سابين الكك لـ”محكمة”: مخالفات خطيرة في اقتراح قانون “كابيتال كونترول” فتجنّبوها/علي الموسوي
حاورها علي الموسوي:
يناقش مجلس النوّاب اللبناني يوم الخميس الواقع فيه 27 أيّار 2020، إقتراح القانون المعجّل المكرّر بوضع ضوابط على التحاويل المصرفيّة بصورة استثنائيّة ومؤقّتة، أو ما بات يعرف بـ”كابيتال كونترول”، والمقدّم من النوّاب ياسين جابر، آلان عون وسيمون أبي رميا.
ولا شكّ أنّ مسودّة الإقتراح كما سرّبت إلى الإعلام تحمل في طيّاتها الكثير من المخالفات الدستورية والقانونية، بدءاً من نطاق تطبيقها وصولاً إلى آليات المراجعة كما وردت في متنه.
“محكمة” أجرت قراءة أوّلية لهذا الإقتراح مع رئيسة قسم القانون الخاص في كلّية الحقوق في الجامعة اللبنانية الدكتور سابين الكك في سبيل إضاءة الطريق أمام النوّاب والرأي العام للوقوف على ما ينتظرهم من هذا الإقتراح في حال إقراره خصوصاً وأنّه يحفل بشوائب وإشكاليات قانونية كثيرة وخطرة لا يمكن غضّ الطرف عنها لأنّها تمسّ أسس القطاع المصرفي والمودعين والإقتصاد اللبناني برمّته، ويأتي بعد سلسلة نكسات وخيبات أصابت اللبنانيين في صميم حياتهم ومعيشتهم وتوقّف أعمالهم وتدنّي القيمة الشرائية لعملتهم الوطنية ورواتبهم وازدهار البطالة.
ولا شكّ أنّ الدكتورة سابين الكك هي الأكثر قدرة على تقديم صورة قانونية سليمة عن مضمون اقتراح قانون “كابيتال كونترول” بحكم اختصاصها ومتابعتها اليومية لوضع القطاع المصرفي في لبنان من خلال كتاباتها ومقالاتها التي باتت مرجعاً في هذا المجال لكلّ مواطن ومسؤول غيور على لبنان.
وهنا مضمون اللقاء مع الدكتورة الكك:
مخالفة النظام العام
• هل يتوافق هذا الإقتراح مع النظام الإقتصادي اللبناني؟
بادئ ذي بدء، هذا الاقتراح يتناقض مع مقدّمة الدستور اللبناني التي تعتبر تجسيداً لنظام الدولة، القائمة في أساسها على مبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان كما وردت في المواثيق والاتفاقيات الدولية، وتؤكّد الفقرة “ب” حرص لبنان على التمسك بدوره التاريخي كمؤسّس في منظّمة الأمم المتحدة. وتشتمل ديباجة الدستور على التقيّد بكافة الحقوق الإنسانية الجماعية منها والفردية، إذ تتبنّى الفقرة “ج” المساواة في الحقوق والواجبات بين المواطنين دون تمايز أو تفاضل إنسجاماً مع مبدأ العدالة الإجتماعية، كما تنصّ الفقرة “ز” وتشدّد الفقرة “و” على إرساء قواعد النظام الاقتصادي الحرّ وإعلاء حقّ الملكية الخاصة الفردية فوق كلّ اعتبار. وينبغي على السلطات أن “تجسّد هذه المبادئ في جميع الحقول والمجالات دون استثناء” وذلك من خلال مجموعة القوانين والتشريعات التي تنتظم تحت سقفها لتشكّل ما يسمّى بـالنظام العام.
وإن كانت التسمية تشير إلى أنّه قانون استثنائي ومؤقّت إلاّ أنّ هذا لا يعني تجاوز خصائص القاعدة القانونية كونها قاعدة إجتماعية، عامة ومجرّدة، ملزمة وثابتة ومستقرّة. فالقاعدة هي تنظيم سلوكي واجتماعي عام ومجرّد، وهذا الإقتراح المعجّل المكرّر يكرّس ظاهرة خطيرة لمخالفته النظام العام من جهة ولتجاوز خصائص القواعد القانونية من جهة أخرى، حيث تبدو أحكامه مفصّلة على قياس فئة خاصة من المودعين، وتتوجّه البنود المقترحة إلى تغطية حالات محدّدة جدّاً.
كما أنّ هذه القيود تشكّل تعرّضاً وقحاً للحياة الفردية الخاصة للمودع بحيث إنّ أيّ تحويل للأموال بات منوطاً بتبريره وبالتفصيل أمام موظّفي المصرف بالوثائق والمستندات، ممّا يجعل المودع أمام خيار الإفصاح عن خصوصيات عائلية وشخصية أو أن يحرم من حقّ التحويل… في ما لو صادف وكان من فئة المودعين المميّزين.
وهنا أتوجّه بالسؤال إلى كلّ الأصوات التي علت في الفترة الأخيرة دفاعاً عن النظام الاقتصادي الحرّ، ألا يشكّل هذا القانون ضربة قوية ستصيب الحرّية والعدالة والنظام الاقتصادي اللبناني في عمقه لتردي به إلى المجهول؟
إستنسابية
• هل من ملاحظات أوّلية على مضمون هذا الإقتراح وآلية تنفيذه؟
هذا الاقتراح في حال أقرّ، لن يحول دون الاستنسابية المطبّقة، بل بالعكس تماماً هو يقونن هذه الاستنسابية. لأنّه مفصّل على القياس:
1- لناحية أنّه يشمل التحاويل الخارجية ولا يتطرّق إلى السحوبات النقدية الداخلية.
2- لأنّه ترك سلطة تقديرية واسعة للمصارف ولمصرف لبنان وللوزراء المعنيين في تطبيقه.
3- لأنّه في ظلّ السرّية المصرفية لا يمكن التحقّق من تطبيقه بعدالة ومساواة على من يشملهم، وهو أصلاً يفتقد إلى خصائص القاعدة القانونية كما أشرنا سابقاً.
ويمكن على سبيل المثال أن نتساءل: هل يمكن لصاحب الحساب أن يحوّل مبلغاً من المال لمنفعة شخص آخر من أفراد عائلته؟ أي هل يمكن للمودع أن يحوّل مبلغاً لمعالجة والدته مثلاً؟ وإذا تعرّض مواطن لبناني لطارئ صحّي وهو موجود في الخارج وتعذّر تقديم مستندات ووثائق وحالته ملحّة وحرجة، فمن يقرّر في هذا الأمر ولحساب من يتمّ التحويل؟
خلل فاضح
•هل يتناسب “كابيتال كونترول” مع وسائل الدفع المتعارف عليها، أم أنّه يتعارض معها؟
عدا المخالفات الدستورية وتكريس الإستنسابية، هذه البنود تعطّل القواعد القانونية المرعية الإجراء بشكل فاضح، إذ إنّها محصورة فقط بعملية مصرفية هي تحويل الأموال، وكأنّها توقف العمل ضمناً، بكافة وسائل الدفع المحدّدة في النظام الاقتصادي اللبناني، الشيك وبطاقات الائتمان والسحوبات النقدية المباشرة وحتّى مع اجتراح النوع الجديد من الحسابات المخصّصة للأموال الطازجة وبعض المصارف لم تتقيّد حتى الآن بها.
وعملياً، أصبح النظام النقدي اللبناني يعاني من خلل فاضح في تركيبته، “دولار قبل ١٧ تشرين vs دولار بعد ١٧ تشرين”، “الليرة اللبنانية vs ليرة التعميم ١٥٩” وكأنّنا نشهد عملية تقويض خبيثة ومنظّمة لأسس النظام القانوني.
إشكاليات كبيرة
• ما هي علاقة لجنة الرقابة على المصارف بهذا الإقتراح وكيف يمكن للمصارف تطبيقه في حال إقراره؟
نعم، يتضمّن الاقتراح وسيلة مراجعة، أعطيت فيها الصلاحية للجنة الرقابة على المصارف. بصورة عفوية ومباشرة من الطبيعي أن نستغرب الأمر، لأنّنا نعرف أنّه لم يعيّن أعضاء هذه اللجنة حتّى الآن. إذن هذه اللجنة لا وجود لها، وببلد الزبائنية الطائفية من يضمن أن ترى اللجنة النور قريباً؟
لجنة الرقابة على المصارف مهمّتها محدّدة حصراً بموجب القانون 67/28 وتحديداً بأحكام الباب الثالث من أحكام قانون النقد والتسليف. وهي أنشئت على أثر أزمة بنك “إنترا”، لمتابعة شؤون المصارف لناحية التزامهم بالقواعد التنظيمية ونسب الملاءة والاحتياطيات القانونية… أيّ وضع المصرف الائتماني بشكل عام. وليست لها صلاحية اتخاذ تدابير إلزامية مباشرة تجاه المصارف، بل هي ترتبط مباشرة بحاكم مصرف لبنان وتتابع من خلاله الخلل المطلوب تصحيحه. وهي تخضع لأحكام المادتين ١٤٨ و١٥٠ من قانون النقد والتسليف، وبالتالي ليس لها حقّ الإطلاع على أسماء زبائن الحسابات الدائنة.
وفعلاً نطرح من خلال هذا البند إشكاليات كبيرة:
1- إعطاء صلاحية قضائية إلى لجنة الرقابة على المصارف.
2- إمكانية استبعاد صلاحيات السلطة القضائية الدستورية.
3- الحفاظ على حقّ التقاضي والطعن بقراراتها.
4- القوّة التنفيذية للقرارات الصادرة عنها.
5- تحديد الأصول الموجزة وهي عديدة بالنظام اللبناني.
وفي النهاية، وعلى سبيل الجدل فقط، وبصرف النظر عن المخالفات القانونية التي أوردناها آنفا ً نسأل: ما هي آلية إلزام المصارف اللبنانية بتطبيق بنود هذا القانون بعد أن تعذّر إلزامها،اختيارياً وقضائياً، بكافة المبادئ الدستورية والقواعد القانونية المرعية الإجراء؟
طبعاً، تخبّط جديد يضاف إلى مقاربة السلطة السياسية للأزمة المالية، إذ بعد انقضاء أشهر من معاناة التجّار وغلاء الأسعار وارتفاع سعر الصرف هل باتت الأموال الإحتياطية الأجنبية متوافرة في مصرف لبنان؟
“محكمة” – الأربعاء في 2020/5/27