رحل نادر الصديق الصدوق/ جاد طعمة
المحامي جاد طعمة:
خلال مسيرة الحياة قد نكّون صداقات جديدة لنكتب معها صفحات من تاريخنا الحديث، لكن النكهة التي نستشعر بها مع الأصدقاء القدامى الذين ساهموا في تكوين جذور شخصياتنا في معترك الحياة مغايرة، ففيهم وبهم نختبر معاني الوفاء للتاريخ والذات.
رحل صديقي على مقاعد الدراسة في الجامعة اللبنانية كلية الحقوق فرع الصنائع منذ السنة الأولى وحتى نهاية السنة التحضيرية للماجستير. رحل الرجل الذي كان السند لعائلته وجميع أصدقائه بالفطرة ومنذ مطلع شبابه، دونما سابق إنذار، تاركاً إيانا في حالة صدمة وهو من عرفته أروقة العدليات قاضياً واعداً وهادئاً ورصينا.
في رثائه وبعد رحيله الذي يسقط اتهام محاولة التملق، أستذكر مقولة “الصديق وقت الضيق”، وأنا عرفته في مطلع شبابنا معدناً صلباً في لحظات الشدة، مقداماً حيث يهرب الآخرون، مستعداً لتلقي السهام بصدره للذود عمن يحبهم ويحبونه. المناصب القضائية التي شغلها جعلتني أبتعد. لا حباً بالابتعاد، بل لتنزيه تلك الصداقة عن أي شبهة. ومعلوم أن السلطة تستجلب أصدقاء الموقع.
في فترة ما قبل استلاله سيف العدالة كان هناك الكثير من الضحكات والأحزان والمكائد التي تشاركناها والتي تركت بصمات وندوباً لا تمحى في شخصياتنا، هناك أشخاص تستحضر الذاكرة برؤيتهم تاريخاً من صفحات الحياة ووجوهاً لأناس كثر نحفظ لهم المكانة المرموقة ولو باعدتنا عنهم المشاغل.
حين تلتقي بعائلة صديق من الأصدقاء القدامى بعد طول غياب وترى ذلك البريق في العيون وتسمع تمتمات في لحظات الألم تشكو من لوعة الفراق وحسرة الفقدان، تعلم أن مقامك لا زال رفيعاً في الأنفس، وتعلم أيها الإنسان أن بعض الصداقات كنز لا يجب اهمالها أو الاكتفاء بمجرد حفظ مكانتها في الوجدان.
رحمك الله يا صديقي نادر منصور، وأتمنى أن يكون مثواك الجنة.
“محكمة” – الخميس في 2024/2/15