دياب وزعيتر وخليل وفنيانوس يرفعون الدستور بوجه ادعاء صوّان فلمن الغلبة؟/علي الموسوي
كتب علي الموسوي:
من بديهيات العمل القضائي السليم أن يقوم القاضي سواء أكان يرتدي ثوب محام عام استئنافي أو قاضي تحقيق أو محقّق عدلي بالإجراءات القانونية الصحيحة عندما يقرّر الإدعاء على شخص ما بعد سماعه له بصفة شاهد.
غير أنّ قاضي التحقيق العدلي في جريمة انفجار مرفأ بيروت فادي صوّان لم يسلك هذا الطريق الواضح والصريح عندما رفع سقف الملاحقة بالإدعاء على رئيس حكومة تصريف الأعمال حسّان دياب ووزير المالية السابق النائب علي حسن خليل ووزيري الأشغال العامة والنقل السابقين النائب غازي زعيتر والمحامي يوسف فنيانوس.
فالقاضي صوّان يعرف أنّ المجلس النيابي في حال عقد عادي ينتهي في 31 كانون الأوّل بحسب منطوق المادة 32 من الدستور، وبالتالي لا يجوز له ولسواه من القضاة، ملاحقة أيّ نائب طوال هذه الفترة ما لم يكن الجرم مشهوداً، وهذا ما تؤكّده المادة 40 من الدستور اللبناني حيث نقرأ في متنها أنّه “لا يجوز أثناء دور الانعقاد اتخاذ إجراءات جزائية نحو أيّ عضو من أعضاء المجلس النيابي أو إلقاء القبض عليه إذا اقترف جرماً جزائياً إلاّ بإذن المجلس ما خلا حالة التلبّس بالجريمة” أي الجرم المشهود.
وما دام أنّ أسباب الجرم المشهود غير متوافرة بحقّ النائبين غازي زعيتر وعلي حسن خليل، وبغضّ النظر عن حصول إهمال إداري أو تقصير ما أو الدخول في نقاش قانوني حول ماهية هذين الجرمين ومدى انطباقهما عليهما، فإنّ القاضي صوّان يكون قد أخطأ في الادعاء عليهما خلال فترة انعقاد المجلس النيابي.
ولا شكّ أنّ القاضي صوّان الذي يملك رصيد سنوات طويلة من العمل في القضاء الجزائي، يدرك ملياً أنّه لا يحقّ له ملاحقة المحامي من دون نيل إذن مسبق من نقابة المحامين المقيّد على جدولها العام سواء أكانت نقابة بيروت أو نقابة طرابلس ما لم يكن الجرم مشهوداً، حيث يتوجّب عليه وقبل الإدعاء أن يبادر إلى إرسال الملفّ مع طلب رفع الإذن إلى النقابة المعنية فيدرسه مجلسها ويقرّر اعتبار الفعل المنسوب للمحامي في معرض ممارسة المهنة أو خارجها وبالتالي إعطاء الإذن بالملاحقة أو حجبه، وفي الحال الأخيرة يحقّ للنيابة العامة استئناف طلب رفع الحصانة النقابية في حال التمنّع أمام المحكمة النقابية وهي محكمة الإستئناف الناظرة في الدعاوى النقابية.
والمدعى عليهما الثلاثة زعيتر وفنيانوس وخليل محامون مسجّلون في الجدول النقابي العام، فكيف أجاز صوّان لنفسه ملاحقتهم دون اتباع الطريق القانوني السليم ودون الحصول على الإذن النقابي وهو إذن إلزامي وليس شكلياً؟
ولا شكّ أنّ البيان الصادر عن مجلس نقابة المحامين في بيروت في إطار الدفاع عن صوّان و”تشجيعه” على مخالفة القانون بعد ادعائه على دياب والوزراء المذكورين، لا يمكن أن يكون بديلاً عن تقديم طلب رسمي وقانوني للمجلس النقابي لنيل الإذن بالملاحقة، كما أنّه لا يحقّ للقاضي صوّان أن يقرّر من تلقاء نفسه أنّ الوزراء الثلاثة المحامين زعيتر وفنيانوس وخليل كانت قيودهم في السجّل النقابي معلّقة بحكم تعيينهم وزراء وهو ما يوجبه قانون تنظيم مهنة المحاماة، إذ يتوجّب عليه أن يرسل للنقابتين في بيروت وطرابلس طلبين بهذا الشأن لتقرير مصير حصول الجرم المنسوب إليهم حتّى ولو كانت قيودهم معلّقة، فهذه الإجراءات ليست شكلية وإنّما واجبة وإلاّ لما وضعت في قانون.
ويعلم القاضي صوّان أنّ المواد 70 و71 و72 من الدستور اللبناني تؤكّد بشكل لا لبس فيه أنّ مجلس النوّاب هو من يتهم رئيس مجلس الوزراء والوزراء بارتكابهم الخيانة العظمى أو بإخلالهم بالواجبات المترتّبة عليهم، وأنّ القرار الاتهامي يصدر بغالبية ثلثي أعضاء المجلس ليحاكموا أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء الموجود والقائم والمشكّل وقد سبق أن شهد هذا المجلس محاكمة الرئيس فؤاد السنيورة يوم كان وزيراً للشؤون المالية في ملفّ محرقة برج حمود ووزير النفط شاهي برسوميان في ملفّ بيع الرواسب النفطية بغضّ النظر عمّا آلت إليه النتيجة التوافقية يومذاك.
وهذا يعني أنّ ادعاء القاضي صوان هو خرق فاضح للدستور ولا يمكن أن يعوّل على هذا الإدعاء ما دام أنّه لم يتبع الطرق القانونية الواجبة.
فنيانوس في العدلية
وحضر الوزير السابق فنيانوس قرابة الساعة الثامنة والنصف من صباح يوم الثلاثاء الواقع فيه 15 كانون الأوّل 2020، إلى قصر عدل بيروت للقاء القاضي صوّان بناء على تبليغ بموعد جلسة تحقيق تلقاه من المحامي العام التمييزي القضي عماد قبلان يوم الخميس الواقع فيه 10 كانون الأوّل 2020، علماً أنّ التسريبات القضائية لبعض الوسائل الإعلامية جزمت بتأجيل الجلسة إلى موعد آخر ولم يقم المعنيون في القضاء بإبلاغ فنيانوس بالموعد الجديد.
ويقول فنيانوس لـ”محكمة” إنّه مقتنع تمام الإقتناع وبحكم القانون أنّ صلاحية الملاحقة والمحاكمة تعود للمجلس النيابي لجهة الاتهام، وللمجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء لناحية المحاكمة، ولا يمكن للقاضي صوّان أن يقوم بخرق المواد الدستورية 40 و70 و71 و72 وهي وردت بنصوص واضحة لا غامضة ولا تحتاج إلى تفسيرات وشروحات وحلّ ألغاز.
وإنْ كان زعيتر وخليل يتمتّعان بحصانة نيابية لا يتفوّق عليها طلب أيّ قاض بالملاحقة إلاّ إذا كان الجرم مشهوداً، وبالتالي لا يمكن للقاضي صوّان أن يصدر مذكّرات إحضار بحقّهما في حال تخلّفهما عن المثول أمامه، وهما “يتمترسان” خلف المواد الدستورية والحصانة النيابية، فإنّ الوضع بخصوص الوزير فنيانوس مختلف تماماً، فهو ليس نائباً ولديه حصانة المحاماة فقط.
ومع ذلك، فإنّ النقاش المطروح اليوم هو التالي: هل يقاطع الوزراء الثلاثة المحقّق العدلي لمخالفته الدستور، أم يذهبون إليه ويلفتون نظره إلى خرقه للدستور في ما يقوم به من أعمال وتصرّفات وإجراءات؟
ويجيب أصحاب الرأي الأوّل:“وهل ترجو ممن يسوّل لنفسه ضرب الدستور أن يردّ على طلبات الدفع الشكلي أو سواها؟!”
“محكمة” – الثلاثاء في 2020/12/15