سيلفانا اللقيس تستقيل من هيئة الاشراف على الانتخابات النيابية لئلا تكون شاهد زور على عجز الهيئة
أعلنت العضو في هيئة الاشراف على الانتخابات النيابية سيلفانا اللقيس استقالتها من الهيئة احتراماً لقسمها ولئلا تكون شاهد زور على عجز الهيئة عن أداء مهامها بحسب تعبيرها في المؤتمر الصحفي الذي عقدته في مقرّ “المفكّرة القانونية” في بدارو في بيروت.
وتنشر“محكمة” النصّ الحرفي لكلمة اللقيس كونها تمثّل الهيئات المدنية ولما حملته من معان ومؤشّرات عن دور الهيئة المذكورة في الاشراف على الانتخابات النيابية المقرّرة في 6 أيار 2018.
“بعد تعييني في هيئة الإشراف على الإنتخابات، أدّيت قسما بأن أقوم بمهامي في الهيئة ب “أمانة وتجرد وإخلاص واستقلال وأحرص على التقيد تقيدا مطلقا بالقوانين والأنظمة ولا سيما تلك التي ترعى الانتخابات، تأمينا لحريتها ونزاهتها وشفافيتها”،
وعليه، وفق نصّ هذا القسم، الهدف واضح وهو تأمين حرية الانتخابات ونزاهتها وشفافيتها، بقدر ما هو واضح أن علي السعي مع أعضاء هذه الهيئة إلى هذا الهدف بصورة مستقلة،
ومنذ أدائي هذا القسم، كنت أشعر بمسؤولية مضاعفة بوجوب احترامه، على اعتبار أني الممثلة الوحيدة لهيئات المجتمع المدني، التي يٌفترض أن تكون بطبيعتها منزّهة عن أي غايات خاصة والأكثر حرصا على الصالح العام والأكثر جهوزية للتنديد بالممارسات الخاطئة بهدف تصويبها.
وعليه، وانطلاقا من ذلك، وبعد أشهر عدة من الممارسة تبينت خلالها استحالة قيامي بمهامي وفق مقتضيات هذا القسم، رأيت من واجبي، وبعد التشاور مع عدد من هذه الهيئات، أن أقدم استقالتي، فلا أكون بما أمثله من هيئات مدنية، شاهد زور على عجز هيئة الإشراف على الانتخابات عن أداء مهامها.
فأنا دخلت الهيئة آملة أننا سنكون قادرين على تعزيز نزاهة الانتخابات وحياديّتها، وأن النصوص الواردة في قانون الانتخابات كلها ستفسر وتطبق على ضوء ما تفرضه الغاية من وجود الهيئة، أما وأن الممارسات المعتمدة سارت في اتجاه مختلف، فقد بات واجبا عليّ أن أنسحب وأن أخرج عن الصمت المفروض علينا كأعضاء في الهيئة لأعبر عن استهجاني مما آلت إليه الأمور، آملة أن يشكل هذا الانسحاب والاستهجان مدعاة لتصويب الأمور في اتجاه تعزيز استقلالية هيئة الإشراف على الانتخابات وإمكاناتها لجعلها قادرة على أداء دورها بشكل سليم، بما يعزز في نهاية المطاف نزاهة الانتخابات وحياديتها.
وانطلاقا مما تقدم، أتيت أعلن أمام الرأي العام أسباب استقالتي التي أمكن اختزالها تحت ثلاثة عناوين، كلها تتصل بالانتقاص من استقلالية الهيئة وصلاحياتها. هذه العناوين الثلاثة هي الآتية:
1- عدم توفير الموارد الضرورية لتمكين الهيئة من القيام بمهامها،
2- المس المباشر باستقلالية الهيئة وصلاحياتها بداعي التنسيق مع وزارة الداخلية،
3- تقليص صلاحيات الهيئة عملا بقراءة ضيقة وملتوية للنص القانوني، على نحو يخرجها عن الغاية التي انوجدت لأجلها، ويحولها في أحيان كثيرة ولو خلافا لإرادة أعضائها إلى أداة لتعميق التمييز بين المرشحين بدلا من أن تكون أداة لإلغائه أو التخفيف منه.
وإليكم التفاصيل:
عدم توفير الموارد الضرورية لتمكين الهيئة من القيام بمهامها
خلال الأشهر الماضية، كنا كأعضاء للهيئة نعاين بكثير من الاستغراب التباطؤ في تأمين الموارد البشرية والمالية للهيئة للقيام بأعمالها بشكل سليم. فطوال الأشهر الماضية، واجهت الهيئة معوقات أساسية لا أريد أن أنسبها إلا إلى تعاطي الدولة الذي صار إعتباطياً وإرتجالياً مع المؤسسات التي تؤلفها: من التأخير في إقرار الموازنة وفي تنفيذها، إلى التأخير في توفير المكان وفي تجهيزه، إلى التأخير في توظيف العاملين في عملية المراقبة الموكلة للهيئة إن في الإعلام أو الإنفاق، بقيت حياة الهيئة وما زالت كأنها سباق وراء التأخير والإرتجال.
وسأكتفي هنا بذكر بعض الوقائع ذات الدلالة، على سبيل المثال وليس الحصر: برامج قاعدة البيانات لتقديم الشكاوى هي قيد الإنجاز لغاية اللحظة، الجهاز التنفييذي الذي عليه أن يدقق ميدانيا لمراقبة الإنفاق والدعاية هو قيد الإنجاز حتى اللحظة. وقد أدى ذلك إلى وقوع مجازر كبيرة في الإعلام والإعلان والإنفاق (90% من فترة الحملة الانتخابية) فيما أن الهيئة ما زالت نتجهز. وكأنما نسيت الدولة أن علينا مراقبة الحملة وليس الإنتخابات. وعليه، حين تكون الهيئة حصلت على بعض أجهزتها الضرورية، يكون “اللي ضرب ضرب واللي هرب هرب” وفق المثل الشعبي.
ويهمني في هذا الإطار التأكيد بأن المسؤولية لا تقع على وزارة الداخلية وحدها: فكثير من الجهات المعنية الأخرى لم تتجاوب مع مراسلات الهيئة إليها لتأمين المطلوب، سواء اتصل الأمر بالإعتمادات المالية المطلوبة أو ترشيح موظفين من الفئة الرابعة من ملاك الدولة.
هذا الإنتظار المعلق والمفتوح –عدة أسابيع أحياناً – للحصول على موعد او حتى جواب – كل ذلك وتراكمه جعل الهيئة هشة وغير قادرة على التعامل السريع والفعال مع شكاوى المواطنين إلا بمستوى محدود جدا، خاصة لناحية عدم إمكانية إجراء التحقيقات والميدانية، وغير قادرة لمراقبة لا الإعلام ولا الإعلان ولا الإنفاق.
ومن شأن هذه التصرفات التي شاركت فيها كذا إدارة أن تؤشر إلى أمر من أمرين: إما وجود نية بوضع عراقيل أمام الهيئة للقيام بعملها وإما بأقل تقدير، عدم أخذ مهامها على محمل الجدّ واعتبارها مجرد ديكور للإيحاء بتوفر ضمانات في نزاهة الانتخابات وحياديتها. وكلا الأمرين يستوجبان الاستهجان.
المس المباشر باستقلالية الهيئة وبصلاحياتها: التنسيق أولا
ذكرت المادة 9 من قانون الانتخاب أن الهيئة تمارس صلاحياتها بصورة مستقلة وبالتنسيق مع وزير الداخلية. وفق فهمي لواجب التنسيق، فإنه يعني التعاون لتسهيل عمل الهيئة وتوسيع مجالات تدخلها من دون أن يعني بحال من الأحوال الانتقاص من استقلاليتها التي أقسمنا على العمل وفقها. في الممارسة، أخذت الأمور منحى مختلفا، بحيث بات إقرار أي مسألة يستوجب مسبقا ذهابا وإيابا من وإلى وزير الداخلية الذي هو مرشح، خلافا لنص القانون وروحيته. وعليه، وتماما كما تتجه ممارسات السلطات العامة عموما إلى حجب مبدأ فصل السلطات بمبدأ التعاون فيما بينها، اتجهت الممارسات المعتمدة في الهيئة إلى حجب الاستقلالية بالتنسيق.
يضاف إلى ذلك توجه وزارة الداخلية إلى وضع اليد على بعض صلاحيات الهيئة الأساسية ومنها مثلا صلاحية الهيئة في تثقيف الناخبين. فأنا اعتقدت أنه بعد 100 سنة من النظام الأكثري ومن تجيير طباعة الأوراق الرسمية للماكينات الإنتخابية، كان الوقت قد حان لكي تستعيد دولتنا مسؤولياتها إزاء مواطنيها والناخبين. اعتقدت أن على الدولة أن تشرح للناخبين القانون، وألا تتركهم لقمة سائغة لتفسير مصلحي من طرف ما. واقترحت أن ننكب على هذه المعضلة. وبعد تشكيك بأن يكون هذا الأمر من صلاحيات الهيئة (وهو أمر في غير محله لوجود نص صريح يعطي الهيئة هذه الصلاحية)، أتى الجواب أن وزارة الداخلية كانت هيأت نفسها لهذا الدور وحصلت على تمويل لذلك. وبالفعل صدرت عنها في كل أنحاء البلد حملة تتغنى بعدد المرشحات، وتحذر الناخبين من “البوظة المشكلة”، من دون أي تثقيف حقيقي لكيفية ممارسة العملية الانتخابية. وبقي المرشحون واللوائح يشرحون – بشكل مؤذ للقانون في غالب الأحيان- كيفية إستعمال “الصوت التفضيلي” لمناصريهم. وفي النهاية، لم تشرح الدولة لمواطنيها ماهية هذا النظام النسبي التفضيلي المعقد الذي سنمارسه بعد أسبوعين.
تقليص صلاحيات الهيئة:
فيما عددت المادة 19 مهام الهيئة ضمن 12 بندا، فان الاتجاه ذهب إلى التعامل مع هذه الصلاحيات على أنها وردت حصرا ولا تقبل أي توسع لتشكل أي عمل لم يرد ذكره صراحة. كما تم فهم هذه الصلاحيات بشكل ضيق يحرم الهيئة من امكانية ممارسة مهامها وفق قسم أعضائها بتعزيز نزاهة الانتخابات وحريتها وشفافيتها ووفق المادة 19 التي تضع على عاتقها “تعزيز الممارسة الديمقراطية بالوسائل المتاحة كافة”.
وقد عكس تقليص الصلاحيات على هذا الوجه إرادة في تجريد الهيئة من امكانية معالجة مخالفات جسيمة معزوة للوائح تمثل قوى نافذة في الدولة. ومن أهم الأمثلة على ذلك، القول بأنه ليس للهيئة القيام بأي إجراء (تأنيب أو إنذار مثلا) عند حصول مخالفات من الوزراء بما فيهم الوزراء المرشحين، بالنظر إلى حصاناتهم. بمعنى أن لهم أن يترشحوا كأي مرشح عادي، ونحن – هيئة الإشراف على الإنتخابات – ليس لدينا الحق أن نطالبهم كأي مرشح عادي. ومؤدى ذلك أنه ليس للهيئة أي امكانية للحؤول دون استخدام المسؤولين للسلطة ولموارد الدولة في إطار حملاتهم الإنتخابية، مع ما يستتبع ذلك من امتياز انتخابي لمن يسيئ استعمال المنصب العام والمال العام ومن تمييز ضد من لا منصب له، أو ضد من يمتنع عن استخدام المال العام لمصلحة شخصية.
وبكلام آخر، تكون الهيئة خرجت تماما عن الغاية التي انوجدت لأجلها: فبدل أن تعمل على ضمان العدالة والمساواة بين المرشحين، إذا بصلاحياتها تنحصر في مراقبة اللوائح الصغيرة والمرشحين الصغار، على نحو يؤدي إلى نتيجة معاكسة تماما، أي إلى تعميق التمييز بين المرشحين وتاليا إلى توسيع بقعة الفساد في العملية الانتخابية. بمعنى، تصبح الهيئة وكأنها انوجدت لضبط الضعيف وحده… فأين المصلحة في ذلك؟
مثال آخر فاقع، هو اعتبار الهيئة غير معنية بتصحيح أوجه الخلل التي تمس شرائح واسعة من الناخبين وفي طليعتهم الأشخاص من ذوي الإعاقة، بحجة أن لا نص صريح على ذلك وأن القانون أوكل المهمة لوزير الداخلية. فكأنما تمكين شريحة كبيرة من المواطنين من ممارسة حقهم الانتخابي مسألة نافلة لا تدخل ضمن مهام الهيئة بتعزيز الممارسة الديمقراطية في الانتخابات أو ضمان انتخابات حرة وشفافة وعادلة كما نص عليه القسم الذي أديناه.وأصارحكم بأن هاجسا كان يراودني طوال الأسابيع الماضية بأني دعيت للهيئة لا لما أمثله بل لكي يستعمل تعييني كذريعة لحجب حقوق الأشخاص المعوقين: “حطينا سيلفانا بالهيئة، وبدكم حقوقكم كمان؟!” وليقولوا للمجتمع: “لو لم نرد أن ينتخب المعوقين، لماذا إخترنا سيلفانا للهيئة؟!” وأنا أرفض طبعا أن تكون مشاركتي في الهيئة بديلاً عن مشاركة المعوقين في الإنتخابات.
أعزائي،
حاولت التعامل مع كل هذه المعطيات بصبر وبتروّ، وحاولت جاهدة تخطي التحديات وإيجاد الحلول الممكنة. لكن مع بدء ومن ثم مع إكتمال عمليات الترشح، ثم مع بدء الحملات الإنتخابية وإشتدادها، ومنها حملات من هم في مراكز عامة، وأخيراً مع بدء توارد الشكاوى إلى مكتب الهيئة،
اتخذت قراري بضرورة الإنسحاب والإستقالة من الهيئة.
أولاً وأخيراً لأني في ظل كل ما ذُكر، وجدت نفسي غير مفيدة في المكان، وغير منتجة، ولم أرتضِ لنفسي أن أكون جزءا من ديكور يراد منه الإيحاء بأن الأمور منتظمة وأن السلطات العامة وضعت إطارا ضامنا لعدالة الانتخابات ونزاهتها. فالأمور للأسف ما تزال بعيدة كل البعد عن الغاية المعلنة هذه، وأتمنى أن تسهم استقالتي في لفت أنظار الرأي العام والسلطات العامة على ضرورة تصويب الممارسات والمسار ضمن ما بقي من الحملة الانتخابية أو على الأقل في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة،
وأخيرا، أود أن أشكر هيئات المجتمع المدني التي أولتني ثقتها وفي الآن نفسه رئيس الهيئة وأعضائها الذين حاولوا ويحاولون بالإمكانات المتاحة وفي ظل الظروف الضاغطة وغير السليمة العمل بمسؤولية لتسيير أمورها. تشرفت بالتعامل معهم وأتمنى لهم كل الخير والتوفيق.
“محكمة” – الجمعة في 2018/4/20