سابقة فصل أربعة نقباء محامين في طرابلس وتدخّل القضاء في المحاماة و”تضارب الصلاحيات”
كتب علي الموسوي:
في قرار نقابي هو الأوّل من نوعه في تاريخ مهنة المحاماة في لبنان، أصدر مجلس نقابة المحامين في طرابلس قراراً بفصل أربعة نقباء سابقين من النقابة دفعةً واحدة، وذلك إثر طعنهم أمام قاضي الأمور المستعجلة في طرابلس جويس عقيقي بنتائج مسابقات الانتساب إلى النقابة، مشكّكين بنزاهتها وصحّتها، وراسمين علامات إستفهام كثيرة حولها لما تضمّنته من شوائبَ وتجاوزاتٍ وإطلاقٍ ليدِ المحسوبيات في الجناح الثاني المكمّل للعدالة.
لمن الصلاحية القضائية؟
وطرحت هذه القضيّة مسألة الجهة القضائية المختصة للنظر في هذه الدعوى الآتية على صهوة “أمر على عريضة” “لإتخاذ تدابير مؤقّتة واحتياطية حفاظاً على الحقوق ومنعاً للضرر” كما ورد في مقدّمتها، وما إذا كان قاضي الأمور المستعجلة، أم محكمة الاستئناف المدنية الناظرة في القضايا النقابية، وانقسمت الآراء القانونية بين مناصر لحصر الاختصاص بمحكمة الاستئناف، ومؤيّد لاعتبار قاضي العجلة صالحاً وإلاّ لما كان تجرأ واتخذ مثل هذه الخطوة غير المسبوقة في التصدّي لعمل نقابي غير خاضع أساساً لأيّ سلطة وصاية مثل نقابات أخرى موجودة في لبنان وتصنّف في عداد نقابات المهن الحرّة.
وفسّر المؤيّدون لصلاحية قاضي العجلة أنّ النقباء الأربعة لم يتقدّموا بدعوى بوجه نقابة المحامين في طرابلس يطلبون فيها إبطال قرار مجلسها القاضي بإعلان بطلان نتائج إمتحانات الإنتساب لدورة 2015، بل كلّ ما في الأمر أنّهم طلبوا إتخاذ تدبير مؤقّت لحفظ الحقوق، وللحفاظ على المسابقات، ومنع العبث بها كي تتمكّن محكمة الموضوع لاحقاً من إصدار قرار قضائي بالإستناد الى المسابقات، ثمّ أنّ النقابة وإنْ كانت إحدى نقابات المهن الحرّة إلاّ أنّها تبقى من أشخاص القانون الخاص، وخاضعة للقانون الخاص مُمثّلاً بقانون أصول المحاكمات المدنية في كلّ ما لا يعتبر طعناً بقرارات مجلس النقابة لإبطال قراراته، ومن ضمن أحكام القانون الخاضعة له هو قانون أصول المحاكمات المدنية ولاسيّما المادتين 579 و589 أ.م.م.
أسماء”راسبين ناجحين”
ومن المآخذ على النتائج المطعون فيها:
أولّاً: إتلاف مسابقات الطلاّب الناجحين قبل مرور مهلة الأيّام العشرة التي تجيز الطعن في النتائج، إذ جرى إتلافها قبل يوم واحد من إصدار النتائج يوم الاثنين الواقع فيه 7 كانون الأوّل 2015، وهذا ما يخالف الفقرة الأخيرة من المادة 79 من قانون تنظيم مهنة المحاماة، مع العلم أنّ النقابة إعتادت على الاحتفاظ في أرشيفها، بمسابقات الانتساب العائدة إلى عشر سنوات خلت، وهذا التصرّف يهدف إلى منع النقباء الأربعة كونهم أعضاء دائمين لا يصوّتون في مجلس النقابة، من إجراء المقارنة بين حقيقة المسابقات والنتائج المعلنة.
ثانياً: إعلان نجاح مرشّحين رسبوا مرّات عديدة في امتحانات نقابة المحامين في بيروت ولم يعد يحقّ لهم التقدّم لأيّ امتحان، فلجأوا إلى نقابة المحامين في طرابلس التي وافقت على طلباتهم إنسجاماً مع تدخّل سياسي لمصلحتهم كونهم محسوبين على فريق سياسي معيّن، ومن هؤلاء كما قال النقباء الأربعة: (إ.ح.)،(م.ع.)،(ع.ز.)،(ه.ي.)،(س.ك.)،(ح.ك.)،(د.م.)،(ط.ع.)،(أ.ش.)،(ع.ب.)،(ب.ن)،(ح.ب.).
الناجحون أربعة
وعلمت “محكمة” من مصادر مطلّعة أنّ نتائج هذه الامتحانات لم تكن بالمستوى المطلوب، إذ لم يصل عدد الناجحين إلى عشرة( وقيل إنّه بلغ أربعة مرشّحين فقط)، وهذا ما دفع مجلس النقابة برئاسة النقيب فهد المقدّم إلى غضّ الطرف عن المعدّل المطلوب وإعلان نجاح مائة طالب انتساب في جلسة سرّيّة عقدت في يوم عطلة هو يوم الأحد الواقع فيه 6 كانون الأوّل 2015، فهبّ النقباء السابقون حسن المرعبي، وجورج طوق، وخلدون نجا وفادي غنطوس، لاستدراك الأمر وتصحيح الوضع الخاطئ واعتبار النتائج المعلنة مشوبة بالتزوير من وجهة نظرهم، و”الحفاظ على سلامة عمل مجلس النقابة ومنعه من التمادي في التعسف باستعمال السلطة الممنوحة له” على حدّ قولهم، واستجابت لهم قاضي الأمور المستعجلة جويس عقيقي بإصدارها قراراً في 8 كانون الأوّل 2015، قضى “بضبط “المسابقات العائدة لطلاّب الانتساب لدورة 2015، وختم أوراق كلّ مسابقة وكلّ حشو أو محو بختم المحكمة وتذييلها بعبارة “كي لا يبدّل”، ومن ثمّ تعريب المسابقات في ظروف، وختم كلّ ظرف بالشمع الأحمر بعد ذكر عدد المسابقات الموجودة فيه، وإيداع الظروف خزانة في مقرّ النقابة، وختم الخزانة المذكورة بالشمع الأحمر”.
تدخّل مجلس القضاء بأعمال القضاة
وهذا ما رفضه مجلس النقابة “شكلاً ومضموناً لمخالفته للأصول القانونية، خاصة تلك المتعلّقة بأصول تقديم أيّة دعوى أو مراجعة بوجه النقابة”، على ما صدر عنه بُعيد اجتماعه الطارئ الذي اتخذ فيه قرار فصل النقباء الأربعة من عضوية النقابة، والامتناع عن تبلّغ القرار القضائي و”إنفاذه أصولاً مع أنّه نافذ على أصله”، وذهب إلى مطالبة “مجلس القضاء الأعلى بشخص رئيسه القاضي جان فهد التدخّل للحفاظ على القيم والمبادىء القانونية التي ترعى مهنة المحاماة”، وهذا ما وصف بالخطأ الكبير من مجلس النقابة، إذ كيف يمكنه “الطلب من مجلس القضاء الأعلى التدخّل في أعمال القضاة العدليين؟”، بينما يفترض به الوقوف سدّاً منيعاً بوجه أيّة تدخّلات من سياسيين وغير سياسيين لدى القضاء، ولذلك كان يتوجّب عليه مداعاة الدولة على أعمال القضاة أمام الهيئة العامة لمحكمة التمييز، وهو الإجراء القانوني السليم في هذا الشأن.
ولم يكتف المجلس بهذه الخطوات، بل أعلن الإضراب، وجاراه مجلس نقابة المحامين في بيروت في جلسة ترأسها أمين السرّ جميل قمبريس بسبب وجود النقيب أنطونيو الهاشم في فرنسا، معتبراً قرار قاضي الأمور المستعجلة في طرابلس “سابقة خطيرة، ويشكّل تدخّلاً فاضحاً في الشؤون التنظيمية للنقابة”.
وحاول مجلس القضاء الأعلى التخفيف من وقع قرار القاضي عقيقي في بيان أصدره بهذا الخصوص، فقال إنّه “صدر بالصورة الرجائية”، و”قابلٌ للطعن من كلّ جهة تعتبر نفسها متضرّرة منه، فلا داعي للخوض فيه خارج الأطر المرسومة قانوناً”.
تراجع فاستئناف
وما لبثت القاضي عقيقي أن تراجعت عن قرارها بفعل ما أسماه معنيون بـ “ضغوطات مورست من أعلى المستويات”، وقرّرت في قرار إعدادي صادر في 16 كانون الأوّل 2015، فتح المحاكمة بداعي أنّ اعتراض النقباء الأربعة غير جاهز لإصدار قرار نهائي فيه، وكلّفت نقابة المحامين في طرابلس تأكيد ما إذا جرى إتلاف مسابقات الناجحين دون الراسبين وبيان تاريخ الإتلاف، وإبراز ما يُثبت حصوله، فأرسلت الأخيرة إفادة بالواقع هو محضر جلسة 6 كانون الأوّل 2015، يقرّ بحصول الاتلاف، ومع ذلك “لا يتمتّع بأيّ حجّة قانونية أو ثبوتية سنداً للقاعدة القانونية القائلة بأنّه “لا يقضي المرء لنفسه بنفسه”، ولا قيمة ثبوتية لمن يبرز إثباتاً أو قرينة صادرة عنه ليقضي لنفسه بنفسه أو بشهادته.
وبموازاة ذلك، إستأنف النقباء الأربعة قرار نقابة المحامين الرامي إلى إعلان نتائج دورة الانتساب، أمام محكمة الإستئناف المدنية الناظرة بالقرارات النقابية في الشمال، مطالبين بإبطال القرار المطعون به “لجهة زعمه إتلاف المستندات وإعدام أدلّة ضمن مهلة الاستئناف المحدّدة بعشرة أيّام سنداً لنص المادة 79 من قانون تنظيم مهنة المحاماة، وعرقلته عمل السلطة القضائية، وإصدار القرار القاضي بتكليف نقابة المحامين بيروت تحديد من هي الأسماء الواردة في قرار النقابة موضوع الطعن والبالغة مئة ناجح حصراً، والذين سبق لهم تقديم إمتحان انتساب أمام النقابة أكثر من مرّتين، وتكليف الجهة المستأنف ضدّها تزويد المحكمة بلوائح المتقدّمين إلى امتحانات النقابة في السنوات الخمس الأخيرة بغية مقارنتها بأسماء الناجحين المئة ولمعرفة ما إذا خالفوا نصّ المادة 21 فقرة 5 من النظام الداخلي”.
(نشر في مجلّة “محكمة” – العدد 3 – كانون الثاني 2016).