ردّاً على سؤال نيابي: يجوز تأسيس نقابات عندما تكون الحكومة في فترة تصريف أعمال/عصام اسماعيل
الدكتور عصام نعمة إسماعيل(أستاذ القانون الإداري المعمّق في الجامعة اللبنانية):
وجّه النائب سعيد الأسمر كتاباً إلى وزارة العمل بخصوص ترخيص وزير العمل لعددٍ من النقابات المتعلّقة بالأمن السيبراني والتسويق الرقمي وتكنولوجيا التربية في لبنان في فترة تسيير الأعمال، طالباً من الحكومة بيان الإجراءات التي سيتخذها مجلس الوزراء في حال ثبوت وجود تراخيص ممنوحة من قبل وزير العمل ومخالفة لأحكام القانون.
ولكن بالعودة إلى قانون العمل اللبناني نجد أـنّ هذا القانون قد كرّس قاعدة حرّية تكوين النقابات وجعلها مرتبطة بإرداة المنتسبين للمهنة حصراً حيث نصّت المادة 83 منه على أنّ:” في كلّ فئة من فئات المهن يحقّ لأرباب العمل وللأجراء أن يؤلّف كلّ منهم نقابة خاصة يكون لها الشخصية المعنوية وحقّ التقاضي”. بحسب وضوح النصّ فإنّ الترخيص للنقابات هو ضمن السلطة المقيّدة لوزارة العمل، إذ لا تستطيع الامتناع عن إعطاء الرخصة لكلّ من تقدّم بطلبٍ مستوفٍ للشروط القانونية.
ولهذا كان تأسيس النقابات يدخل ضمن النطاق العام المسمّى الحرّية النقابية التي كرّستها منظّمة العمل الدولية في وثيقة “إعلان المبادئ والحقوق الأساسية في العمل لسنة 1998” التي ورد فيها: “أنّ جميع الدول الأعضاء، وإن لم تكن قد صدّقت على الاتفاقيات موضوع البحث، ملزمة بمجرّد انتمائها إلى المنظّمة، بأن تحترم المبادئ المتعلّقة بالحقوق الأساسية التي تشكّل موضوع هذه الاتفاقيات وأن تعزّزها وتحقّقها بنيّة حسنة ووفقاً لما ينصّ عليه الدستور، وفي طليعتها الحرّية النقابية. وأنّ الدولة اللبنانية وفقاً لمقدّمة دستورها هي عضو مؤسّس وعامل في منظّمة الأمم المتحدة وملتزمة مواثيقها والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وتجسّد الدولة هذه المبادئ في جميع الحقول والمجالات دون استثناء.
وحيث إنّ تجسيد هذه المبادئ المقرّرة في دستور منظّمة العمل الدولية، يوجب تعزيز الحرية النقابية، ما يستدعي على الإدارات العامة أن تلتزم عند تفسير النصوص الناظمة لصلاحياتها المتصلة بهذه الموضوعات أن تتيح قدر الإمكان توفير الضمانات الكافية لحماية هذه الحقوق والحرّيات الأساسية.
وحيث إنّ تكوين النقابات يدخل ضمن الحرّية النقابية وسلطة الإدارة إزاءها مقيّدة، كان تأسيس النقابات منطبقاً على الأعمال التي يجوز القيام بها في فترة تصريف الأعمال وفق تعميم رئيس الحكومة المستند إلى الاجتهاد المستقرّ لمجلس شورى الدولة (التعميم رقم 2022/17 تاريخ 2022/5/21) الذي حدّد الأعمال الإدارية التصرّفية بأنّها تلك التي ترمي إلى إحداث أعباء جديدة أو التصرّف باعتمادات هامة أو إدخال تعديل جوهري على سير المصالح العامة وفي أوضاع البلاد السياسية والاقتصادية. وهذه الفئة من الأعمال تخرج بطبيعتها عن نطاق الأعمال العادية، ولا يجوز لحكومة مستقيلة أن تقوم بها، أمّا الأعمال الإدارية العادية وهي الأعمال الإدارية اليومية التي يعود للسلطة الإدارية المختصة إتمامها ويتعلّق إجراؤها في الغالب على موافقة تلك السلطة وتقوم الوحدات الإدارية المختصة بتحضيرها، وهي أعمال لا يمارس عادةً بشأنها الوزراء سوى إشراف محدود.
وحيث إنّ تأسيس النقابات إنّما يناط دراسة ملفّاتها بالوحدات الإدارية المختصة في وزارة العمل بحيث يقتصر دور الوزير على توقيع مشروع القرار الذي تعدّه هذه الدوائر وأنّ سلطته في هذا المجال مقيّدة بحيث لا يملك الوزير السلطة بأن يرفض منح الترخيص المستوفي للشروط، فإنّه تبعاً لذلك يدخل ضمن نطاق الأعمال العادية التي يجوز للوزير اتخاذها في فترة تصريف الأعمال.
أمّا بخصوص ما أثاره النائب عن حصول نقابات على تمويل لتنفيذ مشاريع متصلة بقطاع التكنولوجيا، فإنّ هذا الكتاب لم يبيّن المخالفة التي ترتكبها النقابة التي تشارك في تنفيذ مشاريع مموّلة ليصار إلى البحث حول مشروعية الحصول على التمويل وما إذا كان منطبقاً على غايات النقابات أم لغاياتٍ أخرى. بحيث لا يعود لوزارة العمل منع مشاركة النقابة في تنفيذ مشاريع مموّلة من جهاتٍ مانحة، بخاصةٍ وأنّ كافة الجهات العامة والخاصة تقبل المساهمات الخارجية في تمويل مشاريع منفّذة بما فيها السلطات الدستورية (مجلس النواب، والقضاء، ومجلس الوزراء).
إنطلاقاً ممّا تقدّم، فإن وزارة العمل ملزمة بتطبيق القانون والاتفاقيات الدولية في مجال العمل النقابي، وهي لا تملك حقّ حجب الترخيص عن أيّ طرف يتقدّم بطلب ترخيص طالما أنّ الملفّ مستوفٍ للشروط، وطالما أنّه لم يصدر أيّ قانون أو مرسوم يحظّر الترخيص لنقابات تكنولوجيا المعلومات أو يشدّد شروط الترخيص أو يمنع منحه في ظلّ حكومة تصريف الأعمال.
وفي ما يتعلّق بطلب تطبيق قانون حقّ الوصول إلى المعلومات، فإنّه لا محلّ لتطبيق هذا القانون بخصوص التراخيص الصادرة بتأسيس نقابات، لأنّ كافة هذه التراخيص منشورة في الجريدة الرسمية سنداً للفقرة الأخير من المادة 87 من قانون العمل التي تنصّ على أن :”لا تعتبر النقابة شرعية إلّا بعد نشر القرار في الجريدة الرسمية، وبهذا النشر لا يكون هناك موجب على الوزارة بتطبيق حقّ الوصول إلى المعلومات لأنّ كافة المعلومات المتصلة بتأسيس النقابات منشورة في الجريدة الرسمية ويمكن للجميع الإطلاع عليها.
“محكمة” – السبت في 2022/12/17