سيّد عبد الغني: لثورة ثقافية تستدعي مفاهيمنا القانونية بديلاً عن مصطلحات المستعمرين
حاوره علي الموسوي:
عقد المكتب الدائم لاتحاد المحامين العرب إجتماعاً في العاصمة السورية دمشق بغياب عدد من نقابات المحامين في غير دولة عربية قاطعت لأسباب محض سياسية، بينها نقابتا المحامين في بيروت وطرابلس، وإنْ شارك محامون لبنانيون من هاتين النقابتين بشكل شخصي.
ويرى الأمين العام المساعد لاتحاد المحامين العرب المحامي سيّد عبد الغني في حديث مع “محكمة” إنّ الغياب “لموقف سياسي لا يجوز في هذه اللحظات التي يمرّ فيها المشروع العربي بحصار لم يسبق له مثيل من مشروع الشرق الأوسط الكبير الأميركي الصهيوني الذي يسعى للهيمنة على المنطقة”، معلناً تفهّمه للمقاطعة اللبنانية الناجمة عن “أسباب تتعلّق بطبيعة العلاقات مع سوريا والمخاطر المشتركة”.
ويشدّد رئيس الحزب الناصري في مصر عبد الغني أنّ الشعب المصري أبدى تضامناً كبيراً في مواجهة الإرهاب بعد التفجير الذي استهدف الكاتدرائية القبطية المرقسية في القاهرة في 11 كانون الأوّل 2016، داعياً إلى قيام ثورة ثقافية لإحلال المفاهيم العربية والقانونية مكان المصطلحات التي زرعها المستعمرون في غير دولة عربية من دون إغفال واجب الاستفادة من “التقدّم الذي أحرزوه في المجالات المختلفة، بشرط ألاّ يؤثّر على ثقافتنا العربية”.
والمحامي سيّد عبد الغني من المناضلين الناصريين القدامى في مصر، وقف مع آخرين ضدّ إتفاقية “كامب دايفيد” التي وقّعها الرئيس أنور السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن في 17 أيلول من العام 1978 في الولايات المتحدة الأميركية، ودفع عبد الغني ثمن موقفه هذا، بأن أدخل السجن لسنوات.
“محكمة” إلتقت المحامي سيّد عبد الغني خلال وجوده في بيروت، وأجرت معه الحوار التالي:
• كيف ترى المشهد في مصر بعد التفجير الإرهابي الذي استهدف الكاتدرائية القبطية المرقسية؟ وهل هذه الرسالة الدموية تهدف إلى تغيير صورة مصر أمّ الدنيا؟.
إنّ المشهد السياسي في مصر بعد التفجير الإرهابي في الكنيسة يؤكّد لحمة ووحدة الشعب العربي في مواجهة الإرهاب بعد أن سارعت القوى الشعبية والحزبية إلى إدانة العملية، وشاهدنا مشاركة المسلمين مع المسيحيين في تشييع جثامين الشهداء، وفي العزاء إلى حدّ قراءة أحد المشايخ داخل الكنيسة سورة مريم من القرآن الكريم، ما يوضّح أنّ الجميع اعتبر العزاء للوطن بمسلميه ومسيحييه.
وأكّد الحادث وقوف الشعب خلف قوّاته المسلّحة وجيشه في مواجهة الإرهاب بالرغم من حالة الغضب نتيجة سياسات الحكومة الإقتصادية وما صاحبها من تعويم للجنيه وتراجعه أمام الدولار الأميركي، ممّا أدّى إلى الارتفاع الجنوني للأسعار الذي طال المحروقات والأغذية بمختلف أنواعها والحديد، واختفاء سلع أساسية كالسكّر والزيت، وشراسة التجّار واحتكارهم السلع من دون محاسبة.
إنّ هذا الغضب الشعبي لم يخرج إلاّ في تعبيرات الأنين الشعبي للشعور الجمعي بالمخاطر التي تحيط بالوطن من الإرهاب ومخطّطات الاستعمار في التقسيم والتفتيت وما يرونه حولهم في سوريا وليبيا والعراق جعل القضيّة الإجتماعية تتراجع رغم المواجع الأمنية وتهديد الوطن.
ويهمّني أن أوضّح بأنّ الشعب المصري بعد العمليات الإرهابية يؤيّد ويناصر إنتصار الشعب السوري وجيشه في حلب ويعتبر ذلك إمتداداً لمعركته ضدّ الإرهاب.
طبعاً الإرهاب وجماعات الظلام السياسي تحاول بتفجيراتها هنا أو هناك، تغيير صورة مصر التي رسمها الشعب والجيش بعد 25 يناير/كانون الثاني(الثورة التي أطاحت الرئيس حسني مبارك) و30 يونيو/حزيران(إسقاط حكم الإخوان المسلمين ممثّلاً بالرئيس محمّد مرسي) بأن يعطوا انطباعات سلبية عن مصر لضرب النمو الاقتصادي أو الاستثمار، فضلاً عن ضرب السياحة المصرية والتأثير على الاقتصاد المصري الذي يعاني معاناة شديدة ليس فقط ممّا يحدث، بل من آثار التبعية الاقتصادية التي طالت لأكثر من 40 عاماً منذ الإنفتاح الإقتصادي.
الوحدة الوطنية
• كيف ترى مقاطعة بعض نقابات المحامين لاجتماع المكتب الدائم لاتحاد المحامين العرب في سوريا؟.
للحقيقة، فإنّ الأمانة العامة في الاتحاد اعتبرت انعقاد المكتب الدائم في سوريا تأكيداً على دعم الشعب السوري والجيش السوري ووحدته الوطنية في مواجهة مخطّط التقسيم والتفتيت، لذلك كان حرصنا على الانعقاد في دمشق خاصة في ظلّ تقدّم قوّات الجيش السوري في حلب وانتصارها الذي حدث أثناء الانعقاد في دمشق. تلك كانت رؤية الأمانة العامة في اتحاد المحامين العرب ووافقت عليها الأغلبية من النقابات التي لم يحضر بعضها لظروف التأشيرات سواء في لبنان أو سوريا.
أمّا من لم يحضر لموقف سياسي، فإنّنا نرى أنّ هذه المواقف لا تجوز في هذه اللحظات التي يمرّ فيها المشروع العربي بحصار لم يسبق له مثيل من مشروع الشرق الأوسط الكبير الأميركي الصهيوني الذي يسعى للهيمنة على المنطقة، ونجح في العراق وليبيا، ويحاول في سوريا واليمن والسودان ومصر.
إنّ من لا يستطيع أن يقرأ ما تمرّ به الأمّة من مخاطر، ولا يصطفّ للدفاع عن الدولة الوطنية العربية وعن وحدتها الوطنية، إمّا مرتبط بالمشروع الشرق أوسطي، أو يجهل المخاطر، وحتمية التضامن العربي للمواجهة، وأتمنّى على النقابات التي اتخذت هذه المواقف أن تراجع موقفها.
نسيت أن أقول إنّ هناك نقابات مثل لبنان إمتنعت عن المشاركة لأسباب تتعلّق بطبيعة العلاقات مع سوريا والمخاطر المشتركة وتلك أسباب نستطيع أن نقدّرها الآن في ظلّ ما كان يمرّ به لبنان من عدم القدرة على الخروج من أزمته السياسية في الاستقرار. أمّا بعد وصول الرئيس ميشال عون وتشكيل الحكومة بالتوافق، فإنّني أعتقد بأنّ الوضع تغيّر إلى الأفضل وننتظر الوجود اللبناني ونقاباته في العمل من أجل وحدة العمل العربي الذي يسعى لاحترام القانون والدستور والديموقراطية وتداول السلطة في إطار الوحدة الوطنية لشعبنا العربي بمختلف أقطاره.
مفهوم الإرهاب
• لماذا لم يصل إتحاد المحامين العرب إلى تفسير واحد للمعنى القانوني للإرهاب في ظلّ تضارب المصالح بين القانونيين العرب؟.
لقد حدّد الاتحاد في بياناته وتقاريره السياسية وأبحاثه، أنّ الإرهاب هو ذلك السلوك الذي تتبعه جماعة أو جماعات بالسلاح ضدّ شعبها أو جيشها، وهو ذلك الذي يجعل من نفسه أداة أو أدوات للقوى الخارجية التي يستعين بها ضدّ شعبه، وتمدّه بالسلاح أو المال اللازم لعملياته. وقد اتخذت كثير من الجماعات السياسية المنتسبة إلى الإسلام السياسي من نفسها سبيلاً لذلك، والإرهاب هنا ليس ثورة أو حتّى إحتجاجاً شعبياً، بل هو عمل عدائي ضدّ مؤسّسات الدولة وجيشها، لأنّه يهدف إلى تمزيق المؤسّسات وتغيير بنيتها وعقدتها، معتمداً في ذلك على الأجنبي المستعمر في التمويل اللوجستي مادياً بالسلاح والمال.
فضلاً عن ذلك، فإنّ الإرهاب يعتمد المذهبية والتطرّف حسب ظروف مجتمعه ويسعى إلى فرض مذهبه أو طائفته، وهو ما يعتمد تفتيت الوطن مذهبياً وعرقياً، ونحن في اتحاد المحامين العرب تناولنا الإرهاب في أكثر من عمل وعالجنا وحدّدنا تعريف الإرهاب وكان لنا بحث فيه عن الارهاب والتمويل، وأعتقد أنّ الأبحاث والتوصيات التي تصدر عن الاتحاد في نهاية كلّ مكتب دائم أو مؤتمر هي بمثابة تحديد لمعنى الإرهاب ومخاطره وسبل مواجهته.
توحيد المصطلحات القانونية
• ما هي الموانع التي تحول دون توحيد المصطلحات والمفاهيم القانونية في الدول العربية؟.
إنّ الموانع التي تحول دون توحيد المصطلحات والمفاهيم القانونية تعود إلى اختلاف النظم السياسية والاقتصادية أولّاً، وثانياً إلى مستعمرينا الذين استعمروا بلادنا لفترات من الزمان وتأثّرنا بهم إلى الحدّ الذي باتت فيه كلّ دولة عربية متأثّرة بمفردات وقوانين مستعمرها، وهو ربّما تأثير هذه الثقافات على بلادنا العربية، وهو ما يستدعي ثورة ثقافية عربية تستدعي العروبة في مواجهة هذه الثقافات، وتستدعي مفاهيمنا العربية والقانونية ومصطلحاتنا بديلاً عن مصطلحاتهم، دون أن نستبعد أهمّية وحتمية الاستفادة من التقدّم الذي أحرزوه في المجالات المختلفة، بشرط ألاّ يؤثّر على ثقافتنا العربية.
(نشر في مجلّة “محكمة” – العدد 14 – شباط 2017).