رئيس بصفات رئيس… ولكنْ!
كتب النقيب عصام كرم:
لياقة الرؤساء… هي كان يجب أن ترعى مسيرة “مذكّرة الخمسة” إلى قمّة البحر الميت. عرف بها مَن عاد فأنكر؟ صُنعت في لبنان أو استنزلها الوحي؟… ما هذه هي المسألة. كلّ الشؤون الخطيرة اللبنانية تهوى، تقليدياً، إستيراد الحلول. ألمُهمّ أنّ المذكّرة إلى البحر الميت حطّت في حظيرة الإنقسام اللبناني بين 8 و 14 آذار. يدخل فلان. يخرج ثانٍ. يحرد ثالث… وتبقى الروحيّة هي إيّاها منذ القيسيّة واليمنيّة في جبل لبنان. “عملوها” مع إميل لحود في إبّان قيام المحكمة الدولية. يومذاك … كانت جريمة 14 شباط 2005 ما تزال على دمها. مع أنّ إميل لحود بَرَاء من كلّ دم. ميشال عون … ما ذنبه؟ يريدون … الخمسة الرؤساء… تسجيل موقف؟ هذا حقّهم. ولكن ليس على حساب صورة وحدة الدولة اللبنانية، خصوصاً أنّ الخمسة يقولون بأوليّة الدولة وبحصريّة الدولة.
ألمذكّرة أثارت ضجيجاً؟ نعم! وهل شيء حلو أن يقفز خمسة رؤساء … رئيسا جمهورية وثلاثة رؤساء حكومة… فوق الحدود من دون أن يحدث ذلك إستغراباً عند الناس ولَبَكَة وبلبلة تسآل؟ عن ألناس الحياديين أحكي. أمّا الآخرون فقسمة ما تزال كما كانت وراء تعطيل القرار اللبناني منذ فخر الدّين.
ليس في الدولة ما يُبهر. ورفقة الطائرة إلى نهر الموت لا تتجاوز حلاوة المؤانسة. على أن تبقى الشؤون الكبيرة في حرزٍ حريز. وأنا، من هنا، لست مأخوذاً بهذا الهيكل الرثّ المحسوب دولة. من النفايات … إلى قانون الإنتخاب… مروراً بالفساد الهادم. وماذا يكون الرأي في دولة تدعو إلى محاربة الفساد من دون أن تفعل شيئاً لضربه؟ أعود إلى الأحد عشر مليوناً. إلامَ صارت؟ جميل أن ندعو إلى محاربة الفساد. لكنّ الأجمل أن نحاسب فاسداً. أن نعيد قرشاً حراماً إلى خزانة المال الحلال. ألفاسدون معروفون… من أهل السياسة تدرُّجاً نسمّي واحداً من الذين أكلوا الميليارات الأحد عشر. إلى أهل الإدارة إلى أهل القضاء. فهلاّ دلَلْنا بالإصبع الرسمية على واحد من ذوي الأيدي الطويلة والأنامل الخفيفة المتلاعبة بقيود رسمية قي الوزارات بحماية القادرين على بسط الحماية. فلنفقأ حصرمة في عين الطوباويين بأن نقدّم إليهم جردة حساب بقامات الفاسدين!
في فرنسا… حقّقوا مع رئيس جمهورية ومع مرشّح لرئاسة الجمهورية. وعجزوا عن جلب مرشّحة للرئاسة إلى محراب العدالة. مارين لوبين رفضت المثول أمام القضاء في حميّا المعركة الإنتخابية… واستنام القضاء!
* * *
لياقة الرؤساء! ثقافة رئاسية تفرض مستوى معيّناً في الكلام. وفي التصرّف. فــــي الرؤية إلى المسؤولية. وفي فهم القيافة الرئاسيّة. ومرّات… لا أراني أحكي عن كِبَر الرؤساء. الأشياء الصغيرة تُضعفهم. حسني مبارك أُخذ بحذاء جوزف بْروزتيتو. فما تقضّي لقاؤهما حتّى كان عنوان صانع الأحذية في جيب الرئيس المصري. جاك شيراك … رئيس فرنسا… جاء لبنان معزّياً من دون أن يلتفت صوب القصر الجمهوري.ومِثْل المذكّرة الخماسية “هضم” الناس”لياقة” الرئيس الفرنسي. دونالد ترامب لم يسلّم على أنغيلا ميركل وهي عنده في المكتب البيضاوي. وسأل: مَن الخارج المقبل من الإتّحاد الأُوروبي … وذلك في مناخ الإحتفال بستّينية معاهدة روما.
* * *
أقلّ من الفساد أهميّة وأكثر من الأشياء التداولية اليومية قانون الإنتخاب. لكنّ قانون الإنتخاب في لبنان محكوم، بعد مجيء ميشال عون رئيساً، بذهنية تصير هاجساً:هذه مناسبة لن تتكرّر. إذا هبّت رياحك فاغتنمها! هو كلام يقوله حلفاء رئيس الجمهورية الذين أقاموا بينهم ما صنعه الحدّاد. ويطالعني كلام النسبيّة. لست أدري إذا كانت النسبيّة تحمل نَصَفة” للناس. في البلدان الواضحة النُظُم الحزبية ذهبوا إلى النسبيّة… وعادوا بلا نتيجة كبرى. مع أنّ في فرنسا، مثلاً، قسمةٌ واضحة بين يمين ويسار. هذه القسمة وَلَدها خلاف يعود إلى الثورة الفرنسية… ثورة 1789. خلاف تصنيفي كان من أجل توفّر أكثر علانية على المسائل الإجتماعية. وفي تحديد التسميات أنّ اليمين هو تعزيز القائم الطبيعي… في التقاليد. وفي السُّوق. واليسار هو تطلُّع إلى تعميق الحرّيات عبر تعميق المساواة. ومن هذا التصنيف نهض فرْقٌ بين ” المجتمعي” sociétal و”الإجتماعي” social . والتأليف بينهما، والمحافظة عليهما، أساسان لتَكامُل الديموقراطية. نحافظ على “المجتمعي” لأنّه يعني الحرّيّة. ونحافظ على “الإجتماعي” لأنّه يعني المساواة. في كلام لـ إيمّانويل كانط أنّ الإجتماعي بلا المجتمعي أعمى. والمجتمعي بلا الإجتماعي فارغ.
أليمين الفرنسي أُصيب بنكسة كبيرة مع فرانسوا فيّون. واليمين المتطرّف يحاول فرض اللاّسماح باسم الإنفتاح. واليسار … يكتب ماتيو كْرواسّاندو في “لونوفيل أُوبسرفاتور” … حائر بيت غضب جان لوك ميلانشون وطوباوية بنوا هامون وآمال إيمانويل ناكرون. ثلاثة خيارات: إنقلاب. حُلم. تطوير. والحزب الإشتراكي ما استطاع تأمين الخيارات الثلاثة مجتمعةً في كلّ مرّة تولّى الحكم.
هذا كلّه يجعل الفرنسيين يشعرون وكأنّهم في الـ “تايتانيك” قبل غرقها بساعات. وذلك في غمرة تطلُّعهم إلى الرجل القَدَر. عصفور العواصفl’oiseau des tempêtes فلا يهتدون. ويأخذ بعضهم وخز ندامة. من خمس عشرة سنة … في انتخابات رئاسة 2002… إستغربوا أن يصل جان ماري لوبين إلى الدورة الثانية. اليوم … تراهم يستغربون ألاّ تكون ابنته حاضرة، بل حضرةً، في الدورة الثانية، ولو أنّ في بالهم أنّ خصمها قد ينجح لأنّه ضدّها، لا لصفات لصيقة بذاته. خفْض مدّة الولاية الرئاسية من سبع إلى خمس سنوات… ربّما كان له أثر في ذلك. فرنسا ذات نظام ديموقراطي برلماني. مثل لبنان. مثل ألمانيا إنلكتّرا إيطاليا إسبانيا اليونان. في مثل هذه الديموقراطيات… إلاّ في لبنان… يُخرج القرار التداولي المخفقين. دافيد كامرون في إنكلترا. ماتّيو رينزي في إيطاليا. في الجمهورية الخامسة، برؤية ديغول، كأنّ الجمهورية الخامسة صُكّت على قياس ديغول، كان الرئيس يمثّل الوحدة الوطنية وقِيَم الجمهورية. في هذا الزمن صار مجلس النوّاب… الجمعية الوطنية… هو الواجهة والمتعمَد.
فماذا في لبنان؟ رئيس الجمهورية يملك صفات الرئيس من دون أن يملك الحرّيّة الكبرى في التصرّف الكبير… تصرّف الرئيس. وقرار الرئيس. ومجلس نوّاب غير موجود. لأنّه يعيش على مصْل التمديد؟ لا. بل لأنّه مؤلّف من ناس دون فروض ولا أقداس!.
(نشر في مجلّة “محكمة” – العدد 17 – أيّار 2017).