شركات المحاماة/حسين زبيب
المحامي حسين زبيب*:
سعادة نقباء المحامين الحاليين والسابقين،
زميلاتي وزملائي المحامين كلٌ بإسمه وصفته،
من بيروت أم الشرائع ومن لبنان ومن جنوب لبنان،
صباح أُم الدنيا، صباح مصر،
يشرفني أن أكون بينكم اليوم ممثلاً لنقابة المحامين في بيروت في هذا المؤتمر العربي التاسع للمحاماة، الذي يعقد تحت عنوان “استراتيجيات قيادة مستقبل المحاماة” وأنقل لكم تحية نقيب المحامين في بيروت الأستاذ فادي مصري الذي كلفني وشرفّني بتمثيله في هذا المؤتمر بصفتي مسؤول الشؤون العربية في نقابة المحامين في بيروت. كما أشكر القائمين على المؤتمر على حفاوة الإستقبال وحسن الضيافة.
إن هذا المؤتمر والذي أصبح تقليداً سنوياً، يُشكل فرصة ثمينة للتباحث حول التحديات التي تواجه مهنة المحاماة في العصر الحديث، خاصة في ظل التحولات القانونية والإقتصادية السريعة التي نعيشها في منطقتنا.
في لبنان، كما في العديد من الدول، يُعتبر قانون تنظيم مهنة المحاماة حجر الزاوية في تنظيم العمل المهني للمحامين، ومن ضمنه تنظيم تأسيس الشركات المدنية المهنية التي تضم محامين كشركاء. فوفقًا للمادة 83 من القانون المذكور، يجوز إنشاء شركات مدنية مهنية بين المحامين بموجب صك شراكة خطي ومسجل لدى نقابة المحامين. إنّ هذا الإطار القانوني يضمن أن تكون الشركات واضحة ومؤطرة قانونياً، بما يسهم في الحفاظ على الاستقرار المهني ويعزز مستوى الخدمة المقدمة للموكلين.
ولكن، وفي ظل التحديات المعاصرة، فقد أصبح من الضروري أن نتعامل مع قضايا أكثر تعقيداً تتعلق بكيفية إدارة دخول وخروج الشركاء في شركات المحامين. فمع تنامي شركات المحامين وتزايد حجم الأعمال، باتت الحاجة مُلحّة لتطبيق إستراتيجيات دقيقة ومؤثرة لضمان إستمرارية الشركة وتحقيق الاستقرار المؤسسي.
في هذا السياق، يتطلب الأمر من شركات المحامين وضع آليات واضحة لدخول الشركاء الجدد والخروج المنظم للشركاء الحاليين، بما يضمن توافق جميع الأطراف ويحفظ استقرار الشركة. فقد نصت المادة 99 من النظام الداخلي لنقابة المحامين في بيروت على ضوابط قانونية بخصوص حقوق الشركاء، حيث تمنع الشريك من التفرغ عن حقوقه إلا بموافقة جميع الشركاء، مما يساهم في حماية إستقرار الشركات وضمان إستمراريتها.
تُعد شركات المحاماة من الوسائل الأساسية لإستقطاب الكفاءات والمحافظة عليها، فإن ذلك يُعد من القضايا الرئيسية لتحقيق النمو والتوسع في شركات المحاماة. فالقدرة على جذب المحامين المتميزين والمحافظة على كفاءاتهم تتطلب تطوير إستراتيجيات واضحة تعزز من بيئة العمل القانونية وتضمن استقرارها. ومن أهم هذه الاستراتيجيات، التركيز على التخصص القانوني للمحامين داخل الشركات.
إن تعدد التخصصات القانونية داخل شركات المحاماة بات عاملاً حاسماً في نجاحها واستمراريتها. فشركات المحاماة التي تستفيد من محامين متخصصين ليس فقط في مجالات كلاسيكية مثل القانون التجاري، القانون الجنائي، قانون العقود، قانون الضرائب، والتحكيم، بل تتجاوزها إلى مجالات أكثر حداثة وتخصص مثل قوانين الإنشاءات الدولية (فيديك)، والشؤون الطبية والصحية (هيلثكير)، والعقوبات الإقتصادية، والتأمين، والأزياء، والرياضة، والشؤون المصرفية المُستجدة،,والقوانين الجوية والبحرية، والملكية الفكرية، والنفط والغاز، والهجرة، والبيئة، والذكاء الإصطناعي، وتكنولوجيا المعلومات، والأمن السيبراني وغيرها بحسب تطور المجالات والمفاهبم، بحيث تكون أكثر قدرة على تلبية احتياجات موكليها وعملائها بفعالية ومهنية. وهذا التوجه نحو التخصص يتيح تقديم خدمات قانونية أكثر دقة وإحترافية، مما يعزز مكانة الشركة ويمنحها ميزة تنافسية قوية في السوق القانونية.
وفي هذا السياق ولمعالجة النقص الموجود في النص وعلى أرض الواقع، وفي ذات الوقت الذي نناقش فيه هذا الأمر، فإن نقيب المحامين في بيروت بصدد تقديم مشروع لمجلس النقابة حول شركات المحاماة بهدف التصويت عليه واعتماده لكي يصبح للمحامين شركة يعملون فيها ويكون لها شخصية معنوية مستقلة تتعامل معها النقابة بشكل مستقل عن المحامين الافراد، على أن يترافق ذلك بموضوع التسهيلات الضريبية على هذه الشركات وليس اعتبارها كشركات تجارية، كما وتفعيل نشاط الشركات عبر إلزامها بتسجيل محامين متدرجين على إسمها لتأمين فرص ممارسة المهنة لهم واكتساب الخبرة اللازمة، على أن نزود الأمانة العامة نسخة عن المشروع فور تقديمه.
وعليه، إن العمل القانوني لم يعد مقتصراً على الإلمام العام بالقانون، بل أصبح يتطلب مستوى عاليًا من التخصص، حيث إن الشركات القانونية التي تعتمد على محامين ذوي خبرة متخصصة تكون أكثر قدرة على التعامل مع القضايا المُعقدة وتقديم إستشارات قانونية متعمقة ومبنية على فهم دقيق للتشريعات والتطورات القانونية في كل مجال.
في الختام، إن ضمان استقرار الشركات القانونية وتطوير استراتيجيات فعّالة لإدارة الدخول والخروج من الشراكات يعد من الركائز الأساسية التي يجب أن نركز عليها لتحقيق النجاح والنمو في هذه المهنة العريقة. كما أن التركيز على التخصص القانوني داخل الشركات هو السبيل لضمان تقديم خدمات ذات جودة عالية، وتحقيق الكفاءة المهنية.
شكراً على حسن استماعكم، وأتطلع إلى مناقشات مثمرة تسهم في تعزيز مستقبل المحاماة في وطننا العربي، وأتمنى النجاح الدائم للمؤتمر ومنظميه.
* هذه الكلمة باسم نقيب المحامين في بيروت فادي مصري وقد ألقاها ممثّله مسؤول الشؤون العربية في النقابة المحامي حسين زبيب في فعاليات المؤتمر العربي التاسع للمحاماة الذي عقد في العاصمة المصرية القاهرة بين 6 و8 شباط 2025 بعنوان: “إستراتيجيات قيادة مستقبل المحاماة”.
“محكمة” – الجمعة في 2025/2/14