دور وزير الدفاع في اقتراح تعيين القضاة العدليين لدى المحاكم العسكرية/عصام اسماعيل
الدكتور عصام نعمة إسماعيل*:
نصّت المادة الأولى من قانون القضاء العسكري رقم 24 تاريخ 1968/4/13 على أن يعطى وزير الدفاع الوطني تجاه المحاكم العسكرية جميع الصلاحيات المعطاة لوزير العدل تجاه المحاكم العدلية في كلّ ما لا يتنافى وأحكام هذا القانون.
ثمّ حدّدت المادة 13 من هذا القانون أصول تعيين القضاة العدليين في المحاكم العسكرية حيث نصّت على أن :”يعيّن القضاة العدليون لدى المحاكم العسكرية من قضاة الملاك العدلي بمرسوم بناء على اقتراح وزيري العدل والدفاع الوطني وبعد موافقة مجلس القضاء الأعلى.
يبقى هؤلاء القضاة خاضعين لنظامهم وتابعين لوزارة العدل في كلّ ما يتعلّق برواتبهم وترقيتهم وتأديبهم ويمكن في أيّ وقت كان إعادتهم إلى القضاء العدلي وفقاً للأصول المبيّنة لتعيينهم في الفقرة السابقة، على أنّه عند نقلهم يجب أن يشتركوا في إصدار القرار في الدعاوى التي ختمت المحاكمة فيها.
إنّ المشترع وبنصٍّ صريح أراد أن يشارك وزير الدفاع في اقتراح أسماء القضاة المدنيين في المحاكم العسكرية، بينما كان في النصّ السابق (المادة 32 من قانون العقوبات العسكرية) يمنح هذه الصلاحية لوزير العدلية منفرداً.
ولما صدر- قانون تنظيم القضاء العدلي- بموجب المرسوم الاشتراعي رقم 150 تاريخ 1983/9/16 فإنّه لم يشر إلى آلية تعيين القضاة المدنيين في المحاكم العسكرية، بل تضمّن نصّاً صريحاً بأنّ ملاك القضاء العسكري مختلف عن ملاك القضاء العدلي، حيث جاء في المادة 32 من هذا القانون على أن يحدّد ملاك وعدد القضاة المدنيين لدى القضاء العسكري في جدول رابع يلحق بهذا المرسوم الاشتراعي.
ثمّ في المادة 80 منه عمد إلى تحديد الدرجات القضائية التي تتيح للقاضي تولّي مراكز قضائية بما فيها المراكز القضائية لدى القضاء العسكري، وتمّ تعديل هذه الدرجات بما ينسجم مع سلّم الدرجات الجديد للسلك القضائي(22 درجة) بموجب القانون رقم 389 تاريخ 2001/12/21 بحيث لم يشر هذا القانون الجديد أيضاً إلى آلية تعيين القضاة العدليين في المحاكم العسكرية.
وإنّما كانت المادة الخامسة الجديدة من قانون تنظيم القضاء العدلي تنصّ على أنّه:”بالإضافة إلى المقرّرات يتخذّها مجلس القضاء الأعلى والآراء التي يبديها في الحالات المنصوص عليها في القانون والأنظمة تناط به الصلاحيات التالية:
أ – وضع مشروع المناقلات والإلحاقات والانتدابات القضائية الفردية أو الجماعية وعرضها على وزير العدل للموافقة عليه.
ب- لا تصبح التشكيلات نافذة إلاّ بعد موافقة وزير العدل.
ما طرح التساؤل حول ما إذا كان تعيين القضاة العدليين لدى المحاكم العسكرية يدخل ضمن مندرجات هذه المادة.
إنّ مندرجات هذه المادة تتحدّث عن مناقلات وإلحاقات وانتدابات تخضع لاقتراح وزير العدل، أيّ تلك المتصلة بالقضاء العدلي الذي يدخل ضمن تنظيمات وزارة العدل القضائية، أمّا القضاء العسكري فليس جزءاً من تنظيمات وزارة العدل القضائية، بل إنّ المادة الأولى من قانون القضاء العسكري واضحة لناحية إعطاء وزير الدفاع الوطني تجاه المحاكم العسكرية جميع الصلاحيات المعطاة لوزير العدل تجاه المحاكم العدلية. ما يعني أنّ التعيينات المتصلة بالقضاء العسكري يفترض وفق حرفية هذه المادة لا تصبح نافذة إلا بعد موافقة وزير الدفاع.
ويجد هذا التفسير سنده في المادة 54 من الدستور التي تلزم بأن يوقّع على مقرّرات رئيس الجمهورية الوزير المختص، وحيث إنّ وزير الدفاع الوطني يمارس تجاه المحاكم العسكرية جميع الصلاحيات المعطاة لوزير العدل تجاه المحاكم العدلية، فإنّ السلطة المختصة لتوقيع مرسوم تعيين القضاة العدليين في المحاكم العسكرية هو وزير الدفاع الوطني.
وقد فسّر مجلس شورى الدولة معنى الوزراء المختصين الوارد في المادة 54 من الدستور، … إنّ صدور المرسوم بصورة عامة لا يحتاج إلاّ إلى اقتراح وتوقيع الوزير المختص الذي يتعلّق المرسوم مباشرة أو بصورة رئيسية بالوزارة التي يتناول شؤونها، أيّ، يجب أن يقترن المرسوم بتوقيع كلّ وزير يكون لوزارته علاقة مباشرة بالأحكام القانونية والتنظيمية التي يتضمّنها المرسوم (مجلس القضايا القرار الرقم 14/ 92- 93 تاريخ 1992/11/19 القاضي يوسف سعدالله الخوري/ الدولة – القاضي جوزف شاوول).
ولمّا كان قانون القضاء العسكري في أكثر من مادةٍ فيه، وليس فقط المادة الأولى منه قد نصّت على صلاحية وزير الدفاع كالمادتين 8 و9 اللتين تشترطان موافقة وزير الدفاع وليس فقط اقتراحه لتعيين قاضٍ في هيئة المحكمة.
كذلك المواد 7 و11 و12 منه التي لا تلزم وزارة الدفاع باختيار القضاة حكماً من القضاة العدليين، حيث يمكن اختيارهم من الضبّاط:
المادة 7- يتولّى القضاء العسكري المنفرد قضاة من ملاك القضاء العدلي، غير أنّه يمكن تعيينهم من الضباط المجازين في الحقوق من رتبة ملازم أوّل فما فوق وإذا تعذّر ذلك، فمن غير المجازين.
المادة 11- …. يقوم بوظيفة مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية أحد القضاة من الدرجة الحادية عشرة وما فوق يعاونه قاض أو عدّة قضاة أو ضابط أو عدّة ضبّاط من المجازين في الحقوق على أن لا تقلّ رتبته عن رتبة نقيب فما فوق، ينتدب العسكريين منهم وزير الدفاع الوطني لهذه الغاية وفاقاً لأحكام المادة 14.
المادة 12- يقوم بوظيفة قاضي تحقيق لدى المحكمة العسكرية قاض أو عدّة قضاة من رتبة قاضي تحقيق في ملاك القضاء العدلي، أو ضابط أو عدّة ضبّاط من المجازين في الحقوق.
فهذه المواد واضحة جدّاً على أنّ بالإمكان تعيين قضاة المحكمة العسكرية من القضاة العدليين أو من الضبّاط.
فهل كلّ هذه الصلاحيات قد ألغيت ضمناً بالمادة 136 من قانون تنظيم القضاء العدلي التي تنصّ على أن:” تلغى جميع الأحكام القانونية المخالفة أو غير المتوافقة مع أحكام هذا المرسوم الاشتراعي ويلغى القانون رقم 65/49 تاريخ 1965/9/6″.
إنّ اللجوء إلى القياس أو البحث عن تفسير النصّ تكون في حالة غموضه، أمّا إزاء النصّ الصريح الواضح، فلا يمكن الحديث عن تفسير، وهذه قاعدة معروفة منذ القدم”لا اجتهاد في معرض النصّ الصريح” وحيث إنّ مواد قانون القضاء العسكري تمنح صلاحية لوزير الدفاع، فإنّه مع صراحة هذا النصّ ووضوحه لا يكون مناسباً أو منطقياً البحث بين الخبايا عن تفسيرات تناقض هذا النصّ.
يضاف إلى ذلك أنّ المستقرّ عليه في الفقه والاجتهاد على أنّ الالغاء الضمني يكون بصدور تشريع جديد يتضمّن حكماً يتضارب مع حكم تشريع سابق. فيعتبر الحكم الجديد ناسخاً ضمناً للحكم القديم، لاستحالة إعمال الحكمين المتضاربين في وقت واحد، وتغليباً لإرادة المشرّع الحديثة على إرادته السابقة.
فإذا كان التشريع الجديد حكماً عاماً، والقديم حكماً خاصاً، فيُعمل بالجديد على أنّه القاعدة العامة ويبقى العمل بالقديم على حاله، ولكنّه يعتبر استثناء لأنّ النصّ العام لا يمكن أن يلغي النصّ الخاص السابق إلغاء ضمنياً، ولا بدّ له في إلغائه من النصّ على ذلك صراحة. (على سبيل المثال: سليمان مرقص- الوافي شرح القانون المدني المصري- منشورات صادر الحقوقية- الكتاب الأوّل).
وفي اجتهاد مجلس شورى الدولة، نجد ذات القاعدة، أنّه في مجال تنازع القوانين إذا تعارض قانون عام مع قانون خاص: يغلّب القانون الخاص على القانون العام (م.ش. قرار رقم 413 تاريخ 2003/4/8 بلدية قرنة شهوان/ الخوري- والقرار رقم 40 تاريخ 1987/02/12 شمعون/ الدولة).
وفي حكمٍ متصل بإلغاء صلاحية بصورة ضمنية قضى مجلس شورى الدولة:”يقتضي معرفة ما إذا كان هناك إلغاء لصلاحية رئيس الجمهورية المقرّرة في المادة 3 من القرار رقم 15 بموجب التعديل الدستوري الحاصل عام 1990. وبما أنّ المادة 102 من التعديل الدستوري تنصّ على إلغاء جميع الأحكام الاشتراعية المخالفة للدستور دون أن تتضمّن تحديداً صريحاً للنصوص التشريعية المشمولة بهذا الإلغاء ممّا لا يمكن معه القول بوجود إلغاء صريح لأحكام المادة /3 من القرار رقم 15 الذي له قوّة القانون وذلك لجهة اختصاص رئيس الدولة في إعطاء الجنسية اللبنانية(مجلس القضايا قرار رقم 484/ 2002-2003 الرابطة المارونية/ الدولة).
لذا، وبحسب التنظيم القانوني المرعي الإجراء، فإنّ صلاحية وزير الدفاع باقتراح أسماء القضاة العدليين لدى المحاكم العسكرية أو موافقته على اقتراح مجلس القضاء الأعلى (وفق التفسير المذكور) لا يمكن أن تلغى بنصٍّ عام، وفق الحجج المذكورة أعلاه.
*أستاذ القانون الدستوري والإداري في الجامعة اللبنانية
“محكمة” – الجمعة في 2020/4/17
*حفاظاً على حقوق الملكية الفكرية، يمنع منعاً باتاً نسخ أكثر من 20% من مضمون الخبر، مع وجوب ذكر إسم موقع “محكمة” الإلكتروني، وإرفاقه بالرابط التشعّبي للخبر(Hyperlink)، وذلك تحت طائلة الملاحقة القانونية.