رسالة تأييد ومحبّة إلى الزميل بسّام أمين الحلبي بشأن انتخابات المحامين/سامي أبو جودة
المحامي سامي أبوجودة:
زميلي وأخي بسّام.
قرأت مقالك في “محكمة” بعنوان “لن نسمح بتحويل نقابة المحامين على شاكلة الاحزاب”. وكعادتي في تأييد آرائك ومواقفك المتصلة بنقابة المحامين، فإنّي استمرّ في الوقوف إلى جانبك في هذه الصرخة التي تطلقها. إنّ رسالتنا وواجبنا يقضيان بنقل صحّتنا إلى الأحزاب بدلاً من نقل مرضهم إلينا. وإنّي يا زميلي الكريم أعرف انتماءك ونشاطاتك الحزبية المكثّفة مع يقيني بأنّك لم تمزجها يوماً مع همومك النقابية والمهمّات التي تمارسها في نقابتنا – أمّ النقابات – بحرّية تامة ومناقبية مثالية. أشهد ويشهد عارفوك على حرصك على استقلالية نقابة المحامين والحفاظ على دورها الريادي مع إصرارك على إنقاذها ممّا تعانيه إلى حدّ أنّك لن تسمح بتحويلها على شاكلة الأحزاب.
ولما كنت مدركاً لخطورة ما أنت تخشاه وما أنت ساعياً إليه، فإنّي أتبنّى طرحك وأّضمّ صوتي إلى صوتك وأنقل إليك ما سبق لي أن كتبته في هذا الموضوع لكي يعرف زملاؤنا الجدد كيف تواردت وتوافقت أفكار جيلنا حول ثقافة موحّدة في مجد النقابة وديمومتها. فيفرّقون بين انتمائهم للحزب وولائهم المطلق للنقابة.
إليك ما كتبته سابقاً بعنوان: “نقابة المحامين في مواجهة الاحزاب”:
في كلّ مرّة تكون إحدى نقابات المهن الحرّة تتحضّر لانتخاب نقيب لها أو انتخاب أعضاء المجلس النقابي، نرى الأحزاب اللبنانية تتسارع وتتسابق للتدخّل في الشؤون النقابية، فتؤيّد وتتبنّى وتتناحر وتتصارع في ما بينها، بغية توصّل كلّ حزب للهيمنة وقطف النتائج التي تصبّ في مصلحته. إنّ هذا التدخّل يتنافى مع النظام الديمقراطي ملحقاً الضرر بالأحزاب ذاتها ثمّ وبالعمل النقابي الذي يتأثّر سلباً بهذه الهيمنة. إنّ أهمّ ما انتجه النظام الديمقراطي هو إنشاء الحياة الحزبية إلى جانب الحركات النقابية إلاّ أنّ التداخل بين كلّ منهما يبقى أمراً حسّاساً ومدعاة للعناية من كلا الطرفين. فالحزب له دوره السياسي، في حين أنّ للنقابة دوراً مهنياً صرفاً وليس لها في الحقل السياسي إلاّ الدور الوطني والتوجيهي وغير المسيّس.
ناهيك بما تتخبّط به الأحزاب اللبنانية من صراعات وخصومات ومواجهات جعلت دورها معطّلاً للحياة السياسية بدلاً من تطويرها. إنّ أيّ حزب لم يتمكّن بعد من تطوير محازبيه وطنياً لكي يمثّل جميع فئات الوطن وعلى كامل مساحته، بل لم يستطع أن يتخطّى مسألة تعليب محازبيه ضمن حزبه وكفى. ولذلك بتنا نرى أنّ الأحزاب لم يكن بوسعها أن تحلّ أيّ من المشاكل والأزمات التي يتخبّط بها الوطن حتّى وصل الوطن إلى المواجهة مع نفاياته بدلاً من مواجهته مع المستقبل وما يحمله من تحدّيات متزايدة ومستجدة. إنّ الاحزاب وعلى ما هي عليه يجب أن تكفّ عن نقل أمراضها وصراعاتها إلى النقابات، بل ربما يجب على النقابات أن تنقل صحّتها إلى الأحزاب.
لقد آن الأوان أن يدرك المخلصون سواء أكانوا منتمين إلى حزب أم أنّهم غير منتمين أنّ مصلحة البلد تقضي بأن يلتزم كلّ فريق حدوده، وأنّ مصلحة النقابيين تقضي بالحفاظ على استقلالية النقابة التي ينتمون إليها ورفض كلّ هيمنة حزبية على نشاطهم.
يوم الأحد المنصرم جرت الانتخابات الدورية في نقابة المحامين لانتخاب أربعة أعضاء جدد ثمّ وانتخاب النقيب من بينهم. وقد حصل قبل هذه الانتخابات وبعدها كلام كثير حول تداخل الأحزاب وتدخّل كلّ منها بقصد الهيمنة على النقابة حتّى ليخيل أنّ المحامين آخذون بالتنازل عن حرّيتهم وعن استقلالية نقابتهم وحرّيتها اللتين تمتّعت بهما وولدت من رحمهما منذ تأسيسها عام 1919.
إنّ هذا النوع من الصراع المستحدث في انتخابات نقابة المحامين قد رفضته الأكثرية النقابية وأدركت أنّ النقابة يجب أن تحافظ على استقلاليتها وحرّية قرارها كما أرادها وتمشى عليها قبلاً كبار المحامين ولا سيّما منهم من تبوأ المراكز النقابية منذ نشوء نقابتهم وهي تفرَّدت باستقلالية لم تعرفها سائر النقابات أو التنظيمات. فلا وصاية عليها من أيّ سلطة ولا تابعية لها لأيّ مرجع. وما تعوّدت يوماً على القبول بأيّ هيمنة من أيّ جهة أتت حتّى أطلق عليها بحقّ اسم “أمّ النقابات” وهي وبما تتمتّع به من مزايا وإمكانات وبما تضمّه من النخب على امتداد المساحة والتنوّع، بمقدورها أن تحتضن جميع النشاطات الحزبية وتؤثّر فيها وبدون أن تكون مرتهنة لأيّ حزب مهما علا شأنه.
والمهمّ ألاّ تحجب عن المحامين انتماءاتهم الحزبية تطلاعاتهم نحو ما ينمّي قوّة نقابتهم ومناعتها في سبيل تطوير العمل المهني وهو عمل غالباً لا يأتلف مع النشاط الحزبي.
ويجب على المعنيين بالشؤون النقابية، وعلى رأسهم النقيب ومجلس النقابة أن يوجّهوا انتباههم إلى ما يواجهه المحامون كلّ يوم من متاعب ومصاعب ومعاناة في سياق ممارسة المهنة حيث الكثير من الشوائب وحيث الأمر يتطلّب العناية الفائقة. وحيث لا دور هناك للأحزاب، بل وحدها النقابة في المواجهة، إعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله.
(نشر في النسخة الورقية من مجلّة “محكمة” – العدد 35 – تشرين الثاني 2018)