ردّ الدفع بسقوط موجبات المستأجر وتغريمه للتعسف في استعمال حقّ المداعاة/ناضر كسبار
المحامي ناضر كسبار:
إعتبرت محكمة الاستئناف المدنية في بيروت الناظرة في دعاوى الإيجارات والمؤلّفة من القضاة الرئيس أيمن عويدات والمستشارين حسام عطالله وكارلا معماري أنّه يعود للمحكمة حقّ المفاضلة بين وسائل الإثبات واعتماد بعضها على حساب بعضها الآخر. وأنّه في ظلّ عدم ثبوت حصول أيّ تلكؤ من جانب المالكين في تنفيذ موجباتهم العقدية، تبعاً لما استنتجته المحكمة في قرارها فإنّه لا يبقى للمستأجر المستأنف الدفع بسقوط موجباته، ويتعيّن عليه دفع بدلات الإيجار المستحقة عن فترة التعاقد.
إلاّ أنّ المحكمة، وبعد تصديق الحكم المستأنف، تطرّقت إلى نصّ المادتين 10 و 11 من قانون أصول المحاكمات المدنية واللتين تتعلّقان بالتعسف في استعمال حقّ المداعاة. وبعد تعداد ما قام به المستأجر، قضت بتغريمه بمبلغ مليون ليرة لبنانية. وممّا جاء في القرار الصادر بتاريخ 2017/1/5:
وحيث إنّ المستأنف يطلب فسخ الحكم لمخالفته قواعد الإثبات إذا أهمل القاضي المنفرد المستندين الرسميين المبرزين من قبله إثباتاً لانتفاء المأجور موضوع عقد الإيجار كما أنّه أغفل مطالبه الآيلة إلى توجيه اليمين واستجواب بعض الخصوم تحقيقاً في الظروف التي رافقت إبرام عقد الإيجار وتلته، فيما أخذ بمزاعم المستأنف عليهم رغم افتقادها لأيّ دليل يثبتها لاسيّما لناحية عدم تجديد الإيجار.
وحيث إنّه للمحكمة بحسب المادة /135/ا.م.م. أنّ تأمر من تلقاء نفسها بإجراء أيّ تحقيق استكمالاً لما تذرّع به الخصوم من أدلّة، كما لها بحسب المادة /137/ أن تعدل عمّا أمرت به من إجراءات الإثبات إذا طرأت ظروف تبرّر هذا العدول وتجعل الإثبات المقرّر غير مجد.
وحيث إنّه يستفاد من مضمون المادتين المذكورتين أنّ المحكمة تتمتّع في إطار الإثبات بسلطة تقدير واسعة بحيث إنّه يعود لها الإكتفاء بوسائل الإثبات المعروضة أمامها في ما لو اعتبرت أنّها كافية لتكوين قناعتها ممّا يبرّر إهمالها لوسائل إثبات أخرى أو ردّها لطلب إجراء تحقيقات إضافية، وفي المقابل يجوز لها أن تقوم باستقصاءات تكميلية وأن تطلب مستندات جديدة إذا اعتبرت أنّ الأدلّة المتوفّرة في الملفّ غير كفيلة بإعطاء الحلّ المناسب للنزاع.
وحيث إنّه تبعاً لذلك فإنّ للمحكمة حقّ المفاضلة بين وسائل الإثبات واعتماد بعضها على حساب بعضها الآخر، كما لها الحرّية في طلب استكمال الأدلّة الموجودة في الملفّ أو الإكتفاء بها وذلك بحسب تقديرها وقناعتها، فلا يجوز بالتالي أن يعاب عليها استنادها لبعض وسائل الإثبات دون سواها طالما أنّها ضمّنت حكمها التعليل الكافي الذي يبرّر النتيجة التي توصّلت إليها، وهو الأمر المتوفّر راهناً، فتردّ أقوال المستأنف المخالفة لهذه الوجهة.
وحيث إنّ المستأنف يطلب ردّ الدعوى الراهنة مشدّداً على أنّ الحكم الإبتدائي استند إلى وقائع مضلّلة دون الرجوع إلى الظروف التي سبقت إبرام عقد الإيجار ورافقته وتلته والتي تضمّنت مناورات وخداعاً من جانب المستأنف عليهم، مدلياً من ناحية أولى بانتفاء موضوع عقد الإيجار باعتبار أنّ المأجور الذي تناوله مجرّد فسحة غير مبيّنة تعهّد المستأنف عليه ببنائها وسقفها لجعلها صالحة للسكن إلاّ أنّهم لم يفعلوا فلم يتمكّن بالتالي من الإنتفاع به لغاية تاريخه، مدلياً من ناحية ثانية بانتفاء سبب العقد بالنظر لعدم تنفيذ المؤجّرين لموجباتهم لناحية إنشاء المأجور وتسليمه إيّاه وصيانته لجعله صالحاً للسكن والإنتفاع به، الأمر الذي من شأنه إسقاط الموجب المقابل الملقى على عاتق المستأجر والمتمثّل بدفع البدلات، بحيث غدا العقد باطلاً سنداً للمادتين /188/ و /196/ م.ع. الأمر الذي يقتضي معه إعادة الحال التي كان عليها الفرقاء أصلاً قبل التعاقد واسترداد ما دفع والحكم بالعطل والضرر.
وحيث إنّ المستأنف عليهم يدلون من جهتهم بأنّ عقد الإيجار صحيح وأنّه يتناول مأجوراً قائماً اطلع المستأنف عليه ووافق عليه، وأنّ مدّته انتهت حكماً بتاريخ 2004/8/31 ممّا كان يفترض تسليم المأجور بهذا التاريخ، الأمر الذي لم يحصل لغاية تاريخه، ممّا يقتضي معه إلزامه بالإخلاء وإلزامه بدفع البدلات المستحقّة وتلك التي سوف تستحقّ لغاية الإخلاء.
وحيث إنّه يتبيّن بالعودة إلى وقائع النزاع ثبوت ما يلي:
– أنّ المستأنف (المدعى عليه بداية) يشغل الشقّة الكائنة في الجهة الغربية من الطابق الرابع من البناء القائم على العقار رقم /703/ الرميل بموجب عقد إيجار ممدّد.
– أنّه بتاريخ 2001/8/20 وقع المستأنف مع مورث المستأنف عليهم المرحوم ح.د. عقد إيجار تناول الشقّة الملاصقة للمأجور الذي يشغله من الجهة الشرقية، والمؤلّفة من غرفتين ومطبخ ومنتفعاتها وذلك “بعد أن اطلع عليها المستأنف وعلى مواصفاتها وحالتها الراهنة وقبل بها” (مقدّمة العقد).
– حدّدت مدّة العقد بثلاث سنوات تبدأ من تاريخ 2001/9/1 وتنتهي حكما بتاريخ 2004/8/31، وحدّد البدل السنوي بمبلغ /2400/ د.ا. يدفع على دفعتين متساويتين الأولى في بداية السنة التعاقدية والثانية بعد ستّة أشهر.
– إتفق المتعاقدان على أنّ العقد يخضع لحرّية التعاقد ولمشيئة المتعاقدين فقط ولا يخضع بأيّ حال من الأحوال لا للتمديد ولا للتجديد إلاّ بموافقة الفريق الأوّل (المؤجّر) الخطّية والمسبقة (بند 5).
– تعهّد المستأنف بتحمّل كافة نفقات وأعباء ومصاريف الصيانة العائدة للمأجور (بند 9).
– إطلع المستأجر على المأجور ونوعه ومواصفاته ووافق عليها دون أيّ تحفّظ متعهّداً بالقيام بكافة الإصلاحات الداخلية مهما بلغت التي هي على عاتقه ولا يحقّ له الرجوع على الفريق الأوّل (المؤجّر) للمطالبة بقيمتها مهما كانت الأسباب (بند 12).
– أنّه يحقّ للفريق الأوّل (المؤجّر) إنهاء هذا العقد قبل انتهاء مدّته واسترداد المأجور دون الحاجة لأيّ إنذار أو مراجعة في حالات أربع من ضمنها تأخّر الفريق الثاني (المستأجر) عن دفع بدل الإيجار أو أي من المصاريف والأعباء المتوجّبة عند استحقاقها وذلك بعد انقضاء عشرة أيّام على إنذاره، ونكول الفريق الثاني (المستأجر) عن تنفيذ هذا العقد أو أيّ بند من بنوده…ولا يحقّ للمستأجر في هذه الحالات المطالبة بأيّ حقّ أو مطلب أو تعويض أو ضرر ويترتّب عليه تسليم المأجور فوراً وبالحالة التي استلمه بها.
– إنّ المتعاقدين قد وقّعا بالتزامن مع توقيع عقد الإيجار ملحقاً أجيز فيه للمستأجر فتح باب داخلي بين الشقّة الشرقية موضوع التعاقد والشقّة الغربية المشغولة منه بموجب إجارة خاضعة للتمديد القانوني.
– إنّه بتاريخ 2005/2/22 وجّه المستأنف عليهم بطاقة إلى المدعى عليه طالبوه بموجبها تسليمهم المأجور وإعادة الحال إلى ما كانت عليه ضمن مهلة أسبوع إضافة إلى تسديد رصيد البدلات المتوجّبة بذمّته وغير المدفوعة، وإنّ المستأنف وجّه كتاباً للمستأنف عليهم بتاريخ 2005/2/28، رفض بموجبه إدلاءاتهم لعدم صحّتها وقانونيتها داعياً إيّاهم إلى المحاسبة الشاملة مبدياً استعداده لدفع ما يثبت توجبه قانوناً ولأيّ حلّ حبّي صادق.
– عاد المستأنف عليهم وأرسلوا للمستأنف إنذارين بنفس الموضوع الأوّل بتاريخ 2005/3/22، والآخر بتاريخ 2005/11/17، لكن دون جدوى فتقدّموا بالدعوى الراهنة.
وحيث إنّه بحسب المادة /533/ م.ع. فإنّ عقد الإيجار هو العقد الذي يلتزم بموجبه شخص بأن يولي شخصاً آخر حقّ الإنتفاع بشيء أو بحقّ ما لمدّة معيّنة مقابل بدل يلتزم هذا الأخير أداءه إليه.
وبالتالي فإنّه على المؤجّر بشكل أساسي، سنداً للمواد /545/ م.ع. و /547/ و /552/ م.ع. وما يليها، تسليم المأجور إلى المستأجر بحالة يتسنّى معها للمستأجر أن يستعمله للغرض المقصود منه بحسب ماهيته أو بحسب التخصيص الذي اتفق عليه، كما عليه صيانة المأجور وملحقاته لإبقائه على الحالة المشار إليها، إلاّ عند وجود شروط أخرى بين المتعاقدين، علماً أنّه إذا تأخّر المؤجّر عن إجراء الإصلاحات الواجبة عليه فللمستأجر أن يجبره على إجرائها بالطرق القضائية وإذا لم يفعل كان للمستأجر أن يستصدر من المحكمة إذناً في إجرائها بنفسه على أن يستوفي نفقاتها من بدل الإيجار، كذلك على المؤجّر ضمان وضع اليد على المأجور والإنتفاع به، كذلك فعلى المؤجّر ضمان الإنتفاع بالمأجور والتصرّف فيه دون معارضة وضمان عيوب المأجور التي تنقص الإنتفاع به نقصاً محسوماً أو تجعله غير صالح للإستعمال المعدّ له بحسب ماهيته أو بحسب العقد، وفي حال وقع ما يوجب الضمان فللمستأجر أن يطالب بفسخ العقد أو بتخفيض البدل وله أيضاً المطالبة بالعطل والضرر.
وفي المقابل، فإنّه على المستأجر، سنداً للمادة /568/ م.ع. وما يليها، أداء البدل وإعادة المأجور في نهاية المدّة المعيّنة، ويعود له سنداً للمادة /582/ م.ع. أن يحبس المأجور من أجل الديون المترتّبة له على المؤجّر والمختصة بالمأجور.
وحيث إنّه بحسب المادة /221/ م.ع. فإنّ العقود المنشأة على الوجه القانوني تلزم المتعاقدين ويجب أن تفهم وتفسّر وتنفّذ وفقاً لحسن النيّة والإنصاف والعدل.
وحيث إنّ بنود العقد، طالما أتت واضحة وصريحة، هي التي تحدّد إطار التزامات المتعاقدين وماهيتها ومقدارها، ممّا يجعل الظروف التي سبقت التعاقد دون تأثير على تلك الإلتزامات، ما لم يثبت فساد إرادة أحد المتعاقدين بعيب من عيوب الرضى.
وحيث في هذا الإطار، فإنّ مزاعم المستأنف بشأن قيام المستأنف عليهم بأعمال خداعية لحمله على التعاقد، قد بقيت مجرّدة من أيّ دليل وأتت مفتقرة للجدّية لاسيّما أنّ المستأنف محامٍ وأنّه الأجدر بالتالي بالنظر لمهنته لحفظ حقوقه وحمايتها ولاستدراك أيّة مناورات قد تساق من قبل معاقده.
وحيث إنّه لناحية إدلاء المستأنف بانتفاء موضوع عقد الإيجار، يتبدّى من مراجعة العقد أنّه عين المأجور واصفاً إيّاه بأنّه شقّة مؤلّفة من غرفتين ومطبخ ومنتفعاتهما، دون أن يشير إلى وضعه أو إلى المرحلة التي وصل إليها من حيث الإنشاءات.
وحيث يستدلّ من ما تقدّم أنّ المستأجر قد اطلع على حالة المأجور ومواصفاته-مهما كانت- وأنّه كان إذن على بيّنة من وضعه الفعلي وهو لم يبد بشأن ذلك أيّ اعتراض أو تحفّظ ممّا يفيد بأنّه رضي بواقع المأجور على ما هو عليه بتاريخ إبرام العقد، علماً أنّه كان بوسعه إبداء ملاحظات بشأن ذلك إذ يتبيّن من صورة عقد الإيجار ومن أقوال المستأنف نفسه أنّه شطب في العقد بعض الكلمات والجمل التي لم يرها مناسبة.
وحيث إنّ ما يدلي به المستأنف لجهة أنّ المأجور موضوع النزاع غير مذكور في الإفادة العقارية وصورة المستند المتعلّق برخصة البناء المبرزتين في الملفّ، لا أثر له على وجود المأجور فعلياً وقيام الإجارة، بدليل أنّه وقع على اطلاعه على المأجور ومكوّناته ووافق عليها، واستلمها وما زالت في حوزته، لاسيّما وأنّ قوانين الإيجارات تشير في بعض الحالات إلى تأجير المأجور المخالف لقوانين البناء وتقرّه إلى حين تنفيذ هدم المخالفة.
وحيث يتبيّن أيضاً أنّ استئجار المأجور قد جرى، وفقاً لأقوال المستأنف ذاته، في إطار “مقايضة” غرف الغسيل التي كان ينتفع بها المستأنف على سطح البناء والتي حرم من استعمالها لاحقاً بسبب الأعمال التي قامت بها الجهة المالكة، بحيث إنّه من المنطقي أن يكون المأجور أقرب إلى الإنشاءات البسيطة منه إلى شقّة سكنية كاملة ومكتملة، الأمر الذي تعزّزه زهادة بدل الإيجار المتفق عليه الذي لا يتجاوز /200/ د.ا. شهرياً ممّا لا يتناسب مع معدّل البدلات الرائجة بالنسبة للشقق السكنية المؤلّفة من غرفتين في المنطقة حيث المأجور.
وحيث إنّه لو صحّت أقوال المستأنف لناحية أنّ المأجور لم يكن قائماً وأنّ المؤجّر كان ملزماً بإنشائه واستكماله وصيانته لجعله قابلاً للإنتفاع به والسكن فيه، لما كان وقّع عقداً بشأنه أساساً، ولما كان حدّد تاريخ بدء الاجارة بعد عشرة أيّام فقط من تاريخ توقيع عقد الإيجار إذ إنّ إنجاز الأعمال التي يزعم أنّ المؤجّر قد تلكأ عن القيام بها – والتي تندرج ضمن إطار بناء شقّة سكنية -لكان استغرق وقتاً أطول بكثير بالنظر لأهمّية تلك الأعمال، كذلك فإنّه لو كان المؤجّر ملزماً فعلاً بتجهيز شقّة سكنية لمصلحة المؤجّر لكان المأجور بقي “ورشة” خلال جزء كبير من الفترة التعاقدية المحدّدة فقط بثلاث سنوات، الأمر الذي لا يستقيم لا قانوناً ولا منطقاً.
وحيث إنّه لناحية إدلاء المستأنف بانتفاء سبب عقد الإيجار تبعاً لتلكؤ المستأنف عليهم عن القيام بموجباتهم لناحية تسليم المأجور وضمانه، الأمر الذي يؤدّي إلى سقوط موجباته المقابلة أيضاً:
– فإنّه يتبيّن من ناحية أولى أنّ تذرّع المستأنف بعدم تسليمه المأجور يتعارض مع مضمون بنود العقد الخطّي، كما يتناقض مع مجمل وقائع النزاع لأنّه لو ثبت ذلك لما تابع المستأنف في تسديد البدلات للمستأنف عليهم، علماً أنّ آخر دفعة قد حصلت بعد حوالي ثلاث سنوات من تاريخ بدء الاجارة ولمّا اقترح على المستأنف عليهم الحلّ الحبّي بموجب كتاب الردّ الصادر عنه بتاريخ 2005/2/28 أو بموجب لائحته الجوابية تاريخ 2006/10/17 ولمّا قام بإجراء إصلاحات من الداخل ولمّا انتظر حلول الأجل للإدلاء بعدم حصول التسليم ولمّا بقي واضعاً يده على المأجور لغاية تاريخه.
– ويتبيّن من ناحية ثانية أنّ إدلاء المستأنف بعدم صيانة المأجور يتنافى مع بنود العقد الصريحة والواضحة والتي لم تخضع مطلقاً موجب إجراء الأشغال على عاتق المؤجّر، بل على العكس من ذلك فقد حملت المستأجر جميع أعباء ومصاريف الصيانة المتعلّقة بالمأجور وكافة الإصلاحات الداخلية مهما بلغت، علماً أنّه من المنطقي تحميل المؤجّر أعباء تلك الأشغال في ضوء ضآلة البدلات المتفق عليها.
– ومن ناحية ثالثة، فإنّ تمسك المستأنف بعدم ضمان الإنتفاع بالمأجور بالنظر لعدم انجاز المستأنف عليهم ما وعدوا له لناحية تغطية سقف الإنشاءات وإصلاحها ممّا أدّى إلى تفاقم الأضرار واستمرار الحرمان، فإنّه مردود أيضاً باعتبار أنّ المؤجّر، وبحسب المادة /561/ م.ع. لا يلزم بضمان ما إذا كانت العيوب من السهل تحقّقها أو إذا كانت قد أعلنت للمسـتأجر وإذا كان المستأجر عالماً في وقت إنشاء العقد بعيوب المأجور أو بخلوه من الصفات المطلوبة، وهو الأمر المتحقّق راهناً، إذ إنّ المستأنف قد رضي باستلام المأجور على حاله عند انبرام العقد وذلك دون اعتراض أو تحفّظ، وأمّا بالنسبة لمزاعم المستأنف بشأن حرمانه من الإستحصال على اشتراك كهرباء ومياه وهاتف فقد بقيت مجرّدة من أيّ دليل يؤكّدها.
وحيث فضلاً عن ذلك، لو ثبتت مزاعم المستأنف بشأن تقاعس المؤجّر عن القيام بموجباته وحرمانه من الإنتفاع بالمأجور، لكان وجّه له إنذاراً خلال فترة الاجارة لحثّه على القيام بالتزاماته أو لجأ إلى القضاء من أجل فسخ العقد أو تخفيض البدلات أو إلزام المؤجّر قضاء بإجراء أعمال الصيانة الملقاة على عاتقه وإنجازها بنفسه على حساب هذا الأخير وفق المادة /553/ م.ع. المشار إليها آنفاً، الأمر الذي لم يقم به، بل على العكس من ذلك فقد عرض على المستأنف عليهم، حين طالبه هؤلاء بالإخلاء وبالبدلات، بحلّ النزاع حبّياً.
وحيث إنّه يستفاد ممّا تقدّم، أنّ العقد الراهن تناول مأجوراً ارتضى المستأنف استئجاره وفقاً لوضعه بتاريخ إبرام العقد، وتعهّد دون سواه بتحمّل أعباء صيانته ومصاريف إصلاحاته، فلا يعود له بعد ذلك أن يتذرّع بانتفاء موضوعه كما لا يبقى له أن يتمسك بانتفاء سببه وذلك لعدم ثبوت تلكؤ المؤجّر عن تنفيذ موجباته والتي لا يدخل إصلاح المأجور وصيانته من ضمنها.
وحيث إنّه تأسيساً على ذلك، يعتبر عقد الإيجار الموقّع بين الفريقين قائماً وصحيحاً خلافاً لمزاعم المستأنف، ويكون منتجاً لكافة مفاعيله لاسيّما لناحية وجوب تسليم المأجور في نهاية المدّة المحدّدة كما ولناحية التزام المستأجر ببدلات الإيجار.
وحيث إنّه لناحية تسليم المأجور، فإنّه لم يثبت لغاية تاريخه أنّ المستأنف قد سلّم المأجور وهو يدلي تبريراً لذلك بتجدّد الاجارة وفق المادتين /542/ و /593/ م.ع. تبعاً لبقائه في المأجور بعد انتهاء الفترة التعاقدية الأولى وعدم مطالبته بالإخلاء من قبل المستأنف عليهم قبل انتهاء تلك الفترة التعاقدية.
وحيث إنّ العقد موضوع الدعوى يخضع لحرّية التعاقد، وهو بالتالي يرتبط بمشيئة المتعاقدين فقط بحيث إنّه يعود لهؤلاء في الأصل تنظيم علاقتهم وفق ما يرونه مناسباً، باستثناء بعض الأمور التي حدّ فيها المشرّع من سلطان الإرادة بموجب أحكام إلزامية.
وحيث إنّه يتبيّن في هذا الإطار أنّ المشترع، إنْ قيّد حرّية الطرفين في تعيين مدّة الإيجار بموجب نصّ إلزامي فوضع حدّاً أدنى لها بلغ ثلاث سنوات (م/543/ م.ع.) غير أنّه لم يفرض صيغة معيّنة ملزمة لتجديد هذه المدّة ، بحيث إنّ مسألة تجديد الاجارة بعد انتهاء المدّة التعاقدية الأولى تعتبر خاضعة لإرادة الطرفين.
وحيث إنّ البند الخامس من العقد موضوع الدعوى قد استبعد بصراحة تمديد الاجارة أو تجديدها إلاّ بموافقة المؤجّر الخطّية والمسبقة، بحيث إنّ الطرفين قد أعربا مسبقاً عن رغبتهما في عدم تجديد الاجارة تجديداً ضمنياً.
وحيث تبعاً لذلك فإنّ عدم مطالبة المستأنف عليهم بالإخلاء قبل انتهاء مدّة العقد المحدّدة في 2004/8/31 لا يكفي للقول بموافقتهم على التجديد طالما لم تأت تلك الموافقة بالصيغة المحدّدة صراحة في العقد، هذا فضلاً عن أنّه لم يتبدّ من مجمل ظروف النزاع ما يفيد عن نيّة التجديد بل على العكس من ذلك فإنّ مطالبة المستأنف عليهم بموجب كتابهم الصادر بتاريخ 2005/2/22 بالإخلاء إنّما ينفي بوضوح قصد التجديد.
وحيث إنّه تأسيساً على ما تقدّم، يعتبر بقاء المستأنف في المأجور بعد تاريخ انتهاء المدّة التعاقدية الأولى غير مسند إلى سند قانوني، ويقتضي بالتالي إلزامه بالإخلاء.
وحيث إنّه لناحية تسديد البدلات، فإنّه من الثابت أنّ المستأنف ملزم بتسديد بدلات الإيجار المستحقّة عن الفترة التعاقدية كما أنّه ملزم بدفع بدلات إشغال عن الفترة اللاحقة لانتهاء الفترة التعاقدية المذكورة.
وحيث إنّ المستأنف يدلي تبريراً لعدم دفع كامل البدلات بأنّ المستأنف عليهم لم يقوموا بتسليمه المأجور بحالة تمكّنه من استعماله وفقاً للغرض المقصود منه، ولم يرمّموا سطحه، ولم يضمّنوا العيوب اللاحقة به وحرموه من الإنتفاع به.
وحيث إنّ المستأنف عليهم يدلون من جهتهم بوجوب إلزام المستأنف بتسديد كامل البدلات المستحقّة والتي ستستحق تباعاً لغاية تاريخ الإخلاء الفعلي مع الفوائد القانونية.
وحيث إنّه في ظلّ عدم ثبوت حصول أيّ تلكؤ من جانب المستأنف عليهم في تنفيذ موجباتهم العقدية تبعاً لما صار تفصيله أعلاه، فإنّه لا يبقى للمستأنف الدفع بسقوط موجباته، ويتعيّن عليه دفع بدلات الإيجار المستحقة عن فترة التعاقد، كما يفترض فيه تسديد بدلات إشغال عن الفترة اللاحقة لانتهاء مدّة التعاقد، وتردّ أقواله المخالفة لهذه الوجهة.
وحيث إنّ الحكم المستأنف قد انتهى في هذا السياق إلى إلزام المستأنف عليه ببدلات إيجار مستحقّة وغير مسدّدة عن الفترة الممتدّة من 2001/9/1 ولغاية 2004/8/31 والبالغة بعد حسم المبالغ المدفوعة (البالغ مجموعها 2,500/ د.ا.) إضافة إلى بدلات إشغال مقدّرة على أساس بدل الإيجار أيّ ما يعادل /200/ د.ا. عن الفترة الممتدّة من 2004/9/1 ولغاية صدور الحكم (أيّ في 2004/10/16) فتوصّل إلى إلزام المستأنف بدفع مبلغ /11,900/د.ا. مع الفوائد المستحقّة إبتداء من تاريخ تقديم الدعوى في 2006/3/27 ولغاية صدور الحكم في 2007/10/16.
وحيث إنّ الحكم الإبتدائي قد وقع في موقعه القانوني السليم إنْ لناحية إلزام المستأنف ببدلات الإيجار وببدلات الإشغال أو لناحية طريقة احتسابها ممّا يقتضي تصديقه لهذه الجهة، على أنّه يقتضي ردّ طلب المستأنف عليهم الرامي إلى الحكم لهم بالمبالغ المترتّبة بتاريخ لاحق لصدور الحكم باعتبار أنّ الحكم المذكور قضى بردّها كونها تتعلّق بالفترة اللاحقة لصدوره، وذلك لعدم تقديم الطلب وفقاً للأصول بموجب استئناف تبعي.
وحيث إنّه تأسيساً على مجمل ما تقدّم، يقتضي ردّ الإستئناف أساساً وتصديق الحكم الإبتدائي برمّته للأسباب الواردة فيه وتلك المعتمدة من قبل هذه المحكمة.
وحيث إنّ بحسب المادتين /10/ و /11/ أ.م.م. فإنّ حقّ الإدعاء وحقّ الدفاع مقيّدان بحسن استعمالها، فكلّ طلب أو دفاع أو دفع يدلي به تعسّفاً يردّ ويعرّض من تقدّم به للتعويض عن الضرر المسبّب عنه، ويحكم على الخصم المتعسّف بغرامة قدرها أربعين ألف ليرة لبنانية على الأقلّ ومليوني ليرة لبنانية على الأكثر تقضي بها المحكمة من تلقاء نفسها.
وحيث إنّه من ضمن التجاوزات التي تشكّل تعسّفاً في استعمال حقّ المداعاة تلك التي ترمي إلى إزعاج الخصم وإضاعة وقته وتكبيده الدفاع وتلك التي ترمي إلى المماطلة وتأخير صدور القرار في الدعوى.
وحيث إنّه يتبيّن في هذا السياق أنّ المستأنف قد أسند استئنافه الراهن إلى مجموعة من الأسباب غير الجدّية وغير القانونية كما أنّه تقصّد أكثر من مرّة الطعن بإجراءات المحاكمة الإستئنافية.
كما قام بتقديم شكوى جزائية في 2010/3/29 بوجه المستأنف عليهم بموضوع تزوير عقد الإيجار المسندة إليه الدعوى اتسمت بعدم القانونية وعدم الجدّية بدليل صدور قرار بتاريخ 2013/5/9 قضى بإبطال التعقّبات وبتغريم المستأنف مبلغ مليون ليرة لبنانية، صدّق استئنافاً في 2014/12/18 وتمييزاً في 2015/10/22 بحيث استغرق البتّ بالشكوى الجزائية المذكورة خمس سنوات ممّا أدّى إلى تأخير مجريات المحاكمة الراهنة.
كذلك قام المستأنف بتقديم دعوى في 2009/1/26 أمام القاضي المنفرد المدني الناظر بدعاوى الإيجارات بموضوع بطلان عقد الإيجار المسندة إليه الدعوى لم يتطرّق إليها إلاّ بعد صدور القرارات بردّ الشكوى الجزائية المشار إليها أعلاه رغم تقديمها بتاريخ سابق فطلب استئخار البتّ بالدعوى الراهنة على أساسها بعد أن كان قد تركها عالقة لمدّة تزيد عن ستّ سنوات بدليل عدم صدور قرار نهائي لغاية تاريخه.
وحيث إنّه يستفاد ممّا تقدّم أنّ المستأنف قد عمد إلى اتباع شتّى طرق التسويف والمماطلة بقصد تأخير البتّ بالدعوى الراهنة، الأمر الذي يشكّل تعسّفاً في استعمال حقّ المداعاة ممّا يقتضي معه تغريمه مبلغ مليون ليرة لبنانية.
وحيث بوصول المحكمة إلى النتائج المثبتة آنفاً في متن هذا القرار، يقتضي ردّ سائر ما أثير من أسباب ومطالب، سواء لعدم الفائدة أو لكونها لاقت ردّاً ضمنياً.
لذلك
تقرّر بالإجماع:
1- قبول الإستئناف شكلاً.
2- متابعة السير بالدعوى بعد انتهاء مفعول القرار الصادر بتاريخ 2012/2/2.
3- ردّ طلب إخراج ورثة المرحوم ح.د. من المحاكمة وردّ طلب إدخال المحامي ج.ا. في المحاكمة.
4- ردّ طلب إبطال إجراءات المحاكمة.
5- ردّ طلب استئخار البتّ بالدعوى لعدم وجود ما يبرّره.
6- ردّ الإستنئاف أساساً وتصديق الحكم المستأنف برمّته للأسباب الواردة فيه وتلك المعتمدة في القرار الراهن.
7- تغريم المستأنف مليون ليرة لبنانية.
8- ردّ سائر الأسباب أو المطالب الزائدة أو المخالفة.
9- مصادرة التأمين الإستئنافي، وتضمين المستأنف الرسوم والمصاريف كافة.
قراراً صدر وأفهم علناً في بيروت بتاريخ 2017/1/5.
“محكمة” – الأحد في 2020/11/29