خاص”محكمة”:سلامة المستهلك بين التقنين والتطبيق/نسرين ناصر الدين
كتبت الدكتورة نسرين ناصر الدين:
إنّ ما نشهده اليوم من مساع حثيثة وحملات تهدف إلى حماية المستهلك ومساندته وتوعيته لتلافي ما قد يلحق به من أضرار نتيجة استهلاكه لبعض السلع التي لا تتوافر فيها المواصفات المعتمدة والمنصوص عنها في القوانين والأنظمة المرعية الإجراء، وما يترتّب على ذلك من مخاطر جمّة تهدّد سلامته وصحّته وأمنه الغذائي، ما هي إلاّ تجسيد للغاية التي صدر من أجلها قانون حماية المستهلك ألاّ وهي رفع وعي المستهلك وتعريفه بحقوقه ليتمسك بها ودفع جميع الأفعال غير المشروعة التي تهدّد سلامته.
ولعلّ أبرز النقاط التي تناولها قانون حماية المستهلك هي حقّ المستهلك في الحصول على منتجات سليمة وآمنة تتمتّع بالحدّ الأدنى من متطلّبات الجودة ومطابقة للمواصفات القياسية الخاصة بها والمنصوص عليها قانوناً، وذلك من خلال أحكام الفصل الثامن منه والمتعلّق بجودة السلعة والخدمة، إذ إنّ مطابقة السلعة للمواصفات المعتمدة يشكّل أهمّ وسيلة للمحافظة على سلامة المستهلك وتحقيقاً لمعايير السلامة التي ينبغي أن تتوافر في السلعة المقدّمة له.
فقد أوجب القانون على عاتق المحترف جملة من الإلتزامات وهي : أن يوفّر للمستهلك كلّ المعلومات الأساسية حول تقدير الأخطار المرتبطة باستعمال السلعة، والطريقة الفضلى لاستعمالها، والتأكد من معايير السلامة لدى استعمالها بالشكل الطبيعي والملائم، وضرورة قيامه بكافة الإجراءات اللازمة في حال ثبتت لديه معلومات عن وجود عيب في السلعة من شأنه أن يضرّ بسلامة المستهلك وصحّته كالتوقّف عن التدوال بها، وسحبها من السوق، أو استردادها أو إستبدالها على نفقته الخاصة، وضرورة إعلام جمهور المستهلكين وتحذيرهم من المخاطر الناتجة عنها، وإبلاغ مديرية حماية المستهلك بالأمر.
إلاّ أنّ الأمر لم يقف عند هذا الحدّ، بل ذهب المشرّع اللبناني إلى فرض عقوبات مشدّدة بحقّ المخالفين الذين يُعرّضون سلامة المستهلك للخطر، وتمثّلت هذه العقوبات بالحبس والغرامة التي قد يصل حدّها الأقصى لمدّة 15 سنة ومليار ليرة لبنانية، في حال نجم عن الفعل الذي قام به المحترف إنتشار مرض وبائي، أو تسبّب بوفاة إنسان، وذلك بموجب التعديل الحاصل لقانون حماية المستهلك في القرار رقم 265 تاريخ 15\ 4\2014.
وقد أعطى القانون لوزارة الإقتصاد والتجارة في حال ثبتت لديها معلومات علمية من جهة دولية أو محلّية معترف بمرجعيتها رسمياً حول خطر على الصحّة أو السلامة العامة قد ينتج عن استعمال سلعة، أو خدمة معيّنة، الحقّ بالقيام بكافة الإجراءات الآيلة للحفاظ على الصحّة والسلامة العامة، ومنها إصدار قرار بمنع استيراد أو تصدير السلعة في الحالات الطارئة.أمّا في الحالات العادية، فيجب أن تحصل على موافقة مسبقة من مجلس الوزراء.
وبالرغم من أهمية ما جاء به هذا القانون من تحديده للأسس السليمة المتعلّقة بسلامة المستهلك وفرضه عقوبات مشدّدة على من يخالف أحكامه ويعرّض سلامة المستهلك للخطر، إلاّ أنّ ذلك يبقى رهن توفر الأجهزة الرقابية التي تتمتّع بضمانات كافية، تمكّنها من أداء عملها بجدّية وبمنأى عن كلّ الضغوطات التي قد تؤثّر في قرارتها. لذا نجد أنّه من غير المبرّر مع وجود الوزارات المختصة ومديرية حماية المستهلك إعطاء الصلاحية لمجلس الوزراء لأخذ موافقته المسبقة قبل اتخاد القرار القاضي بمنع استيراد أو تصدير السلعة المخالفة للمواصفات، والتي تشكّل خطراً على سلامة المستهلك، فإنّ مجلس الوزارء وكما بات واضحاً بعد اتفاق الطائف، أصبح ميداناً للتجاذبات السياسية بين أعضائه، الأمر الذي يعيق تنفيذ هذا القرار في الظروف العادية على اعتبار أنّ هذه العملية هي عملية تقنية تعود لأصحاب الإختصاص وليس لأصحاب الخلفيات السياسية ، وهذا ما يحصل فعلاً من خلال الحكومات المتعاقبة التي بدلاً من أن تسعى لحماية وتيسير أمور المواطنيين، تقف حائلاً أمام ما يحقّق مصالحهم.
لا يمكننا أن ننكر جدوى هذا القانون في تناوله للأحكام المتعلّقة بسلامة المستهلك وتشكيله وسيلة رادعة لحماية المستهلك، عبر تناوله لكلّ قضايا السلع والخدمات، وتأمينه لحقوق المستهلكين، وفرضه العقوبات المشدّدة، إلاّ أنّه يفتقر إلى تحديد الأطر والأنظمة الخاصة بسلامة الغذاء التي هي الشغل الشاغل في وقتنا الحاضر، ولا سبيل لها إلاّ من خلال تطبيق القانون المتعلّق بسلامة الغذاء، باعتباره قانوناً مكمّلاً لما جاء به قانون حماية المستهلك من خلال وضعه للأنظمة الخاصة بسلامة الغذاء من المنتج إلى المستهلك، وشموله لكلّ تفصيل يتعلّق بالأمن الغدائي.
وأخيراً، إنّ مخالفة المواصفات المعتمدة قانوناً يهدّد سلامة المستهلك التي هي فوق كلّ اعتبار، لذا فإنّ توافر هذه المواصفات أصبح حاجة وطنية واقتصادية، يتمّ من خلالها حماية المستهلك والمحترف ورفع مستوى الإنتاج الوطني للحدّ من عمليات الغشّ والتدليس. والسبيل الوحيد لضمان سلامة المستهلك يكمن في توعيتة وتثقيفه بالدرجة الأولى ليصبح بمأمن من كلّ الإنتهاكات التي يتعرّض لها بشكل يومي وفي تفعيل أحكام قانون حماية المستهلك، وقانون سلامة الغذاء وتفعيل دور المؤسّسات الرقابية، وبالأخصّ منها غير الحكومية.
(نشر في مجلّة “محكمة” – العدد 9 – تموز 2016).