خاص “محكمة”: مغالطات بشأن تفسير المادة 95 من الدستور/جهاد اسماعيل
كتب جهاد اسماعيل:
على اثر اقتراح القانون الذي تقدّمت به مجموعة من النوّاب من أجل إمكانية تعيين الناجحين في مباريات مجلس الخدمة المدنية، قال الخبير الدستوري د. سعيد مالك، في مقابلة على شاشة تلفزيون “otv” اللبناني، “إنّ المادة 95 من الدستور تشترط التماس الوفاق الوطني في قرارات التعيين في الوظائف العامة، وبالتالي لا يمكنها إلاّ أن تراعي التوازن الطائفي سنداً لروحية الدستور ولو لم يشر إليه النصّ، ما قد يهدّد المصلحة العامة والتوازنات في لبنان، لأنّه لا يمكن إجتزاء مواد الدستور من أجل بناء اقتراحات قوانين لا تتسق مع الدستور، ولرئيس الجمهورية الحقّ في إيقاف مراسيم التعيين!”
الرأي السالف ذكره، تشوبه الكثير من المغالطات التي من شأنها أن تغيّر مقاصد المشترع الدستوري، وتضرب النصوص الواضحة في عرض الحائط ، وذلك بسبب اعتبارات سياسية بحتة جعلت التفسير أن يكون على هذا النحو، ما دفعنا أن نطرحها وفقاً للبراهين أو الإسنادات التالية:
• ليس صحيحاً أنّ المادة 95 إشترطت مراعاة الوفاق الوطني في الوظائف العامة، سواء بفقرة صريحة أو ضمنية، كما كان النصّ السابق(قبل تعديله) يشير إلى ذلك صراحة “إلتماساً للعدل والوفاق تمثّل الطوائف بصورة عادلة في الوظائف العامة”، وهو خلط واضح بين النصّ ما قبل التعديلات وبعدها، لأنّ جوهر وثيقة الوفاق الوطني أو ما عُرف باتفاق الطائف، لم يكن يرمي إلى مأسسة الطائفية في المجتمع اللبناني، وتسخير كلّ مؤسّسات الدولة في خدمة الطوائف، بما يضعف الإنتماء الوطني لصالح “الفئوي أو المذهبي”. إنّما أراد التخلّص من كلّ ويلات الحروب وما أسفر عنها من غبن وهجرة وبطالة، بمعالجة تدريجية تقود المواطن إلى مرحلة يدرك فيها أهمية المواطنية والروح المدنية لجهة بناء وطن يعيش، من خلاله، جميع أبنائه تحت مظلّة الدستور والقوانين دون تمييز، وبشكل يؤمّن الأرضية لتطبيق الفقرة(ج) من مقدّمة الدستور التي تنصّ على أنّ:”إلغاء الطائفية هدف وطني وأساسي يقتضي العمل لتحقيقه وفق خطّة مرحلية”، وذلك بما يعزّز الولاء الوطني والاندماج الإجتماعي والثقافي بين اللبنانيين، سنداً للنصّ الجديد”تلغى قاعدة التمثيل الطائفي، ويعتمد الاختصاص والكفاءة في الوظائف العامة والقضاء والمؤسّسات العسكرية والأمنية والمؤسّسات العامة والمختلطة وفقاً لمقتضيات الوفاق الوطني باستثناء وظائف الفئة الأولى فيها وفي ما يعادل الفئة الأولى فيها، وتكون هذه الوظائف مناصفة بين المسيحيين والمسلمين دون تخصيص أيّة وظيفة لأيّة طائفة مع التقيّد بمبدأي الاختصاص والكفاءة.”
• لمّا كانت المواد الدستورية لا تتجزأ، ولا تقبل الإنتقائية وفقاً للمصالح السياسية، فإنّ القبول بمبدأ التمثيل الطائفي في الوزارة، وفقاً للمادة 95، يعني حتمية القبول بتجاوز هذا التمثيل في الوظائف العامة ولو باستثناء الفئة الأولى بحسب المادة نفسها، وإلاّ لماذا الاعتراف بجزء من المادة، وغضّ النظر عن الجزء الآخر من المادة نفسها؟!، كما أنّ القبول بمبدأ الميثاقية، أيّ ميثاق العيش المشترك بين الطوائف، يعني القبول بتمثيل أبناء كلّ الطوائف في جميع الوظائف العامة، وهذا ما يخالف التفسير الذي يضفي الشرعية على القرار السياسي الهادف الى إقصاء بعض اللبنانيين من الوظائف العامة بذريعة عدم التوازن الطائفي، لا سيّما وأنّ المادة 12 من الدستور تؤكّد عدم التمييز بين لبناني وآخر إلاّ من حيث الجدارة والاستحقاق، ومباريات مجلس الخدمة المدنية، القائمة على مبدأ “الكفاءة” مفردة واضحة من مفردات الدعوة الدستورية إلى إبعاد الناجحين، بمختلف انتماءاتهم، عن دائرة التمييز والطائفية، في حين أنّ السلطة السياسية ما قبل الانتخابات النيابية قد أدخلت إلى القطاع العام 5000 شخص عبر المحسوبيات والفئوية!.
• المطالبة بإلغاء الطائفية السياسية والتغنّي بالإحتكام للنصوص الدستورية، من دون تطبيق شروط المرحلة الإنتقالية، بحسب المادة 95 من الدستور، بما فيها إلغاء التوازن الطائفي في الوظائف العامة، يعني إلتفافاً واضحاً وصارخاً على المادة واتفاق الطائف على حدّ سواء، لأنّ درجة الإلزام واضحة ولا لبس فيها.
• إنّ التفسير الذي قدمه الدكتور سعيد مالك، يعطي السلطة السياسية الاجازة في تعطيل المؤسّسات والمواد الصريحة لصالح شهوات سياسية ترمي إلى تغليب المنطق الحزبي على منطق الدولة والقانون، ويحوّل النظام في لبنان من برلماني إلى رئاسي أو ملكي، عندما اعتبر أنّه يحقّ لرئيس الجمهورية في تعطيل إصدار المراسيم والقوانين سنداً لروحية الدستور، في حين أنّ الاخير مقيّد بصلاحية يقتضيها النصّ بصورة صريحة، سواء سلباً أم إيجاباً، لا سيّما وأنّ المشرّع حينما يريد تقييد السلطات بعمل معيّن يفصح عن ذلك صراحة، كما هو الحال في النصّ الملزم للسلطات بتطبيق التوازن في تركيبة البرلمان والحكومة، إذ كيف يمكن الافتراض، بذكر عبارة “روحية الدستور”، أنّ المشرع الدستوري قصد اتجاهاً معيّناً، في حين أنّ النصّ يدعو إلى اتجاه مغاير تماماً!، فالاجتهاد جائز، لكن لا مجال له في معرض النصوص الواضحة.
لذلك، وإنْ كان اقتراح القانون لا يسقط مسؤولية القوى السياسية في العمل بنتائج المباريات، بمصادقة القوانين والمراسيم المتعلّقة بها بعد المزايدات الشعبوية التي دحضها واقع إنتخابي آل إلى إدخال جيش من المتعاقدين على حساب الناجحين، وبقرار سياسي بامتياز، لكنّه قد يشكّل مناسبة لطرح إشكالية النظام السياسي في لبنان، ومدى إمكانية استمراره بالطريقة المتبعة، ما فتح الباب أمام تفسيرات وتأويلات سياسية لا تغني عن الحقّ شيئاً!
“محكمة” – الاثنين في 2019/1/21
*حفاظاً على حقوق الملكية الفكرية، يرجى الإكتفاء بنسخ جزء من الخبر وبما لا يزيد عن 20% من مضمونه، مع ضرورة ذكر إسم موقع “محكمة” الإلكتروني، وإرفاقه بالرابط التشعّبي للخبر(Hyperlink)، وذلك تحت طائلة الملاحقة القانونية.