شطب إشارة دعوى عن الصحيفة العينية يتخذه القاضي نفسه ولا يحتاج استئنافاً/علي الموسوي
كتب علي الموسوي:
في قرار جريء وجديد من نوعه صادر عن القاضي المنفرد المدني في بعبدا الناظر في القضايا العقارية زينب فقيه، يتعلّق بشطب إشارة دعوى عن الصحيفة العينية، خرجت فيه عن النصّ القانوني الواضح الذي يقول إنّ الإقتراب من الإشارة يحتاج إلى استئناف، لتحيي بذلك القانون رقم 1999/76 حيث كان يحقّ للقاضي الواضع يده على الدعوى، القيام بمثل هذا التصرّف، غير أنّ إضافة فقيه تمثّلت باعتبارها طلب شطب الإشارة ليس طعناً، لتتمكّن من خلاله، من اتخاذ قرارها الذي من شأنه الخروج عن النصّ وإعادة التوصيف كقرار رجائي يخضع لإعادة النظر من المرجع الصادر عنه باختلاف الظروف.
وفي الأصل أنّ شطب إشارة دعوى التعدّي على عقار لا تعدو كونها دعوى شخصية وليست دعوى عينية عقارية، فأعلنت القاضي فقيه إختصاصها النظر بطلب المدعى عليه الرجائي(المستدعي من دون خصومة) والرامي إلى شطب هذه الإشارة وفقاً لنصّ المادة 594 أصول محاكمات مدنية وما يليها.
واعتبرت القاضي فقيه أنّ قرارات وضع إشارة الدعوى ليست من القرارات المتمتّعة بحجيّة القضيّة المحكوم بها، ومعلنة في الوقت نفسه أنّه يحقّ للمتضرّر من وضع الإشارة، وإنْ كان يحقّ له أن يطعن به إستئنافاً، أن يطلب إلى القاضي الذي أمر بوضع هذه الإشارة، الرجوع عن قراره أو تعديله، حيث إنّه لا يمنع على القاضي وضع يده من حيث الشكل على طلب إصدار قرار رجائي بشطب الإشارة، وذلك سنداً لنصوص المواد القانونية المذكورة آنفاً، بموجب قرار معجّل التنفيذ نافذ على أصله.
ولمعرفة مدى انسجام هذا القرار مع أحكام القانون، يقتضي العودة إلى نصّ المادة 16 أ.م.م. لأنّ للتصنيف الوارد في متنها بين دعاوى الحقّ الشخصي ودعاوى الحقّ العيني أهمّية كبرى، باعتبار أنّ نظام المسؤولية يختلف بين هاتين الوضعيتين.
ويجد قانونيون في حديث مع “محكمة” أنّ ما ذهبت إليه القاضي فقيه واقع في موقعه الصحيح، فالفصل بين دعاوى الحقّ الشخصي ودعاوى الحقّ العيني هو الدعوى بحدّ ذاتها والحقّ المطلوب حمايته، فإذا كانت ترمي إلى حماية حقّ شخصي كدعوى التعدّي على عقار، فإنّه لا يوجد أيّ مسوّغ قانوني لوضع إشارتها على صحيفة العقار، بينما إذا كانت دعوى عينية عقارية، فلا بدّ من وضع مثل هذه الإشارة.
بينما يرى قانونيون آخرون أنّ قرار فقيه جريء ولكنّه تجاوز النصّ، لأنّ المشترع هدف من وراء القانون 76/1999 إلى إراحة الناس من أجل مصلحتهم وإقفال الطريق أمام من يرغب في المماطلة والتسويف، معربة عن اعتقادها أنّ هذا القرار يقبل التمييز.
“معركة” ردّ فقيه ونقل الدعوى!
وعلى هامش هذه الدعوى، جرت “معركة” من نوع آخر، إذ إنّ ميلاد الأسمر طلب بواسطة وكيله المحامي البستاني ردّ القاضي زينب فقيه بحجّة إدلائها برأي مسبق بخصوص الدعوى المذكورة المقامة منه وهو ما نفته الأخيرة في جوابها على طلب ردّها، وخلصت محكمة الاستئناف المدنية السادسة في جبل لبنان الناظرة بقضايا ردّ القضاة والمؤلّفة من الرئيسة الدكتورة ريما شبارو والمستشارين حياة عاكوم شاهين وهاني البرشا، إلى قبول طلب الردّ شكلاً وردّه أساساً وإلزام طالب الردّ بأن يدفع مبلغ مليون ليرة لبنانية للقاضية فقيه، ومبلغ خمسماية ألف ليرة لمصلحة الخزينة، بالإضافة إلى كلّ الرسوم والمصاريف القانونية.
وسعى الأسمر بواسطة المحامي البستاني، إلى نقل هذه الدعوى من أمام القاضي فقيه، إلى قسم آخر من أقسام المحكمة الابتدائية في بعبدا “بداعي الارتياب المشروع بحيادها” سنداً للفقرة الثالثة من المادة 116 أ.م.م. فتقدّم بطلب بهذا الخصوص أمام محكمة التمييز، الغرفة التاسعة، والمؤلّفة من القاضي جان عيد والمستشارين مادي مطران وبسّام الحاج منتدباً، والتي رأت في حيثيات قرارها إنّ” القرارات المتخذة من القاضية المعنية( أيّ فقيه) بطلب النقل هي قرارات رجائية لا تتمتّع بقوّة القضية المحكوم بهان بحيث يعود لها تعليلها أو الرجوع عنها، متى توافرت الشروط التي تبرّر ذلك، وهي علّلت قرارها القاضي بشطب إشارة الدعوى، المذكور في متن هذا القرار، تعليلاً مفصّلاً، وعلى فرض أنّ الرجوع غير جائز، فإنّ ذلك يشكّل خطأ قانونياً وليس سبب نقل، وحيث على فرض أنّها بمعرض قرارها قد أبدت رأياً مسبقاً، فإنّ ذلك ليس من شأنه إثبات إنحيازها في الدعوى، ولا ينمّ بالتالي، عن ارتياب من قبلها، وحيث إنّه يتبيّن من التدقيق في محضر المحاكمة العائد للدعوى المطلوب نقلها، أنّ القاضية المشكو منها، أتاحت المجال للمستدعي لإبداء رأيه أصولاً خلافاً لما أدلى به، وحيث إنّه لم يثبت من الملفّ صدور أيّ تصرّف للقاضية المعنية بطلب النقل، من شأنه أن يدلّ على انحيازها لخصم طالب النقل، ممّا يستوجب ردّ طلب النقل”. وخلصت هذه المحكمة إلى تضمين طالب النقل النفقات كافة، ومصادرة التأمين، وتغريمه مبلغ مليوني ليرة لبنانية سنداً للمادتين 10 و11 أ.م.م.
“محكمة” تتفرّد بنشر النصّ الحرفي لقرار القاضية فقيه لأهمّيته القانونية:
“بعد الاطلاع،
حيث تبيّن أنّ المستدعي هيثم أسمر، وكيلته الأستاذة فريال الأسمر، قد تقدّم بتاريخ 26/10/2015 بطلب يرمي إلى إصدار قرار رجائي بشطب إشارة الدعوى الراهنة رقم 2015/70 عن الصحيفة العينية للعقار رقم 47 من منطقة زندوقة العقارية ، مدلياً في الشكل بتوافر اختصاص هذه المحكمة لإصدار القرارات الرجائية عملاً بأحكام المادة 596 وما يليها من قانون أصول المحاكمات المدنية.
وفي الأساس، أنّ البناء الذي يقوم بتشييده على عقاره مرخّص، وأنّ التعدّي غير متحقّق، فضلاً عن أنّ الدعوى الرامية إلى إزالة التعدّي ليست دعوى عينية كي تدوّن إشارتها على الصحيفة العينية للعقار، وأنّ الابقاء على إشارة الدعوى الراهنة يُلحق به ضرراً فادحاً لناحية وقف إمكانية استحصاله على رخصة الإسكان وإتمام البيوعات والحصول على قروض مصرفية عند الاقتضاء، وأنّ وجود الإشارة المشكو منها لا يحقّق أيّ فائدة أو مصلحة للجهة التي طلبت تدوينها،
وحيث إنّ المدعي ميلاد الأسمر المطلوب بوجهه شطب الإشارة، وكيله الأستاذ نديم البستاني قدّم بتاريخ 2015/11/16 مذكّرة طلب بموجبها عدم قبول الطلب الرجائي لشطب الإشارة شكلاً لخروجه عن اختصاص المحكمة وتضمين المستدعي الغرامة والتعويض، وفي الأساس لعدم ثبوت انعدام التعدّيات على حقوق الارتفاق،
أوّلاً في الشكل: حيث إنّ المستدعي هيثم أسمر قد تقدّم بطلب رجائي يرمي إلى شطب إشارة الدعوى الحاضرة عن الصحيفة العينية للعقار رقم 47 من منطقة زندوقة العقارية،
وحيث إنّ المادة 594 وما يليها من قانون أصول المحاكمات المدنية قد أجازت إصدار القرارات الرجائية بدون خصومة في المسائل التي يوجب القانون إخضاعها لرقابة القضاء بالنظر إلى طبيعتها أو لصفة المستدعي، وقد قامت هذه المحكمة بإبلاغ الطلب من المطلوب شطب الإشارة بوجهه لإبداء ملاحظاته عملاً بأحكام المادة 596 من القانون المذكور،
وحيث إنّه يكون للقاضي أن يُسند قراره إلى جميع الوقائع ولو لم يتذرّع بها المستدعي بحيث يُصدر قراره هذا مشتملاً على التعليل، ويمكن له أن يأمر بتنفيذه على أصله وفقفاً لأحكام المادتين 597 و 598 أصول مدنية،
وحيث إنّ نصّ المادة 594 وما يليها من قانون أصول المحاكمات المدنية قد أتى عاماً، ما يولي القاضي صلاحية إصدار القرارات الرجائية التي يراها مناسبة عندما يقتضي الأمر إصدارها،
وحيث وإنْ كانت المادة الثالثة من القانون رقم 99/76 تحدّد أصولاً خاصة ومهلة معينة لاستئناف قرار وضع الإشارة أمام محكمة الاستئناف- وفقاً لما يدلي به المدعي المطلوب بوجهه شطب الإشارة وهو أمر غير منازع فيه قانوناً- إلاّ أنّ المستدعي لم يتقدّم أمام هذه المحكمة بطعن بالقرار الصادر عنها، وإنّما تقدّم بطلب جديد يرمي إلى إصدار قرار رجائي بموضوع معيّن هو شطب الإشارة، فتختلف بذلك طبيعة استئناف قرار وضع الإشارة أمام محكمة الاستئناف، وأصول النظر به، والمرجع الصالح للبتّ فيه، عن طبيعة الطلب بإصدار قرار رجائي، وأصول النظر به، والمرجع الصالح للبتّ فيه، دون أن ينفي هذا الاختلاف وحدة الغاية بين الطلبين،
وحيث ما يؤكّد هذه الوجهة أنّه في القرارات غير المتمتّعة بحجّيّة القضيّة المحكوم بها كافة، يمكن للمتضرّر منها الطعن بها، بطريق الاستئناف، كما يمكنه أن يطلب من القاضي نفسه الرجوع عنها، أو تعديلها بناء لظروف جديدة، أو معطيات لم تكن معلومة عند صدورها، وبكلّ حال يمكن لصاحب العلاقة أن يتقدّم من المرجع القضائي العادي، أيّ من المحكمة العادية، بطلب جديد، ولو كان رجائياً يرمي من خلاله إلى إصدار القرار بما يخالف بنتيجته نتيجة قرار سابق متخذّ في مناسبة أخرى، وفي موضع آخر، وغير متمتّع بحجّيّة القضيّة المحكوم بها،
وحيث إنّ قرار تدوين إشارة الدعوى هو بحدّ ذاته غير متمتّع بحجّيّة القضيّة المحكوم بها بالنسبة لأصل الحقّ،
وحيث في ضوء التعليل المبيّن أعلاه، ليس ما يمنع القاضي شكلاً من أن يضع يده على طلب إصدار قرار رجائي، مستنداً إلى المادة 594 المذكورة أعلاه وما يليها، أيّاً كان موضوعه، لعدم وجود نصّ قانوني يحول دون ذلك، أو يمنعه،
وحيث إنّ طلب المستدعي بالنتيجة، هو طلب جديد يرمي إلى إصدار قرار بشطب الإشارة، ولا يهدف إلى الرجوع عن قرار تدوين الإشارة المتخذّ بتاريخ 2015/9/15 ، ما يجعله مستوجب القبول شكلاً.
ثانياً: في الأساس:
حيث في ضوء المستندات والأوراق المبرزة في الملفّ لاسيّما طلبات المدعي على وجه الخصوص، فإنّ هذا الأخير يطلب بمواجهة المدعى عليه، إصدار الحكم بتكريس حقوق الارتفاق العائدة لعقاره رقم 45 زندوقة على عقار الأوّل رقم 47 زندوقة، وإلزامه بضرورة الحفاظ عليها وإزالة كافة التعدّيات الجارية ضدّها،
وحيث إنّ إجابة المدّعي إلى طلباته في حال صحّتها، لا تؤدّي إلى تغيير قيود السجّل العقاري أو تعديلها،
وحيث إنّ موضوع تلك الطلبات – وهي تتمحور جميعها حول إزالة التعدّي- يظهر بشكل واضح أنّها ليست طلبات عينيّة،
وحيث وبصرف النظر عن مدى وجود التعدّي، ومدى وجوب الحكم بإزالته، فإنّ وجود الإشارة المشكو منها، يُضرّ بمصلحة المستدعي من خلال الحؤول دون إمكانية استحصاله على رخصة الإسكان، أو على قروض مصرفية، أو حتّى إتمام البيوعات للأقسام الكائنة في البناء، ما يوفّر له المصلحة في طلب شطب الإشارة، ويبرّر تدخّل القاضي ولو بصورة رجائية،
وحيث بمطلق الأحوال، إنّ وجود التعدّي يحول دون استحصال مالك العقار على رخصة الإسكان الضرورية لإتمام معاملات الإفراز والتسجيل والبيوعات أيّاً كانت،
وحيث إنّ وجود الإشارة، أو الإبقاء عليها، لا يؤدّي إلى أيّ نفع للمدّعي، ولا يحقّق له أيّ مصلحة مشروعة، كما لا يؤثّر على حقوقه العينية في عقاره رقم 45 زندوقة، أو على الحقوق العينيّة للعقار المذكور، ولا يؤثّر على نتيجة الحكم بإزالة التعدّي في حال صدوره، ولا على نفاذ هذا الحكم، أو سريانه على الكافة،
وحيث لا موجب بالتالي، يبرّر الإبقاء على الإشارة المشكو منها، فيقتضي شطبها عن الصحيفة العينية للعقار رقم 47 من منطقة زندوقة العقارية،
وحيث إنّ القرار الرجائي، يمكن أن يكون نافذاً على أصله عملاً بأحكام المادة 598 أصول مدنية، ولم يتبيّن وجود أيّ ضرر للمطلوب بوجهه شطب الإشارة من جرّاء هذا الشطب، فيقتضي بالتالي إصدار القرار نافذاً على أصله،
لذلك نقرّر: شطب إشارة الدعوى الحاضرة عن الصحيفة العينية للعقار رقم 47 من منطقة زندوقة العقارية، وإبلاغ من يلزم.
قراراً معجّل التنفيذ نافذاً على أصله صدر في 20/11/2015″.
(نشر في مجلّة “محكمة” – العدد 8- حزيران 2016)
*حفاظاً على حقوق الملكية الفكرية، يمنع منعاً باتاً على أيّ شخص، طبيعيًا كان أم معنويًا وخصوصًا الإعلامية ودور النشر والمكتبات منها، نسخ أكثر من 20% من مضمون الخبر، مع وجوب ذكر إسم موقع “محكمة” الإلكتروني، وإرفاقه بالرابط التشعّبي للخبر(Hyperlink)، كما يمنع نشر وتبادل أيّ خبر بطريقة الـ”screenshot” ما لم يرفق باسم “محكمة” والإشارة إليها كمصدر، وذلك تحت طائلة الملاحقة القانونية.