رئيس قادر لا يتشبّه بأحد
كتب النقيب عصام كرم:
كمثل الراقص فوق بركان، ألعاملون على وضع قانون الإنتخاب … ألقانون الثاني بعد الدستور. ذلك بأنّ قانون الإنتخاب في بلد يعطي صورة البلد منعكسةً في مجلس النوّاب. هذا يوم السياسة هي القانون. لا يوم يسخّر الساسة القانون لأهوائهم والمصالح. أنا أحكي عن سياسة رفيعة المستوى… والقصّة قصّة مستوى في النتيجة … إجتماعياً وسياسياً واقتصادياً.
من 1925 غيّرنا، باقتعاد وبلا قاعدة، قوانين الإنتخاب. كميل شمعون إشترع إنتخابياً بمراسيم. وأمين الجميّل اشترع بمراسيم لم تشمل قانون الإنتخاب. فعتب على النوّاب. وعاتبهم: لماذا أعطيتم كميل شمعون سلطات تشريعية شملت قانون الإنتخاب ولم تعاملوني بالمِثل؟.
اليوم …قانون الإنتخاب صار شِغْل العرّافين … ضاربي الوَدَع السياسي. يرتجلون النصوص ويراهنون على المِهَل.
غيّرنا قوانين الإنتخاب بفوضوية كمثل ما عدّلنا الدستور بفوضية … وفي معظم الأحيان من أجل رئاسة الجمهورية … تجديداً وتمديداً واختصار مهل واحتساب نصاب. فماذا تغيّر؟هل تغيّرت الذهنيّة؟ أبداً. ألمستوى البرلماني، مع الزمن، تهاوى عن المستوى المقبول. لأنّ المهمّ ليس تغيير القانون. ولا حتّى تغيير النظام. ألمهمّ تغيير الواقع. في روسيّا تَغيَّر النظام. وظلّ قيصر يحكم روسيا. من ثلاثة قياصرة … في روما. في روسيا. في ألمانيا… بقي القيصر الروسي.
وأتمنّى على ميشال عون ألاّ يتمثّل بأحد. لأنّ التمثُل بإنسان يُفقد الباحث عن مَثَل كثيراً من شخصيته. فليكن ميشال عون ميشال عون. وليتصرّف بنزاهة. بعقلانية. برغبة رئيس في أن يكتب لنفسه سطوراً في كتاب التاريخ! خصوصاً يوم “الكلام الكبير” يصير حديث كلّ يوم. حقّ المسيحيين… ما أحد يناقش فيه. على أن يُسترَدّ بالمحاورة لا بالمكاسرة.
دونالد ترامب وضع تمثال ونستون تشرشل في المكتب البيضاوي. قَبْلهُ جورج دبليو بوش حطّ صورة تشرشل في مكتبه. ومع ذلك كان الـ باتريوت أكت. وكان بول بْريمير حاكم العراق. مانويل فالس يرنو إلى صورة كليمنصو. فهل صار، هو، كليمنصو … النّمر عدوّ الإكليروس والشيوعيين؟.
قانون الإنتخاب! يعني الديموقراطية الليبيرالية التي لا تنوجد إلاّ يوم يقوم تَوازُن القوى. لا يوم تستبدّ عنهجيّة المريدين أنفسهم نُخَبأ بالديموقراطية فيستكبرون إلى حدّ التوق إلى صنع عالم على قياسهم.
في فرنسا … تَغشى الموسم الإنتخابي سِيَر الفضائح … ماليّة وجنسيّة”. من فرانسوا فيّون إلى إيمّانويل ماكرون إلى “الجبهة الوطنية” التي ترأسها مارين لوبين خليفةً لأبيها جان ماري. دومينيك ستراوس كان ضحّى رئاسة الجمهورية… وكان مرشّحاً لها… من أجل نافيساتو ديالو، الآسيوية العاملة في تنظيف غرف فندق. لا يجوز لمن تُعقد عليه آمال الناس أن يميع أمام المغريات. فرانسوا فيّون، مهما حاول الإعتذار واستنهاض الهمم، يبقى اعتذاره غير مقبول وتبقى همتّه خائرة لأنّه سخّر الشيء العام لأهل بيته… زوجةً وأولاداً. شارل حلو ما كان يستقبل في القصر شقيقه أنطون، وأمامه صورة “الحوسة” … والعائلة … في عهد بشارة الخوري. وهو تأثّر به حتّى كان تقاعده، مثله، في الكسليك. جورج بولانجي انتخبه الناس … فترك الناس وذهب إلى بلجيكا ينتحر على قبر عشيقته. مارك أنطوان أتى مصر غازياً … فغزتْه كليوباطرا.
عندنا … كما في فرنسا … من “عقد الملكة” إلى ألماسات بوكاسا لـ فاليري جيسكار ديستان وصولاً إلى شيراك وسركوزي … عندنا، قصص الفضائح والفساد هي قصص المواسم كلّها. قصص أخذناها عن العثمانيين وعن الإنتداب … من واصا إلى دو مارتيل. ولست أدري إذا كان السياسيون الذين يقدّمون تصريحات عن مقتنياتهم يصدّقون أنفسهم معتبرين أنّ تقديم التصريح يضعهم فوق الشبهات. كلّ شيء معروف. وقانون “من أين لك هذا؟” جاء مع عمر بن الخطّاب وذهب مع عمر.
* * *
شيءٌ مستحَبّ أن يكون القضاء في أميركا قال لا لرئيس الجمهورية. مثلما شيءٌ مستَحَبّ أن يكون قاضي التحقيق الفرنسي أحال نيقولا ساركوزي على محكمة الجزاء. هذا إذا كان القرار، وكانت الإحالة، بريئين من الخلفيّات. فالرئيس الأميركي نَسَقٌ غير مألوف في ركّاب البيت الأبيض. هو محقّ مرّات. ومندفع أكثر من اللازم في أكثر المرّات. الأُوروبيون يباركون عندما يقول إنّ ليس لـ الغرب أن يدّعي أنّه، هو، مُصدر القانون العالمي. وليس لـ الغرب أن يعمل على فرض الديموقراطية بالقوّة. وليس لـ الغرب حقّ تغيير الأحكام ، والحّكام، بالسلاح. وعلى الغرب أن يعترف بأنّه أخفق في الشرق الأوسط . مثلما عليه أن يعترف بأنّ تمدّد الحلف الأطلسي في أُوروبا الشرقية أحدث صدامات مع روسيا. وفي كلام الأُوروبيين أنّ دونالد ترامب مُحقّ عندما يقول إنّ على أُوروبا أن تتولّى الدفاع عن نفسها بنفسها، وهو أمر افتقرت إليه القارّة العجوز. كمثل ما افتقرت إلى التكلّم بصوت واحد في السياسة الخارجية.
طبعاً … لم يصل كلام الرئيس الأميركي إلى حدّ تمزيق صكّ الأطلسي. لأنّ مصلحة أميركا في أن تبقى أُوروبا … الوحدة الأُوروبية … قوةً متنامية المساحة. كأنّ دونالد ترامب إذ لا ينتقد روسيّا في شيء، يستهدف تخفيف الضغط عليها لعلّها، هي، تخفّف الضغط على أُوروبا. خصوصاً أنّ التصرُّف الأميركي تجاه روسيا، على مدى السنوات الأخيرة، رمى روسيّا في حضن الصين. فهل يستطيع الرئيس الأميركي، عبْر كلام المطايَبة عن فلاديمير بوتين، أن يُبعد روسيا عن الصين وأن يُبعدها عن إيران بعد مواقفه الأخيرة من طهران؟ وهل يستطيع أن يُقنع الروس بأنّ تدخُّلهم في السياسة الأُوروبيّة الداخلية مرفوض؟ وأن يحول دون دعم روسيّا حركات اليمين المتشدّد في فرنسا وفي ألمانيا وفي النمسا؟.
ويُتائم الكلام الأُوروبي على الرئيس الأميركي كلام أميركي. في الكلام الأميركي أنّ روسيّا ليست الصين. بمعنى أنّها لا تؤلّف خطراً سْتراتيجياً حيوياً على أميركا. وفي الكلام الأميركي أنّ ترامب ليس متحمّساً بقدْر ما يقول لمقاتلة “داعش”. لأنّ “الدولة الإسلامية” خطر على أُوروبا أكثر منها خطراً على أميركا.
ويتلاقى الكلام الأميركي الأُوروبي على تسفيه سياسة ترامب … سياسته الخارجية خصوصاً. فيصفانها بأنّها سياسة وطنية ضيّقة أنانيّة وذات نَفَس قصير … سياسة تويتر. فمن يريد حزماً مع إيران لا يغازل روسيا في سياستها السورية. ومن كان صادقاً في ضرب داعش لا يؤيّد إسرائيل التي تحنو على ” داعش ” في الأيّام الكوالح.
* * *
قانون إنتخاب للُّبنانيين. للشعب اللبناني. لا للذين يعتبرون أنّهم يجسّدون أماني الشعب وآماله… حتّى لا نستعيد كلمة نيلسون مانديلا: كلّ ما تعملونه لنا، من دوننا،هو دائماً ضدّنا.
ثمَّ إنّ السياسي الطلاّع هو الذي يعرف التاريخ من دون أن يأنس كثيراً إلى التاريخ. لأنّ التاريخ، إجمالاً، ينتهي بكوارث، لا بمبّرات!.
(نشر في مجلّة “محكمة” – العدد 15 – آذار 2017).