علم وخبر
ردّ التمييز شكلاً بدعوى إيجارات ومستشار المحكمة يخالف/ناضر كسبار
ناضر كسبار(نقيب المحامين السابق في بيروت):
بحثت محكمة التمييز المدنية المؤلفة من القضاة الرئيس ناجي عيد (منتدب) ومن المستشارين أحمد الضو ورنا عويدات مسألة تتعلق بالتعويض لقاء الإشغال غير المشروع، فاعتبرت ان موضوع الدعوى متفرع عن الدعوى الأساسية التي سبق وبتت بها المحاكم، معتبرة ان لا وجود للإجارة. وقضت بالأكثرية بردّ التمييز شكلاً لعدم قابليته للتمييز.
وقد خالف مستشار المحكمة القاضي أحمد الضو، معتبراً أنّ دعوى الايجارات سواء تعلّقت بإثبات علاقة تأجيرية ممددة او بتطبيق قانون الايجارات، تختلف في موضوعها أسبابها عن دعوى الإلزام ببدل إشغال الخاضعة لأحكام التعويض عن الضرر الناتج عن الحرمان من الانتفاء بالعقار، ولو نشأت كل واحدة منهما من نزاع واحد، فقد ينشأ من ذات النزاع عدّة دعاوى، لكلّ واحدة منها موضوعها وأسبابها والأحكام القانونية الخاصة التي ترعاها ومن ضمن هذه الأحكام أحكام الطعن في القرارات القضائية الصادرة بنتيجتها.
وممّا جاء في القرار الصادر بتاريخ 2023/4/27.
بناء عليه،
في مدى قابلية القرار الاستئنافي المطعون فيه للطعن تمييزاً:
حيث ان المادة (50) من قانون الايجارات الجديد رقم 2017/2 التي استعادت نص المادة (21) من القانون رقم 92/160، نصت على ان القرار الاستئنافي يقبل التمييز اذا كان ثمّة تعارض بينه وبين الحكم الابتدائي لجهة الاسقاط من حق التمديد فقط
وحيث ان القضايا المتفرعة من دعاوى الايجارات تخضع لاجراءاتها، فلا تقبل هي ايضا التمييز ما لم يتوافر فيها شروط التعارض المنصوص عليه في المادة (50) المذكورة.
وحيث إنّ المميّز بوجههم استحضروا بتاريخ 1997/1/8 المميّز أمام القاضي المنفرد وطلبوا إلزامه بإخلاء البناء القائم على العقار رقم 1186/ الشوير لإشغاله دون مسوغ شرعي في حين ادلى المميز بأن اشغاله مسند الى اجارة، وقد صدر الحكم الابتدائي تاريخ 2003/10/2 الذي قضى بإلزام المميز اخلاء المنزل موضوع النزاع وحفظ حق الجهة المالكة بمطالبة المميز بما قد يترتب لها من بدل اشغال. وقد صدق هذا الحكم بموجب القرار الاستئنافي تاريخ 2006/3/30. وقد ميز المحكوم بوجهه هذا القرار، وقد ردت محكمة التمييز بتاريخ 2007/10/22 الطعن شكلا.
وحيث ان هذا القرار الاخير اعتبر ان النزاع بين المميز والمميز بوجههم يتمحور حول صحة وقانونية عقد الايجار، اي ان موضوع الدعوى هو اثبات صحة عقد الايجار الذي تنفيه الجهة المميز بوجهها، فتكون الدعوى من فئة دعاوى الايجارات غير القابلة للتمييز اصلا ما عدا الحالة الوحيدة الحصرية، وهي دعوى الاسقاط من حق التمديد فقط في حال التعارض بين الحكم الابتدائي والقرار الاستئنافي لهذه الجهة. وحالات الاسقاط من حق التمديد القانوني قد جاء تعدادها الحصري في المادة (10) من القانون رقم 92/160 او ما يقابلها في القوانين السابقة الاستثنائية. ودعوى اثبات الاجارة او صحة عقد الايجار غير مشار اليها في المادة المذكورة، فتكون بالتالي غير قابلة للطعن تمييزاً.
وحيث ان هذا القرار التمييزي هو قرار مبرم وملزم لجهة ما قضى به من وصف النزاع الاساسي العالق بين فريقي الدعوى بأنه دعوى ايجارات. وكون الدعوى لا تتعلق بحالة اسقاط من حق التمديد القانوني، فالقرار الصادر بنتيجتها لا يقبل الطعن تمييزا.
وحيث ان المميز بوجههم عرضوا ان المميز نفذ قرار الاخلاء واستلموا البناء موضوع النزاع بتاريخ 2007/11/30. واستحضروا المميز لالزامه بدفع تعويض عن مدة اشغاله غير المشروع لهذا البناء. وصدر الحكم الابتدائي الذي اجاب مطلبهم. فاستأنف فريقا النزاع الحكم الابتدائي وصدر القرار الاستئنافي المطعون فيه الذي رد استئناف المميز وقبل استئناف المالكين جزيئا لجهة المبلغ المحكوم به وعدله زيادة.
وحيث ان الدعوى الراهنة الرامية الى المطالبة بالتعويض عن الاشغال غير المشروع للعقار موضوع النزاع طيلة الفترة الممتدة من تاريخ تقديم دعوى الاخلاء وحتى تنفيذ القرار الصادر بنتيجة هذه الدعوى هي دعوى متفرعة من دعوى الاخلاء ولما كانت قد وجدت لولا وجود الدعوى الاساسية فهي مرتبطة في استحقاق بدل التعويض واحتسابه بنتيجة الدعوى الاساسية، فتكون متفرعة منها. وتكون المطالبة بالتعويض، سواء قدمت بموجب دعوى اثبات الاجارة او بموجب دعوى على حدة لاحقة لصدور القرار بنتيجة الدعوى الاولى، متفرعة من هذه الاخيرة، فيخضع القرار الفاصل فيها، على غرار القرار الصادر في الدعوى الاولى، لقبول الطعن به تمييزا، لشرط التعارض بين الحكمين الابتدائي والاستئنافي في مسألة الاسقاط.
وحيث إنّه طالما ان الدعوى الاساسية بحسب القرار التمييزي المشار اليه اعلاه غير قابلة للطعن تمييزا، فتكون الدعوى الراهنة المتفرعة منها والرامية الى المطالبة ببدل المثل غير قابلة للطعن تمييزاً مما يستوجب ردها.
وحيث ان المحكمة لم تجد في ممارسة حق الطعن سوء نية ويقتضي رد الطلب الرامي الى تضمين المميز بدل العطل والضرر.
لذلك
تقرر بالاجماع:
1- اعلان عدم قابلية القرار الاستئنافي موضوع النزاع للطعن تمييزا وابرام هذا القرار الاستئنافي.
2- رد طلب تضمين المميز بدل العطل والضرر.
3- مصادرة التأمين وتضمين المميز النفقات.
مخالفة
إنّ المستشار المقرّر، لدى الاطلاع والتدقيق،
يخالف رأي الاكثرية في ما ذهبت اليه بخصوص اعتبار القرار المطعون فيه غير قابل للطعن بطريق التمييز، فيرى وفقاً لما ورد في التقرير التمييزي، إنّ هذا القرار قابل للطعن بطريق التمييز، وانه كان يتعين قبول الاستدعاء التمييزي في الشكل، ثمّ عدم قبول الأسباب التمييزية المتعلقة بمسألة عقد العارية وحق الحبس، عملاً بمبدأ وجوب التقيّد بالأمانة وحسن النيّة في التقاضي وعدم الالتفاف بالمطالب والاسباب (مبدأ الاستوبيل) كما ويرى ردّ الأسباب التمييزية الأخرى المتعلّقة ببدل الإشغال.
فعن قابلية القرار الاستثنائي المميز للطعن بطريق التمييز، يرى المستشار المخالف ما يلي:
1- عملا بالمادة 704 أ.م.م. فإن القرارات الصادرة عن محاكم الاستئناف تقبل الطعن بطريق التمييز ما لم يرد نصّ مخالف.
اذن، المبدأ هو ان جميع قرارات محاكم الاستئناف قابلة للطعن بهذا الطريق والاستثناء هو عند وجود نص قانوني مخالف بعدم قبول بعض من هذه القرارات للطعن بطريق التمييز.
2- يجب تفسير الإستثناء وتطبيقه بصورة حصرية. وقانون الإيجارات هو في الأصل قانون خاص واستثنائي. وبالتالي يجب تفسيره وتطبيقه بشكل حصري وضيّق.
3- لقد نصّ هذا القانون على عدم قبول القرار الاستئنافي الصادر في دعوى ايجار العقارات المبنية الخاضعة له للطعن بطريق التمييز، الا في حالة واحدة عند تعارض هذا القرار مع الحكم الابتدائي فقط لجهة الاسقاط من حق التمديد القانوني.
إنّ ما نصّ عليه قانون الايجارات بخصوص الطعن يشكل الاستثناء من المبدأ العام. وقد حصر المشترع فيه تطبيقه على دعوى الايجار للعقارات المبينة الخاضعة لهذا القانون. ثم اقر المشترع فيه ايضا استثناء من هذا الاستثناء في مسألة التعارض بين القرار الاستئنافي والحكم الابتدائي، حاصرا هذا التعارض كذلك في مسألة الاسقاط من حق التمديد القانوني فقط.
4- إنّ دعوى الايجارات، سواء تعلقت بإثبات علاقة تأجيرية ممددة او بتطبيق قانون الايجارات، تختلف في موضوعها اسبابها عن دعوى الالزام ببدل اشغال الخاضعة لاحكام التعويض عن الضرر الناتج عن الحرمان من الانتفاء بالعقار، ولو نشأت كل واحدة منهما من نزاع واحد، فقد ينشأ من ذات النزاع عدة دعاوى، لكل واحدة منها موضوعها واسبابها والاحكام القانونية الخاصة التي ترعاها ومن ضمن هذه الاحكام احكام الطعن في القرارات القضائية الصادرة بنتيجتها.
5- إنّ تطبيق قاعدة الفرع يتبع الاصل تشترط ما يلي:
أ- أن تكون الدعويان الاصلية والفرعية عالقتين امام القضاء، في حين ان دعوى الاخلاء التي اثار فيها المميز علاقة تأجيرية ممددة لصالحه، والتي استندت اليها الاكثرية في القرار المخالف، انقضت واصبحت بحكم غيرالموجودة وبات الاستناد اليها بشأن قابلية القرار المميز للطعن، كمن يستند الى شيء ميت ليميت شيئا حيا.
ب – إنّ الترابط بين دعوى الاخلاء والدعوى الراهنة، والذي استندت اليه الاكثرية ايضا، لترتيب النتيجة ذاتها في ما يتعلق بعدم القابلية للطعن، هذا الترابط يشترط مبدئيا ان يكون القرار المميز متفرعا او تابعا للقرار الصادر في دعوى الاخلاء. او انه يجد مصدره في هذا القرار، او انه جاء نتيجة او تنفيذا له. في حين ان ايا من هذه الشروط غير متوفر. وفي كل حال، تبقى لكل قرار يأتي على هذه الصورة الاحكام القانونية الخاصة التي ترعاه بشأن قابليته للطعن.
6- إنّ الاستناد الى ما تقرر في دعوى الاخلاء المنتهية يندرج ضمن الاستناد الى واقعة للتحقق من شروط توافر بدل الاشغال. ولا يتعدى هذا الاستناد الى شروط قابلية القرار في دعوى بدل الاشغال للطعن بطريق التمييز
7- إنّ ما ذهبت اليه الاكثرية يشكل تجاوزا لحدود نص قانون الايجارات والى خلق شروط وقواعد جديدة للطعن في القرارات الاستئنافية لم ينص عليها. فهذا القانون لم ينص ولم يُشر او يتحدث عن دعوى اصلية واخرى فرعية او عن ترابط بين دعويين. بل انه نص صراحة وبوضوح عن الاستثناء من المبدأ العام وعن الاستثناء من هذا الاستثناء وفقاً لما صار شرحه سابقاً.
“محكمة” – الثلاثاء في 2024/8/6