سؤال برسم المعنيين المنتفضين/ناضر كسبار
المحامي ناضر كسبار:
بتاريخ 17 تشرين الأوّل 2019، كنت في مناسبة إجتماعية مع مجموعة كبيرة من المحامين في منزل المحامي كميل فنيانوس في صربا، عندما اتصل بي أحد الأصدقاء الساعة التاسعة مساء قائلاً لي إنّ “الوضع خربان”.
وبالفعل ما ان اجتزنا بلدة زوق مكايل حتّى اقفلت الطريق بالمحتجين يومها. وكذلك في عدّة مناطق، وأقفلت الطرقات بالدواليب المحروقة لدرجة أنّ كلّ واحد منا اضطرّ لتغيير عدّة طرقات والدخول في طرقات فرعية للوصول إلى منزله.
هذا الأمر إنْ دلّ على شيء، فعلى أنّ الأمر لم يكن عفوياً بل مخطّطاً له أو لنقل مدروساً. وبدأت الاحتجاجات والمظاهرات في عدّة مناطق وخصوصاً في طرابلس وجبيل وزوق مكايل وجل الديب ووسط بيروت وصيدا وكفررمان والنبطية والدامور وغيرها وغيرها. إلاّ أنّ فشّة الخلق كانت في معظم الأحيان في وسط بيروت الذي لا نعلم لماذا هذا التركيز عليه، وهو أجمل وأروع منطقة في العالم، ممّا اضطرّ أصحاب المحلات إلى إقفالها مع ما تحمّلوه من خسائر في بدلات الإيجار الباهظة وكساد البضاعة وغيرها. وجاءت المصيبة الكبرى جرّاء أعمال الحرق والتكسير والتحطيم.
يوم انطلقت الإنتفاضة – الثورة. حملت عنواناً جذّاباً ومهمّاً وجامعاً وهو استعادة الأموال المنهوبة. إلاّ أنّ أصواتاً أو جهات أو مجموعات بدأت تطلق شعارات متعدّدة: تارة إسقاط العهد والرئيس، وتارة أخرى إسقاط حاكم مصرف لبنان وحكم المصارف، وبدأ تحطيم قسم كبير منها. ثمّ التركيز على السلاح. وبدأت التناقضات والكباش وشدّ الحبال، وتخلخلت الأمور. مظاهرات ثمّ سكون وسكوت تام. تكسير وتحطيم وحرائق ثمّ استنكارات. إطلاق شعارات وشتائم ومسّ بالديانات والطوائف ثمّ تأكيد من الجميع على العيش المشترك وعدم قبول ما يحصل.
إزاء هذه الأمور، فإنّ المراقب لا بدّ إلاّ وأن يسجّل الملاحظات الآتية:
1- لقد قامت الانتفاضة – الثورة واستفاد من استفاد منها مادياً أو بتولّي مناصب ومراكز لم يكن يحلم بها. وبمعرضها ثمّ القيام بأعمال غير مقبولة ولا تؤدّي إلى أيّ نتيجة إيجابية بل إلى الخراب كأعمال الشغب والتكسير والحرائق وشلّ الحركة في عدّة مناطق وخصوصاً في وسط بيروت الذي أطلب رسمياً عدم السماح لأحد سواء باحتلاله أو بتخريبه أو بنهبه أو بتكسيره أو بشلّ الحركة فيه كائناً من كان، وكائناً من كانت الجهة التي تبغي ذلك. علماً بأنّ أعمال النهب والتكسير والحرائق غير مقبولة في أيّ منطقة على الإطلاق.
2- كنت أتمنّى شخصياً أن يبقى التركيز على شعار استعادة الأموال المنهوبة. مع العلم أنّ هذا الشعار بقي شعاراً ولم نر المنتفضين يتوجّهون إلى منزل أو مكتب أيّ مسؤول ممن نهبوا الأموال العامة، حتّى ولو كان هذا المسؤول مصرفياً، بل توجّهوا إلى فروع المصارف وكسروها وحرقوا قسماً منها. وما هي النتيجة؟. لا شيء. وبالتالي فإنّ من ينهب ويسرق الأموال العامة قد لا يتأثّر إذا كانت الشعارات عامة وغير مركّزة، وغير موجّهة مباشرة إليه. لا بل أحياناً حتّى ولو وجُّهت كلامياً إليه وبالاسم ماذا ينفع هذا الأمر؟ وهل أعاد الأموال المنهوبة من قبله؟ وكيف يستطيع شعب مشرذم مواجهة من يملك المال والسلطة والقوّة على الأرض؟ لذلك كنت متشائماً منذ البداية وكتبت العبارة الآتية: خططهم ومخطّطاتهم الجهنمية أقوى من براءة الشعب المسكين المطالب باستعادة الأموال المنهوبة.
3- وأكثر من ذلك. كنت ولا أزال أردّد أنّ الحرب في لبنان استمرّت أربعين عاماً بسبب تذاكي الشعب اللبناني دون أن ننسى ما كان مخطّطاً للبلد. وهذا الأمر ينطبق على الإنتفاضة. يتداعى المنتفضون. يتظاهرون، يطلقون الشعارات في عدّة مناطق لبنانية يوم السبت مثلاً. ثمّ سكون لمدّة عدّة أسابيع. لا حركة ولا انتفاضة ولا حسّ على الإطلاق. ثمّ يتداعى البعض لإقفال هذه الطريق بشكل سلمي، فيقابلهم البعض بالتكسير والحرائق وغيرها. فتهدأ الأمور وتستكين. هل هكذا تكون الانتفاضات والثورات؟
سؤال أضعه برسم المعنيين بكلّ محبّة.
“محكمة” – الأربعاء في 2020/6/24