رحيل”النحّات القانوني” القاضي والمحامي موريس باز
كتبت نسرين نصّار:
حلّق موريس باز بجناحي العدالة القضاء والمحاماة معاً، فأبدع قرارات وأحكاماً ولوائح قدّت من فكر ثاقب، وذهن متوقّد، وألمعية ساطعة، ستظلّ خالدة مع مرور الأيّام والأزمنة تدلّ على مكانة صاحبها الرفيعة في عالم القانون، ومشعلاً لروّاد العدليات والحقّ ينير طريقهم إلى النجاح.
ويمكن إختصار مسيرة القاضي والمحامي موريس جميل باز بما قاله عنه النائب العام التمييزي السابق ووزير العدل السابق القاضي عدنان عضوم بأنّه طوال حياته القضائية جسّد المعرفة والدقّة والتميّز والخبرة حتّى أضحى رائداً من روّاد القضاء، ويمكن الإضافة على ذلك بأنّه كان عن جدارة أمثولة في تحقيق العدالة وترسيخ مثالها الأعلى إحقاق الحقّ.
كان موريس باز نحّاتاً قانونياً مميّزاً وخصوصاً في الدعاوى التجارية والمصرفية والقوانين البحرية والبرّية، كما أنّ من عايشوه في رحاب العدلية يشهدون له بتمتعه بجرأة كبيرة كانت كافية لدفعه إلى إبداء مواقفه بحرّيّة تامة، ومن يتمعّن في إرثه القانوني الواسع والواضح في اجتهاداته وأحكامه المتنوّعة، يقع نظره على ما زخرت به من شجاعة قضائية لا يستهان بها.
أبصر موريس باز النور في العام 1920، وترعرع في عائلة لبنانية حافظت على التقاليد، وأخذ عن والده جميل باز حبّه لمهنته إذ إنّه كان رئيساً لقلم محكمة التمييز، ونشر مجموعة باز الحقوقية التي ضمّت الأحكام الصادرة عن هذه المحكمة مبوّبة حسب نوعية الدعاوى.
درس باز في مدرسة الآباء اليسوعيين، ثمّ التحق بوزارة العدلية ككاتب في المحاكم المختلطة حيث تعرّف إلى قضاة فرنسسيين كبار من أمثال ARENE و REVOL ، وأحبّ طريقة عملهم المستندة إلى القانون.
ونال إجازة في الحقوق من كلّية الحقوق في الجامعة اليسوعية في بيروت، وانتسب إلى نقابة المحامين في بيروت في العام 1946 متدرّجاً في مكتب المحامي الفرنسي الشهير في بيروت جان فران FERRAND والذي ذاع صيته في قصور العدل، وأنهى تدرّجه في 15 كانون الثاني 1950.
وبعد إثني عشر عاماً من ممارسة المحاماة، إنضمّ إلى الجسم القضائي دخل القضاء بالتعيين من صفوف المحامين في المرسوم رقم 8539 الصادر في 16 كانون الثاني 1962 مع رفاقه: فيليب خيرالله، وجوزف شاوول، ومنير حنين، وحسّان رفعت، وحسن القوّاس، والأمير عزّت الأيوبي، وروبير عبدو غانم، وروجيه شدياق، وغبريال معوشي، وبولس داغر.
وشغل المناصب القضائية التالية: قاض منفرد للدعاوى التجارية في بيروت، ورئيس محكمة التجارة، ورئيس هيئة القضايا في وزارة العدل، إلى أن استقال مقدّماً صورة حيّة عن العدل والنزاهة وعدم الخضوع لأيّ مرجعية كانت، وتمّ قبوله قاضياً في منصب الشرف برتبة رئيس هيئة القضايا في وزارة العدل بموجب المرسوم رقم 1444 الصادر في 20 كانون الثاني 1984، والموقّع من رئيس الجمهورية المحامي أمين الجميل، ورئيس مجلس الوزراء المحامي شفيق الوزّان، ووزير العدل نقيب المحامين روجيه شيخاني.
عاد باز إلى مزاولة المحاماة من جديد في 2 آب من العام 1984، وظلّ مواظباً على أداء عمله بهمّة عالية إلى أن تلاشت قواهُ بفعل تقدّمه في العمر، وفارق الحياة يوم الأحد الواقع فيه 31 كانون الثاني 2016، ودفن يوم الثلاثاء الواقع فيه 2 شباط 2016 في مدافن العائلة في مار مخايل النهر.
وقد نعاه مجلس القضاء الأعلى ووقف دقيقة صمت عن روحه خلال اجتماعه، “واستذكَر ما كان له من مناقبية وهمّة وتفانٍ ونشاطٍ، وما أغنى الاجتهاد اللبناني طوال فترة مسيرته القضائية” بحسب البيان الصادر عن المجلس المذكور.
كما رَثَتْه نقابة المحامين في بيروت بكلمة لأمين سرّ لجنة إدارة صندوق التقاعد سعيد علامة بالنيابة عن النقيب أنطونيو الهاشم، فقال عنه:” أيّها الراحل عن هذه الدنيا الفانية، لقد عشقت القانون فجنّدت النصّ في خدمة العدل، ستطول المدّة كثيراً قبل أن يأفل طيفك عن قاعات قصر العدل حيث أمضيت سني عمرك، وبذلت جهدك لتحقيق ذاتك وأمانيك، سيبقى ظلّك ماثلاً أمام زملائك قضاة ومحامين”.
تزوّج موريس باز المحامية حياة يوسف نعمة وأنجبا ثلاثة أولاد هم: جميل، وناجي، ونبيل.
(نشر في مجلّة “محكمة” – العدد 5 – آذار 2016).