الأخبار

رياض سلامة يقود حملة إعلامية مضللة لإطلاق سراحه: قضاء أوروبا لم يعلن البراءة وخمسة طلبات طعن رفضت

تعمّدت صحف ومواقع إخبارية نشر خبر غير صحيح حول إلغاء الحجز عن أملاك حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة في أوروبا، بعدما ثبتت براءته وبراءة شقيقه رجا وابنه ندي وكل شركائهم. واستُتبع الأمر بحملة إعلامية مموّلة وعلى وسائل التواصل الاجتماعي حول ضرورة الإفراج عن الحاكم المسجون، واعتبار اعتقاله واتهامه بسرقة المال العام جزءاً من حملة سياسية موجّهة ضده وضد «نجاحاته».
تقاطعت مصالح سلامة مع مصالح المصارف الساعية إلى تبرئة ذمتها وغسل يديها من هدر الودائع بالتعاون معه، فسارت تلقائياً وراء الحاكم السابق، ورأت في هذا التوقيت ما يناسب برنامجها بالتزامن مع مناقشة مشروع إعادة هيكلة المصارف وسعيها للإطاحة بقانون رفع السرية المصرفية، حتى لو كان التعديل التي أوصت فيه حكومة نواف سلام ساهم بتحجيم مفعوله أصلاً.
واستغل فريق سلامة هذه التطورات واكتمال الجوقة بانضمام المصرفيين وبعض رجال الأعمال إليها، ليستخدم أدواته الإعلامية في حملة تبرئته عبر نشر أخبار مغلوطة أو بالأحرى ترجمة مستندات قضائية فرنسية بشكل مجتزأ ومعاكس وتفسيرها بما يتناسب ومصالحه.
«الأخبار» اطّلعت على هذه الأحكام وعددها سبعة، وهي عبارة عن طعون تقدّم بها فريق دفاع سلامة ضد قرارات قضائية فرنسية أدّت إلى الحجز على أملاكه.
وفي هذا السياق، قبلت محكمة التمييز الفرنسية ثلاثة طعون من دون إبطالها، بل جرى تحويلها إلى غرفة تحقيق أخرى للبتّ فيها، بينما رفضت 4 طعون أخرى وأبقت على قرارات الحجز.
كما أن المذكّرات المقدّمة من قبل وكلاء الحاكم السابق لم تهدف إلى تبرئته من التهم المثبتة عليه، بما لا يقبل الطعن، بل ركّزت على ما يهمّه فوق كل شيء، وهو الحفاظ على عقاراته وأمواله المشتبه في أنه سرقها من المصرف المركزي. فاستند فريق الدفاع إلى ذريعة «عدم اختصاص القضاء الفرنسي بجرائم واقعة خارج أراضيه ولا ترتبط مباشرة بفرنسا». لكن طابت لبعض الإعلام اللبناني الإضاءة على قرارات قبول الطعن وتفسيرها على أنها أحكام براءة لسلامة، ليس عن عدم معرفة، بل سعياً لتبييض صفحة الحاكم السابق والمصارف المتعاونة معه لقاء مكرمات قيّمة.
في ما يلي استعراض لهذه المذكّرات وتفاصيل ما جاء فيها وردّ محكمة التمييز الفرنسية عليها:
1 – تقدّم سلامة بطعن ضد قرار قاضي التحقيق الفرنسي الصادر بتاريخ 22 آذار 2022 بالحجز على بعض أملاكه. وسبق للقضاء الفرنسي أن قرّر الحجز على أملاك سلامة وعائلته في فرنسا وبعض الدول الأوروبية الأخرى.
كما سبق للسلطات القضائية البلجيكية أن أرسلت بلاغاً في آب 2021 للنائب العام الفرنسي بشأن غسيل أموال من خلال استثمارات عقارية عبر شركتي Louise 209A 1 و Louise 209A 2 البلجيكيتين، المملوكتين من شركة قابضة في لوكسمبورغ تُدعى BR 209 Invest يمتلكها ويديرها رياض سلامة.
وفي 2 نيسان الماضي، تقدّم وكلاء سلامة، عبر شركة Louise 209A 2، بمذكّرات طعن في قرارات قاضي التحقيق لناحية «عدم صلاحية القضاء الفرنسي بالتدخل في قضايا ارتُكبت بالكامل خارج الأراضي الفرنسية من قبل أطراف أجنبية ولصالح ضحايا أجانب دون أي صلة مباشرة بفرنسا»، كون الشركة تأسّست في بلجيكا ويديرها ندي سلامة، وهي واحدة من عشرات الشركات الوهمية التي أسّسها سلامة لتبييض الأموال، وتملّك عبرها عقارات في بروكسل وألمانيا ولندن.
والشركة مملوكة بالكامل من شركة أخرى PR 209 invest SA المملوكة بدورها من شركة وهمية أخرى منشؤها لوكسمبورغ، أما الرابط الأساسي في هذه السلسلة المتشابكة فليس سوى رياض سلامة.
ولأن «القضاء الفرنسي لا يكون مختصاً إلا إذا ارتُكبت الجريمة أو أحد عناصرها في فرنسا أو إذا كان هناك ترابط لا يتجزأ مع جريمة أخرى ارتُكبت على الأراضي الفرنسية، وبما أن شركة Louise 209A 2 بلجيكية والجرائم المزعومة ارتُكبت في الخارج من دون ارتباط بجريمة فرنسية»، فإن القرار خالف القانون الفرنسي كما جاء في تعليل محكمة التمييز الفرنسية. لذا سمحت المحكمة بالطعن فيه من هذا الجانب وقررت إلغاء قرار غرفة التحقيق الصادر في 4 تموز 2023 بكل أحكامه، على أن تحال القضية إلى غرفة تحقيق مختلفة في محكمة استئناف باريس لإعادة النظر فيها.
2 – تقدّم رياض سلامة بطعن ضد القرار الصادر عن قاضي التحقيق الفرنسي في 30 آذار 2022 بالإبقاء على الحجز المفروض على الرصيد الدائن لحساب سلامة في بنك عودة وقيمته 99 ألفاً و444 يورو.
وادّعى بأن المحكمة رفضت أدلة تقدّم بها لحجة أنها حصلت بشكل غير منتظم، ما تسبب «بانتهاك مبادئ العدالة وحق المحاكمة العادلة والاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان». كما شدّد الدفاع على عدم صلاحية القضاة رفض فحص الأدلة المقدّمة من قبلهم فقط لأنه تم الحصول عليها بشكل غير منتظم طالما أنها لم تحصل بطريقة احتيالية أو تهدف الى الخداع.
واعتبر أن غرفة التحقيق أخطأت في معالجة الأدلة واتخاذ القرار وهي أسباب قبلتها محكمة التمييز الفرنسية فأصدرت قراراً بإبطال القرار المطعون فيه بكل أحكامه، على أن تتم إعادة المحاكمة وفقاً للقانون وحوّلت القضية إلى محكمة الاستئناف في باريس.
3 – في 25 آذار 2022، أصدر قاضي التحقيق الفرنسي أمراً بمصادرة عقارات في بريطانيا تعود ملكيتها لندي سلامة وشركة «fullwood invest»، إنما المستفيد الاقتصادي منه هو رياض سلامة.
وقد طعن ندي في القرار مشيراً إلى أنه لم يستوفِ المتطلبات الإجرائية المتعلقة بالكشف عن الأدلة المتعلقة بالحجز وأن المحكمة لم تضمن وصوله إلى الأدلة التي استندت إليها لتبرير قرار الحجز مثل قرارات مصرف لبنان وتفاصيل حسابات شركة «فوري» المملوكة من رجا سلامة كما التحويلات المصرفية، ما اعتبره فريق الدفاع عن سلامة «انتهاكاً للاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان وللقانون الفرنسي ولا سيما في ما يتعلق بالحق في محاكمة عادلة والوصول إلى الدفاع».
غير أن المحكمة ردّت على ذلك بالتأكيد أن القضية تتعلق بمصالح الدولة اللبنانية، وأكدت أن سلامة وشقيقه رجا متورطان في سلسلة من الجرائم التي تشمل الاستيلاء على الأموال العامة واختلاسها واستخدامها لشراء عقارات في بريطانيا من خلال شركات مرتبطة بعائلة سلامة.
وأشارت إلى دراستها حركة تدفق الأموال بين حسابات مصرفية مختلفة في سويسرا ولوكسمبورغ ولبنان، مرتبطة جميعها بآل سلامة، وهو ما يؤكد حصول عمليات احتيال تهدف إلى إخفاء مصادر الأموال المستخدمة في شراء العقارات، لتخلص إلى أن الأدلة الموجودة كافية للاشتباه بتورط سلامة في غسل الأموال وبالتالي ضرورة الحجز على أملاكه.
ومع ذلك، ثمة مسألتان عالجتهما المحكمة لناحية الاختصاص بما أن فريق سلامة استند إلى عدم اختصاصها في قضية واقعة خارج أراضيها وتتعلق بجهات أجنبية. لم توافق المحكمة على هذه العلة مؤكدة أحقية تدخلها في القضية طالما أن الارتباط بين الأنشطة غير القانونية والقانون الفرنسي قائم طبقاً لمسار مرور الأموال المختلسة الذي شمل حسابات مصرفية فرنسية.
أما في ما خصّ مسألة الأدلة، فأبدت «قلقها» حيال عدم قانونية بعضها وخصوصاً بعض الوثائق التي وصلت بطريقة غير منتظمة.
إلا أن ذلك لا يبطل القرار بما أن الأدلة كانت متاحة للمراجعة القانونية. ووجدت المحكمة أن الحجز على العقارات كان مبرراً ومبنياً على أدلة غسل الأموال واختلاسها لكنها انتقدت آلية التعامل مع الأدلة. فقررت إعادة الملف إلى المحكمة مجدداً لمزيد من المراجعة ثم إصدار الحكم النهائي، معربة تأييدها للقرار الأول بشكل كبير، ما يعني أن الملف لم ينته لصالح سلامة.
4 – تقدّم فريق الدفاع عن رجا سلامة بطعن ضد قرار الحجز على الأموال في حسابين مصرفيين لرجا وزوجته ندى البستاني في مصرف Crédit Lyonnais بقيمة إجمالية تصل إلى 181 ألف يورو.
واستند الدفاع إلى عدم اطّلاعه على المستندات التي استند إليها القاضي لإصدار قرار الحجز ومنها قرارات مصرف لبنان وحسابات شركة «فوري» والتحويلات المالية مطالباً بإبطاله. إلا أن محكمة التمييز أكدت أنها أتاحت للمحامي الوصول إلى الوثائق التي تثبت أن رياض سلامة حصل على موافقة المجلس المركزي لعقد اتفاق بين مصرف لبنان وشركة Forry Associates Ltd. بموجب هذا العقد حوّل سلامة أكثر من 326 مليون دولار إلى شقيقه المستفيد الاقتصادي الوحيد من هذه الشركة لتصل الأموال لاحقاً إلى حسابات سويسرية، ومنها إلى شركات في لندن وحسابات مصرفية في لبنان، ما يؤكد عملية التبييض والاختلاس وسوء الأمانة. فقررت رفض الطعن والإبقاء على حجز الأموال، معتبرة أن القرار قانوني.
5 – تقدّم رجا سلامة بطعن ضد قرار القضاء الفرنسي الحجز على الأموال الموجودة في حسابه وحساب زوجته في مصرف Banorient France بقيمة تقارب 95 ألف يورو.
والحجة كما في الطعن السابق أنه لم يتسن له الاطلّاع على كامل الأدلة التي تبرر الحجز في حين أكدت المحكمة أنها كانت متاحة أمام فريق الدفاع للاطّلاع عليها وهي الوثائق نفسها التي تثبت تورطه في الجرائم المالية. وخلصت محكمة التمييز إلى أن الأدلة كانت كافية وسليمة، فرفضت الطعن وأكدت على استمرار الحجز على الحساب المصرفي.
6- تقدّم ندي سلامة بمذكّرة طعن في قرار قاضي التحقيق الفرنسي الصادر في 25 آذار 2022 بالحجز على حسابين مصرفيين له في مصرف SBA بقيمة 42 ألف يورو للأول و51 ألف دولار للثاني.
واستند في الطعن إلى عدم اطّلاعه على المستندات والإثباتات التي بُني عليها قرار الحجز مثل قرارات مصرف لبنان المركزي، وحسابات شركة «فوري» والتحويلات المالية، بينما ذكرت المحكمة أن جميع المستندات كانت متاحة للمحامين وهي أدلة ثابتة وتبرز أن الأموال الخارجة من مصرف لبنان إلى «فوري» ثم إلى حسابات أخرى استُخدمت لتمويل شراء عقارات في بريطانيا عن طريق شركتي Fulwood Invest وBR 209 Invest بقيمة 33 مليون جنيه استرليني وبتوقيع من ندي سلامة، فضلاً عن نقل ملكية عقار إليه في هايد بارك في لندن من دون مقابل مالي وتبلغ قيمته 3.5 ملايين جنيه استرليني.
وتلك مؤشرات قوية إلى ارتكاب جرائم تبييض أموال، ووصلت قيمة الأموال المصادرة في فرنسا وبلجيكا وبريطانيا إلى 82 مليون يورو. لذلك رأت محكمة التمييز أن الحجز على حسابات ندي وعقاراته تتناسب مع حجم الجريمة ولأن وجوده كمدير في الشركات وتملّكه لعقارات يظهر كل ذلك مشاركته في الجرائم المرتكبة. فرفضت الطعن وأبقت الحجز على الأرصدة.
7 – تقدّم رجا سلامة بطعن في قرار محكمة الاستئناف في باريس التي أيّدت أمر قاضي التحقيق بالحجز على حساب مصرفي مشترك بينه وبين زوجته في بنك Banorient France بقيمة تفوق 1.18 مليون يورو.
وكما الطعون الأخرى، تسلّح فريق دفاع رجا بحجة عدم الإتاحة له الاطّلاع على المستندات الأساسية المستخدمة في متن القرار وأن هذا الأمر ينتهك الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان والقانون الفرنسي الذي يضمن مبدأ المواجهة والحق في الاطّلاع على الأدلة. غير أن محكمة التمييز الفرنسية أكدت على الحجز، وأعادت تذكير شقيق الحاكم بأنه المستفيد الاقتصادي من شركة «فوري»، وما رافق عقدها مع مصرف لبنان من تلاعب وتبييض أموال، واعتبرت أن الحجز مشروع ومطابق للقانون.
* المصدر: جريدة الاخبار.
“محكمة” – الاثنين في 2025/4/7

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!