سنة دراسيّة جديدة في مهـبّ الإنهيار على حساب مـَنْ؟/ملاك حمية
المحامية ملاك حمية:
سنة دراسيّة جديدة قد بدأت، وأهالي التلامذة في المدارس الخاصة، كأيّ لبناني، قد أثقلت كاهلهم الأزمة الإقتصادية في لبنان التي طالت أعمالهم وموارد رزقهم، وأصبح مدخولهم بالكاد يكفي تأمين متطلّبات العيش بحدّها الأدنى. هذا عدا عن الإرتفاع الجنوني لأسعار الكتب والقرطاسية واللباس المدرسي، كما لمادة البنزين وصعوبة الإستحصال عليها لنقل أولادهم إلى المدرسة.
ورُغـم كلّ ذلك، يبقى همّهم الوحيد تأمين حقّ التعليم لأولادهم، ولو على حساب لقمة عيشهم، فهل سيتمكّنون من ذلك؟
في شهر آب الفائت، أعلن وزير التربية أنّ العام الدراسي الجديد سيكون حضوريًا، حينها بدأت المدارس الخاصة بتحديد الأقساط وفرض الزيادات العشوائيّة المُسبقـة عليها، ومنها من طالب الأهالي بدفع جزء منها بالدولار الطازج، والبعض الآخر طالب بدفع هذا الجزء كمُساهمة تبقى خارج المُوازنة أو القسط المدرسي!. هذا عدا عن قيام بعض المدارس بإلزام الأهالي بشراء الزيّ المدرسي والكتب والقرطاسية منها، وإلزامهم بدفع بدل النقل المدرسي الذي حدّدته بقيمة خيالية تفوق قيمة القسط السنوي! فما مدى قانونيّة هذه المُطالبات؟
لا بدّ من الإشارة بدايةً، إلى أنّ للأهالي الحقّ في معرفة قيمة القسط المدرسي قبل تسجيل أولادهم في المدرسة، وليس بعد ذلك، أو بعد أربعة أشهر من دخول أبنائهم إلى المدارس وانتهاء فصل دراسي كامل قبل معرفتهم بقيمته النهائية كما يحصل كلّ سنة تطبيقًا لأحكام القانون 96/515! إذ إنّ القسط المدرسي وفق الفقرة (ب) من المادة الأولى من القانون المذكور، يُحدّد بموجب المُوازنة المدرسيّة (المُؤلّفة من بابيْن متوازنيْن أحدهما للنفقات والثاني للإيرادات)، وذلك بقسمة إجمالي باب نفقات المدرسة على مُجمل عدد التلامذة الخاضعين لدفع القسط، وبالتالي، فإنّ هذا القسط مع ما قد يتضمّنه من زيادات تلحق به، لا يُمكن أن يتحدّد بشكل نهائي وفق القانون 96/515، إلّا بعد تنظيم وإقرار الموازنة المدرسيّة وموافقة لجنة الأهل عليها وتقديمها لوزارة التربية، التي حدّد المُشرّع مهلة لا تتعدّى آخـر شهر كانون الثاني من كلّ سنة دراسيّة للقيام بها، وقبل ذلك لـن يتمكّـن الأهالي من معرفة قيمة القسط الجديد والزيادات اللاحقة به!
وممّا لا شكّ فيه، أنّ هنالك خللًا كبيرًا في القانون 96/515، لجهة تاريخ تنظيم وإقرار الموازنة المدرسيّة التي بموجبها يتحدّد القسط وفق ما ذكرنا أعلاه، وهذا ما يوجب إجراء تعديل في القانون 96/515 لهذه الجهة، والعودة لما كان ينصّ عليه القانون 81/11 في مادته الرابعة التي كانت تنصّ على وجوب تنظيم وإقرار موازنة السنة المدرسيّة اللاحقـة خلال شهر أيّار من العام الدراسي الجاري، على أن تبقى الأصول المُتعلّقة بالرقابة على هذه المُوازنة والتدقيق بها والموافقة عليها وإقرارها أو الطعن بها من قبل لجنة الأهل ، كما هي عليه في القانون 96/515.
وبالعودة للقانون المعمول به حاليًا رقم 96/515، فالمدرسة الخاصة مُلزمة باستيفاء الدفعة الأولى من القسط بنسبة 30% من القسط السنوي للسنة الدراسية السابقة محسومًا منه رسم التسجيل (المادة 5)، ولا قيمة قانونيّـة لأيّ تحديد للأقساط الجديدة أو للزيادات اللاحقة بها، قبـل تنظيـم وإقرار المُوازنـة المدرسيّة من قبل الهيئة المالية المُؤلّفة من أربعة أشخاص، مندوبيْن إثنيْن عن إدارة المدرسة وآخريْن من بين أعضاء لجنة الأهل لا تُعتبر جلسات الهيئة المذكورة قانونيّة إلّا بحضورهما معًا (المادة 13 من المرسوم 81/4564) ومن ثمّ موافقة وتوقيع لجنة الأهل عليها قبل تقديمها لوزارة التربية (المادة 3 من القانون 96/515)، وإلّا تبقى في عداد الموازنات غير القانونية وغير الصحيحة لحين إعادة التدقيق ببنودها بناء لمراجعات تتقدّم بها لجان الأهل أمام مصلحة التعليم الخاص في وزارة التربية، وأمام المجالس التحكيميّة التربويّة المُختصّة (غير المُستكمل تشكيلها لغاية تاريخه).
وهذه الأقساط يجب أن تُحدّد بالليرة اللبنانيّة حصـرًا، وليس بأيّ عُملة أخرى، وبالتالي لا قانونيّـة لأيّ مُطالبة بدفع القسط المدرسي أو أيّ جزء منه بالعملة الأجنبية سواء طازجة أو بموجب شيك، ولا لأيّ مُطالبة بدفع أيّ مبلغ ” كمُساهمة لا تدخل ضمن القسط “، أيّ تبقى خارج المُوازنة.
فمن جهة أولـى،لا يجوز قانونًا إلزام الأهالي بدفع أيّ جزء من القسط بعُملة أجنبية ما، لأنّ ذلك يُخالف أحكام المواد /301/ موجبات وعقود التي تنصّ على أنّه: “عندما يكون الدين مبلغًا من النقود، يجب إيفاؤه من عملة البلاد” ، و/1/ و/7/ و/192/ من قانون النقد والتسليف، التي تُعطي”للأوراق النقدية اللبنانية قوّة إبرائية غير محدودة في أراضي الجمهورية اللبنانية، وتعاقب كلّ من يمتنع عن قبول العملة اللبنانية بالمادة 319 من قانون العقوبات.
ومن ناحية ثانية،لأنّ القسط يُحدّد إستنادًا للموازنة المدرسيّة التي أعدّت وزارة التربية نموذجها بالليرة اللبنانية، وأرفقتها بالقانون 96/515 لتكون جزءًا لا يتجزأ منه.
ومن ناحية أخيرة، لكون وزير التربية قد أصدر بتاريخ 2020/7/1 تعميمًا حمل الرقم 23/م/2020، حظّر على المدارس الخاصة تحديد القسط المدرسي بغير الليرة اللبنانيّة.
ومـن جهة ثانية ، لا يجوز قانونًا أيضًا الطلب من الأهالي دفع أيّ مبلغ سواء بالليرة اللبنانية أو بالدولار الأميركي أو بأيّ عملة أخرى مهما كان شكل دفعها، خارج إطار القسط وتبقى خارج المُوازنة، ولو تحت عنوان “مساهمة”، لأنّ ذلك يُناقض مبدأ الشفافيّة والأسباب الموجبة لوضع القانون 96/515 ألا وهي: “تطبيق وتأمين الشفافية في إدارة حسابات المدرسة، والإبقاء على الرقابة الماليّة على قيودها كافة”. ولأنّ أيّ مبلغ تحصل عليه المدرسة تحت أيّ سبب كان ومن أيّ جهة كانت يجب أن يدخل حكمًا في باب إيراداتها، كونها مُؤسّسات غير ربحيّة، وذلك عملًا باستشارة هيئة التشريع والإستشارات رقم 75 تاريخ 2015/1/27 التي أكّدت على وجوب تسجيل أيّة إيرادات تحصل عليها المدرسة خارج الأقساط، سواء من تبرّعات أو هبات أو غيرها، في سجّلاتها ودفاترها، أيّ يجب تسجيلها ضمن باب الإيردات من الموازنة لتخضع للتدقيق في مصيرها ووجهة وكيفيّة صرفها، وبمُطلق الأحوال لتُحسم قيمتها من إجماليّ باب النفقات قبل قسمته على عدد التلامذة ، ما يُساهم في انخفاض قيمة القسط المدرسي.
تجدر الإشارة إلى أنّ القانون 96/515 قد حدّد وخصّص نسبة 65% على الأقلّ من باب نفقات الموازنة المدرسيّة، لرواتب وأجور أفراد الهيئة التعليميّة ومُلحقاتها التي لن يلحقها أيّ تعديل يُذكر عمّا كانت عليه في موازنة السنة السابقة، لأنّ ذلك يتطلّب إصدار قانون بتصحيح رواتب أفراد الهيئة التعليمية في المدارس الرسميّة، وفق ما تنصّ عليه أحكام قانون تنظيم الهيئة التعليمية في المدارس الخاصة تاريخ 1965/6/15 (المادة 20)، وعملًا بمبدأ وحدة التشريع بين القطاعيْن المذكوريْن. فيما حدّد نسبة الـ 35% المُتبقّية للنفقات التشغيلية للمدرسة التي ستتأثّر حتمًا بالإرتفاع الحاصل في أسعار المواد التشغيلية.
وبالتالي، ومن حيث المبدأ، فإنّ نسبة 65% من القسط المدرسي من المُفترض أن لا تطالها أيّة زيادات، فيما هذه الأخيرة ستنحصر في البند المتعلّق بنفقات المدرسة التشغيلية البالغ 35% ، ولذلك سمعنا مُؤخّرًا أصحاب المدارس الخاصة يُطالبون بتعديل القانون رقم 96/515 لجهة توزيع هذه النسب المذكورة أعلاه.
ولجهة مدى قانونيّة إلزام بعض المدارس الخاصة الأهالي بدفع بدل النقل المدرسي الذي فاق لدى بعضها قيمة القسط السنوي، ومدى قانونية إلزامهم بشراء الزيّ المدرسي أو الكتب الجديدة أو القرطاسية منها، فنشير إلى أنّ المادة 7 من القانون 96/515 لا تُلزم التلامذة باستخدام وسائل النقل الخاصة بالمدرسة، كما أنّ المادة 8 من نفس القانون تُعطي المدرسة حقّ تحديد لوائح الكتب ومواصفات اللوازم المدرسية دون جواز إلزام التلميذ بشراء هذه الكتب واللوازم منها أو من أيّ مرجع آخر، وتُحظّر عليها منع التلميذ من استعمال كتب مدرسية مستعملة ما زالت صالحة للإستعمال، أو إلزامه بتناول وجبات طعام في المدرسة.
يبقى الحديث عن كيفية إنقاذ هذه السنة الدراسيّة من عاصفة الإنهيار الإقتصادي، في ظلّ عجز معظم الأهالي عن تحمّل أيّة زيادات على الأقساط تتحمّل الدولة مسؤوليّة أسبابها، وفي ظلّ غياب هذه الأخيرة عن ممارسة دورها في تأمين حقّ التعليم لجميع الأطفال والأولاد على حدّ سواء دون تفرقة بين غني وفقير، أو تعليم رسميّ وآخر خاص، وفي ظلّ غيابها عن ممارسة دورها الرقابي على المدارس الخاصة ، وفي ظلّ تغييب المرجع القضائي المختصّ للبتّ بالنزاعات المُتعلّقة بتحديد الأقساط والزيادات اللاحقة به، نتيجة تعمّد المسؤولين عدم إصدار المراسيم التطبيقية للقانون 96/515 (أيّ استكمال تشكيل المجالس التحكيميّة التربويّة).
ففي ظلّ كلّ ذلك، لا بُـدّ من تكاتف جميع أفراد الأسرة التربويّة (المدرسة، الأساتذة والأهالي) والتحلّي بروح المسؤولية والتعاون والتضحية، كلّ بقدر ما يستطيع، لا أن يكون الأهالي” كبش المحرقة” كما يحصل دائمًا، فالزيادة ربّما أمر واقع، والأهالي سيضطرّون لدفعها، إلّا أنّ نسبتها يجب أن تكون مُبرّرة، معقولة وتراعي الحالة المادية للأهالي التي تأثّرت بشكل كبير بالأزمة الإقتصادية، خاصة أنّ التعليم رسالة، والمدارس الخاصة تدخل ضمن فئة المؤسّسات غير الرّبحيّة، والأساتذة بحكم القانون يعلّمون أولادهم في المدرسة مجّانًا، وفي نفس الوقت يتقاضون رواتبهم، ولو بقيت كما هي.
فيما الأهالي بقيت رواتبهم أيضًا كما هي، والكثير منهم قد فقد عمله، وعليهم تسديد أقساط تعليم أولادهم كاملة مع الزيادات، لذلك، فإنّ الدور الأساسي والأهمّ في إنقاذ هذا العام الدراسي يقع على عاتق إدارة المدرسة، عبر اعتماد موازنة تقشّفية إستثنائيًا لحين تخطّي هذه الأزمة، تتوقّف خلالها عن استيفاء بعض المبالغ المذكورة في بند النفقات التشغيلية من الموازنة غير الضرورية لتسيير نشاطها التعليمي، كعدم إستيفاء أيّ مبلغ عن بند التجديد والتطوير أو تعويض صاحب الرخصة أو الإستهلاكات وغيرها من النفقات غير الضرورية، إضافة إلى إمكانية إضافة بعض المبالغ على بند المكافآت لمُساندة الأساتذة.
كما ضرورة إعتمادها مبدأ الشفافية في تنظيم حساباتها وتمكين لجان الأهل من الإطلاع على قيودها المالية كافة (نفقات وإيرادات عملًا بأحكام المادة 19 من المرسوم 81/4564) لتأمين التعاون والسهولة في إقرار الموازنات المدرسية دون أيّة عوائق قد تتسبّب بها جرّاء امتناعها عن ذلك، الأمر الذي سينعكس إيجابًا على سير العام الدراسي بصورة هادئة وعادلة للجميع، ويضمن عدم إرهاق الأهالي بزيادات غير نافعة وغير ضرورية، كما يضمن حقوق الأساتذة، إضافة لضمان إستمراريّة المدرسة وبقاء أكبر عدد من التلامذة فيها.
“محكمة” – الثلاثاء في 2021/9/14