقتها Marie.
8- وبتاريخ حزيران 1945، توفيت ابنة عم Marie Besnard، السيدة Pauline Lalleron عن عمر 88 سنة، في بيت ماري، التي كانت تعتني بها. وبعد شهر على وفاة Pauline، توفيت شقيقتها Virginie، في عمر الـ 83 عاماً تاركة وصية بما تملك لإبنة عمهاMarie .
9- وفي تشرين الأول 1947، توفي زوج Marie Besnard الثاني، في عمر الخامسة والخمسين، فورثته… وشوهدت بعد فترة تسبح مع شاب ألماني يدعى Ady.
10- وبتاريخ كانون الثاني 1949، توفيت والدة Marie في عمر السابعة والثامنين، فورثت عنها كل ما تركته.
11- وفي أيار 1949، تم فتح قبر الزوج Léon Besnard، وتم التشريح، وأرسلت المثانة إلى Marseille لإجراء الخبرة. وبعد شهرين على هذا الحدث، تم توقيف الزوجة Marie Besnard، بفعل ما أدلى به المخبران مدام Pintou والسيد Massip، وبفعل تقرير الخبرة الذي دبجه الخبيران Beroud و Médaille، ومن ثم أصدر المحقق قراراً نهائياً إتهمها فيه بقتل الأشخاص الستة الأخيرين.
خامساً: جلسة محاكمة Marie Besnard الاولى أمام محكمة جنايات Poitiers
بتاريخ 19 شباط 1952، نقلت المتهمة Marie Besnard، من سجن النساء، إلى نظارة قصر العدل في مدينة Poitiers لتنام فيها، وتمثل عند الساعة الثامنة من صباح اليوم التالي الواقع فيه 20/2/1952، أمام محكمة الجنايات. وبفعل هذه الإحالة إلى محكمة الجنايات، بدأ علم الخبرة المتطور يفرض نفسه على مجرى الأحداث، في هذه القضية، وفي كل قضية تفرض ظروفها الإستعانة بالخبراء. وفي ذات الوقت، بدأت الأحداث تتوالى لتثبت حقيقتين مهمتين جداً هما: الحقيقة الأولى أظهرت، أن العلم مهما بلغ من التطور، يبقى غير معصوم عن الخطأ. والحقيقة الثانية أظهرت، أن العلماء مهما بلغوا من العلم والتجارب، يبقون عرضة للمناقشة والمساءلة. وهاتان الحقيقتان هما اللتان حملتا وكلاء المتهمة Marie Besnard، على توجيه أقسى الإنتقادات إلى الطريقة الكلاسيكية التي اتبعها الخبيران الأولان Beroud و Médaille في قضيّة موكّلتهم، وتمكّنوا من انتزاع قرار جديد من محكمة الجنايات، بإجراء تحاليل جديدة، وتنظيم تقرير جديد.
سادساً: التقرير الجديد للخبراء Piedelièvre, Khon-Abrest et Griffon
إن قرار الخبرة الذي أصدرته محكمة الجنايات في مدينة Poitiers تضمن تكليف نخبة من العلماء هم: Piedelièvre, Khon-Abrest et Griffon. وبعد هذا القرار، أعيدت المتهمة Marie Besnard، إلى سجن النساء بانتظار إنفاذ مهمة الخبراء، وتنظيم تقرير جديد حول مادة الـ Arsenic السامة، التي وجدت في جثة زوج المتهمة السيد Léon Besnard وآخرين.
سابعاً: لجنة الخبراء الثلاثة تقرر بالإتفاق فتح قبور كل الأشخاص المشتبه أن المتهمة Marie Besnard، قد سممتهم وتصدر تقريرها بسرّية تامة
ورد في تقرير لجنتي الخبراء:إنّ اللجنة الأولى المؤلفة من الخبيرين Beroud و Médaille وجدت في جثة السيد Léon Besnard 19,45 ملغ من الـ Arsenic، في حين وجد عضو اللجنة الثانية الخبير K.Abrest أن الكمية تتراوح بين (0,3)و (1) ملغ … ووجد الخبير الثاني Griffon (8) ملغ. ووجدت اللجنة الأولى في جثة والدة الزوج (48)ملغ، في حين وجد عضو اللجنة الثانية K.Abrest أن الكمية تتراوح ما بين (60) و (100) ملغ. ووجد العضو الثاني Griffon أن الكمية هي في حدود(2) مغ. ووجدت اللجنة الأولى في جثة والد الزوجة (36) ملغ، في حين وجد عضو اللجنة الثانية الخبير K.Abrest أن الكمية تتراوح ما بين (25) و (33) ملغ. ولم يجد الخبير Griffon شيئاً. وجدت اللجنة الأولى في جثة والد الزوج (48) ملغ في حين وجد الخبير K.Abrest أن الكمية تتراوح ما بين (2) و (25) ملغ. ولم يجد الخبير Griffon شيئاً. وجدت اللجنة الأولى في جثة ابنة عم الزوجة Pauline (48) ملغ في حين لم يجد الخبير K.Abrest شيئاً، ووجد الخبير Griffon (5)ملغ. وجدت اللجنة الأولى في جثة ابنة عم الزوجة Vriginie (24) ملغ في حين وجد الخبير K.Abrest أن الكمية تتراوح ما بين (2) و (4) ملغ ولم يجد Griffon شيئاً. ووجدت اللجنة الأولى في جثة صديقة الزوجة Marie، والسيدةBlanche Lebreau (30) ملغ، في حين وجد الخبير K.Abrest (4) ملغ ووجد الخبير Griffon (9) ملغ.
إنّ كمية الـ Arsenic الزائدة في جثة زوج Marie Besnard، فرضت على خبراء اللجنة الثانية أن تتوقف عند هذه الكمية ملياً. فمنهم من قال: إن الكمية الزائدة، من هذا السم القاتل، تدل على أن الزوجة Marie Besnard، كانت حاقدة على زوجها كثيراً، فقررت أن تقتله، دون أن تترك له أي أمل بالإنقاذ. ومنهم من قال: إن وجود هذه الكمية الزائدة، في جسم السيد Léon Besnard، يفرض علينا عدم التسرّع في إبداء الرأي، لأن المفاجآت قد تحصل من حيث لا ندري، فقد تكون طبيعة الأرض تحتوي على هذه المادة، أو أن يكون لتحلل الجثث في مقبرة Loudun واختلاط هذا التحلل مع ماء الشتاء، دور كبير في حصول هذه الكمية الوافرة من الـ Arsenic.
وقد يكون هناك أعداء للمتهمة، فأرادوا بعد موت زوجها، وضع هذه المادة في قبره لإرهاق كاهلها.
ثامناً: شهادة الخبراء الثلاثة أمام محكمة الجنايات
1- شهادة البروفوسور Piedelièvre : عند الساعة الثامنة من صباح اليوم المحدد للمحاكمة، نودي على الخبير العلاّمة Piedelièvre … فتقدم إلى قوس المحكمة حيث يجلس أعضاؤها فعرّف عن نفسه، وحلف اليمين القانونية، بطلب من رئيس المحكمة… وأيد بتحفّظ مضمون التقرير الذي اشترك في تنظيمه الخبيران K.Abrest و Griffon، والذي ورد فيه، أن طبيعة الأرض في بلدة Loudun تحتوي على كمية كبيرة من مادة الـ Arsenic، التي تأتي من تحلل الجثث في منطقة المقابر… لكنه لا يستطيع الجزم، ما إذا كانت كميات الـ Arsenic التي عثر عليها في الجثث، قد حصلت قبل الوفاة أو بعد الوفاة. فرسمت علامات إستفهام كبيرة، حول تحفظ هذا العالم على ما ورد في تقرير كلّف بدراسته وأُمطر بكثير من الأسئلة المحرجة. ومن الملفت للنظر، أن هذا العالم المميز، سئل من قبل وكيل الدفاع الأستاذ Gautrat: هل إن الـ Arsenic يذوب في الماء؟ فقال: بصراحة لا أعرف.
2- شهادة الخبير العلامة Kohn-Abrest: ولمّا أتى دور هذا البروفوسور K.Abrest، تقدم إلى القوس وعرف عن نفسه وحلف اليمين القانونية، وأيّد كل ما ورد في التقرير الذي نظمه على حده. وجزم بأن الكميات الوازنة من الـ Arsenic، التي وجدت في جثة زوج المتهمة، وجثث عدد من أصدقاء العائلة وأقاربها، لا يمكن أن تكون بفعل جانٍ …إنما هي ناتجة عن عوامل طبيعية، بفعل تحلل الجثث في تلك الديار.
3- شهادة البروفوسور Griffon: لقد أدلى هذا العالم بشهادة قريبة إلى شهادة كبيرهم العالم Piedelièvre، وتعرّض مثله، لسلسة من الأسئلة المحرجة، التي طرحها عليهما وكلاء الدفاع عن المتهمة Marie Besnard.
تاسعاً: لجنة جديدة من الخبراء
إنّ الخلاف الذي نشب بين الخبراء، أمام محكمة جنايات Poitiers، أعاق كشف الحقيقة، في قضية المتهمة Marie Besnard، وتم نقل الملف إلى محكمة جنايات La Gironde التي قررت تكليف لجنة ثلاثية جديدة من الخبراء. لكن أفراد هذه اللجنة إختلفوا بدورهم، فانتفضت نخبة من العلماء والمثقفين والمؤمنين بدور العدالة في رقي الأمم، ضد هذه المماطلة، في فصل قضية Marie Besnard، وضد “الأنا” التي تحكّمت بخبراء اللجنتين. وتم التأكيد على حقيقة علمية تقول: إن رفات البشر في المقابر تفرز مادة الـ Arsenic السامة، وهذا ما أكده:
1- وجود كمية من الـ Arsenic تتراوح ما بين (2) و (5) ملغ في الثياب التي كانت عل جثة المرحوم Léon Besnard زوج المتهمة Marie Besnard.
2- وجود كمية من ذات المادة مقدارها (6) ملغ في أرض المدفن الذي وجدت فيه جثة والدة Marie Besnard، السيدة Marie-Louise Antigny.
3- وجود (6) ملغ من ذات المادة في أرض القبر، الذي وجدت فيه جثة والد المتهمة، وفي شعره وفي ثيابه.
4- وجود (2) ملغ من الـ Arsenic ، في أرض القبر الذي وجدت فيه جثة والد زوج المتهمة Léon Besnard، ووجود (5) ملغ في قسم غير مغسول من شعره، وعدم وجود أي أثر لهذه المادة في قسم مغسول من شعره.
5- وجود (2) ملغ من ذات المادة في أرض القبر الذي وجدت فيه جثة صديقة المتهمة Marie Besnard السيدة Blanche Lebreau ، ووجود (1) ملغ في ثيابها.
عاشراً: رئيس محكمة الجنايات الثالثة في بوردو Nussy-Saint-Saën يلخص لهيئة المحلفين وقائع القضية، ويصدر الحكم النهائي على ضوء رأي هيئة المحلفين
في السنة الثانية عشرة، لبدء قضية Marie Basnard، في القضاء الفرنسي، شاء القدر أن يكون الرئيس الذي سوف يحكم في هذه القضية، هو القاضي العادل والشجاع، الذي لا يخشى أحداً في إعلان الحق، هو الرئيس Nussy-Saint-Saën، فأدار جلسات المحاكمة بمقدرة وحكمة فائقتين. ولمّا ختمت المحاكمة لخّص لهيئة المحلفين، كل الوقائع، وأظهر النقاط الحاسمة في فصل النزاع ومنها:
1-ذكّر المحلفين بالمخبرينMassip و Pintou، وشرح كيف كانت المخبرة Augustine Pintou ، موظفة في بريد بلدة Loudum، وأنها كانت على صداقة قوية مع Marie Besnard، قبل زواج هذه من Léon Besnard … وكانت تخبر صديقتها Marie عن علاقتها الغرامية بالسيد Léon Besnard … ومن ثم تفاجأت Augustine Pintou بصديقتها Marie، إذ أصبحت زوجة شرعية، لعشيقها هي، فاعتبرت أنها طعنتها بظهرها، وخطفت عشيقها منها، فحقدت عليها. ولمّا علمت أن شخصاً يدعى Auguste Massip قد ذهب إلى دائرة الشرطة وقاضي التحقيق، بعد وفاة Léon Besnard، وأدلى بإخبار إتهم فيه Marie بقتل زوجها، ذهبت هي وأرهقت بدورها كاهل صديقتها السابقة Marie، واتهمتها بقتل زوجها.
2- وذكّرهم، أن التحامل القوي، الذي ظهر في تصرفات المخبر Massip ضد المتهمة حمل المحكمة على طرده من جلسة المحاكمة، وعلى الإستغناء عن أقواله، فذهب إلى طنجة وتوفي فيها.
3- وذكّرهم أن المتهمة تعرضت لكثير من الإستجوابات المكثفة في التحقيق الأولي، وأمام قاضي التحقيق، وأمام محاكم الجنايات الثلاث، فبقيت على إنكارها، وعجزت كل هذه المرجعيات القضائية عن إنتزاع أي إقرار منها.
4- وذكّرهم أن خبير اللجنة الأولى د. Beroud، المعتد بقدرته على التمييز بين أنبوب Arsenic وأنبوب كحل، بمجرد النظر إليهما، وقع في فخ وكلاء الدفاع إذ عرضوا عليه أنبوبين، فقال عن الذي عُرض عليه إنه أنبوب كحل، في حين كان الأنبوب محتوياً على الـ Arsenic .
5- وذكّرهم أن الخبراء، رغم إختلافاتهم الكثيرة، في التقارير التي دبجوها، وفي الشهادات التي أدلوا بها، ظلّوا متفقين على وجود الـ Arsenic في ثيابنا وفي خمورنا وفي بيرتنا وفي مربياتنا، وفي حبات البونبون التي نأكلها، وفي رفاتنا، وفي فضة الصلبان التي توضع على التوابيت، وفي سقوف الزنك في المقابر.
وهذا الواقع هو الذي حمل الخبراء على عدم اعتبار وجود (1,3) ملغ من الـ Arsenic في أحشاء أي إنسان، ناشئاً عن عمل جرمي. وهو الذي حمل الخبراء على القول: عند وجود (3) ملغ من الـ Arsenic في أحشاء الإنسان، علينا أن نتساءل عمّا إذا كان المتوفي قد سبق له واستعمل أدوية تحتوي على بعض المقادير المدروسة من مادة الـ Arsenic.
6- وذكّرهم أن وكيل الدفاع الأستاذ Gautrat سأل العالم العلاّمة البروفوسور Piedelièvre: هل إن الـ Arsenic يذوب في الماء؟ فقال: لا أدري.
7- وذكّرهم أن جواب البروفوسور Piedelièvre، حمل وكلاء الدفاع على سؤال ثلاثة خبراء علماء هم: و Henri Ollivier البروفوسور الأسبق في كلية الطب في باريس، والدكتور Lepeintre رئيس مختبر المياه في باريس، و د. Kelling البروفوسور في معهد العلوم الزراعية، فأجمعوا على أن الـ Arsenic يذوب في الماء، ويمكن أن ينقل عبر المياه المذاب فيها إلى الأرض، ومنها أرض المقابر حيث توجد الجثث قبل وبعد تحللها.
وبعد هذه الشروح، طلب رئيس المحكمة إلى أعضاء هيئة المحلفين، أن يحكّموا ضمائرهم، وأن يبدوا رأيهم فيقولوا ما إذا كانت Marie Besnard مجرمة أم بريئة.. فجاءت النتيجة بالإجماع تقول: إن Marie Besnard بريئة من كل الجرائم التي نسبت إليها… فصفق الجمهور وراح يهتف يحيا العدل… يحيا العدل… ومن ثم صدر حكم قضائي بإعلان براءتها.
(نشر في النسخة الورقية من مجلة محكمة – العدد 34- تشرين الأوّل 2018)
*حفاظاً على حقوق الملكية الفكرية، يرجى الإكتفاء بنسخ جزء من الخبر وبما لا يزيد عن 20% من مضمونه، مع ضرورة ذكر إسم موقع “محكمة” الإلكتروني، وإرفاقه بالرابط التشعّبي للخبر(Hyperlink)، وذلك تحت طائلة الملاحقة القانونية.