رأي هيئة التشريع والإستشارات بشأن إشكالية مرسوم الضبّاط مردود شكلاً ومضموناً/جهاد اسماعيل
كتب جهاد إسماعيل:
أمّا وقد أكّدت هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل، في رأي أصدرته بشأن وجوب توقيع وزير المال علي حسن خليل مرسوم منح ضبّاط الأقدمية، أنّ الوزير المختص للإشتراك بالتوقيع مع رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء على المرسوم هو وزير الدفاع دون وزير المال، يدفعنا إلى التوقّف عند حيثياته، ومقاربته في الشكل والمضمون.
ففي الشكل، وإن كان رأيها ليس ملزماً أو جوهرياً، إلاّ أنّ وظائف هذه الهيئة لا تتعدّى إعداد مشاريع القوانين والمراسيم والقرارات التنظيمية والتعاميم ومشاريع المعاهدات والاتفاقات الدولية التي يطلب منها وضعها، أو إبداء الرأي فيها ، علاوة على تفسير النصوص القانونية، ما يخرج تفسير النصّ الدستوري من نطاق استشارتها أو صلاحيتها، باعتباره من المسائل المناطة بالمجلس النيابي وحده، لأنّنا في صدد إشكالية دستورية ناشئة عن تعارض المرسوم مع الدستور (وبالتحديد المادة 54)، وليس فقط أمام إشكالية تعارض مرسوم مع القانون، تبعاً لسمو القاعدة الدستورية على سائر القواعد الحقوقية، ما يؤكّد نهوض صلاحية لجهة أخرى في إبداء الرأي وهي السلطة التشريعية لا هيئة الاستشارات في وزارة العدل( كجزء من السلطة التنفيذية).
أمّا في المضمون، فتفسير نصّ المادة 54 من الدستور إنطلاقاً من المعيار العضوي أو الشكلي، بقولها إنّ وزارة المالية ليست صالحة في التوقيع تبعاً لانتفاء الأثر المالي من جهة، وعدم قيمومتها إلاّ على شؤونها لا على شؤون وزارة أو جهة أخرى، فيؤخذ عليه بالنقاط التالية:
• ينسف المعيار المادي أو الموضوعي المعتمد في الإجتهاد الدستوري أو الإداري اللبناني، أيّ أنّه يغضّ النظر عن مضامين القرارات والمراسيم، والاقتصار على النظر بالجهة التي أصدرتها.
• إنّ القول بعدم صلاحية وزارة المالية في التوقيع تبعاً لانتفاء الأعباء المالية والدور على حدّ سواء، يدحض من منطلق أنّ مرسوم منح ضبّاط الأقدمية، يوجب توقيع وزير المال كون الأقدمية تعني ترتيب الترقية ابتداء، وبالتالي فإنّ تغيير في الرتبة يؤدّي إلى تغيير في الراتب الذي يؤدّي بدوره إلى خلق أعباء مالية، ما يؤكّد صلاحية وزير المالية كوزير مختص.
• عندما ينصّ الدستور، عموماً، على توقيع الوزير المختص على مقرّرات رئيس الجمهورية، فإنّه يؤكّد مبدأ التضامن الوزاري أو الحكومي، لا على فكرة التسلسلية أو التراتبية، وهذا على خلاف ما ذهبت إليه هيئة الإستشارات عندما أوحت بأنّ توقيع وزارة المال وكأنّه قيمومة على وزارة أو جهة أخرى، في حين أنّ وزارة المال، كما يطلق عليها، بأنّها وزارة الموازنة، لأنّ بحسب القانون والواقع اللبنانيين، فإنّ لدى وزير المالية إمكانية كبيرة للإطلاع على أوضاع كلّ وزارة، وممارسة الرقابة على موازنة كلّ وزارة عبر المراقبين الماليين، خلافاً لمعظم التشريعات العربية والأجنبية.
• درجت العادة اللبنانية، ولو بصفة غالبة، على اعتماد التفسير الواسع للنصوص، إذ إنّ نصّ المادة 54 من الدستور، يتحدّث عن وزراء مختصين وليس عن وزير مختص بالتحديد، وذكر ذلك على سبيل العموم، من زاوية التأكيد بأنّ تحديد الإختصاص يعود إلى فحوى الموضوع بالمعنى العام والواسع، وإلى المجلس النيابي نفسه في حال الخلاف على تفسير النصوص الدستورية، لأنّه أوّلاً السلطة التي تنبثق عنها سائر المؤسسات، وثانياً ليس شريكاً في التوقيع، من باب الإفتراض أنّه جهة مستقلّة عن إحداث الأثر القانوني.
• تبرير الرأي الراهن، إنطلاقاً من إحدى فقرات “قانون الدفاع الوطني” القائلة بصلاحية وزير الدفاع بالتحديد على توقيع مراسيم الأقدمية للضبّاط، يدحض تبعاً لعدم توافر شروط الأقدمية من الناحية الحقوقية، وتبعاً لسمو الدستور على القانون.
• إنّ الإستناد إلى بعض السوابق لإضفاء الشرعية القانونية على المرسوم العالق، يقوّض لسببين، الأوّل: هو أنّ تجاوز النصّ في آن لا ييرّر تجاوزه مجدّداً، لا سيّما أنّ الدستور يعلو على العرف والسوابق، والثاني: إختلاف الأوصاف والشروط القانونية والواقعية في كلّ مرسوم، خاصة وأنّه لا يخلو من الإشكالات الميثاقية والقانونية والسياسية.
بناء عليه، لا نوافق على الأسباب الموجبة في تعليل الرأي الصادر عن هيئة التشريع والإستشارات لجهة قانونية”مرسوم الأقدمية”، إنطلاقاً من التعليلات السالف ذكرها.
“محكمة” – الثلاثاء في 2018/01/16
*حفاظاً على حقوق الملكية الفكرية، يرجى الإكتفاء بنسخ جزء من الخبر وبما لا يزيد عن 20% من مضمونه، مع ضرورة ذكر إسم موقع “محكمة” الإلكتروني، وإرفاقه بالرابط التشعّبي للخبر(Hyperlink)، وذلك تحت طائلة الملاحقة القانونية.