شكوى من جمعيات أمام “التمييزية” ضدّ باسيل وأسود وعون وماروني وجنبلاط وحايك وبركات
قدّم المحاميان ديالا شحادة ومحمود الحافي بوكالتهما عن عدد من الجمعيات شكوى أمام النيابة العامة التمييزية اتخذت فيها صفة الادعاء الشخصي ضدّ الوزير جبران باسيل والنائب زياد أسود ورئيس بلدية الحدت جورج عون والناشطين السياسيين ناجي حايك ورشيد جنبلاط والنائب السابق إيلي ماروني والمنشد علي بركات بجرم إثارة نعرات طائفية وأهلية.
والجمعيات هي: “الجمعية اللبنانية للتعارف الفني والثقافي – أمم للتوثيق والأبحاث” “التوعية النسائية”، “كفالات الخير”، “مانشيت”، “المحور اللبناني في سبيل مواطنة جامعة – هيا بنا”، “معمل 961″، و”النخيل للخير والإنماء”.
شراء الأراضي والعقارات
وممّا تضمّنته الشكوى: “إنه لمن أكثر ما أساء للجمعيات المدعية في الشكوى الحاضرة، وهي تضمّ أعضاء متنوعين في عقائدهم ومعتقداتهم ومتحدّين حول مبدأ سيادة القانون، هو التنامي الجسور للخطاب التمييزي الطائفي الداعي إلى منع بيع وتأجير العقارات المبنية وغير المبنية للبنانيين من أبناء الطائفة المسلمة في مناطق ذات غالبية/كثافة سكانية من الطائفة المسيحية. وبرغم أن هذا الخطاب المثير للنعرات الطائفية ليس بجديدٍ للأسف، إلا أنه تبلور ليقفز من القول إلى الفعل بشكلٍ لم يعد أصحابه يستحون به، بل بزعم “خدمة العيش المشترك”، في محاولةٍ غير معقولة لإعادة تعريف هذا المفهوم رغماً عن أنف الدستور. هذا الدستور الذي كرّس في الفقرة “و” من مقدمته حرية الحقوق الاقتصادية للمواطن: “النظام الاقتصادي حرّ يكفل المبادرة الفردية والملكية الخاصة”، وفي الفقرة “ط” حقّه التنقل بحرية ضمن أرضِ وطنه: “أرض لبنان لكل اللبنانيين. فلكلّ لبناني الحق في الإقامة على أيّ جزء منها والتمتع به في ظل سيادة القانون، فلا فرز للشعب على أساس أي انتماء كان ولا تجزئة ولا تقسيم ولا توطين”. مع العلم بأن مقدمة الدستور هي في صميم التعديل الدستوري الذي مَأسَسَ المصالحة الوطنية في أعقاب اتفاق الطائف بموجب القانون الدستوري.
ومن دون شكّ، فإن التسامح الرسمي والقضائي المزمنين مع هذا الخطاب هما ما سمحا بإفلات مطلقيه من العقاب واستفحاله حدّ تجاسر نائب ووزير سابق، المدعى عليه إيلي ماروني، إلى القول خلال مؤتمر عقدته “حركة الأرض اللبنانية” بتاريخ 2017/1/9 في مطرانية سيدة النجاة في زحلة: “[مثلما] الداء يحتاج إلى دواء، البائع المسيحي يحتاج إلى شارٍ مسيحي”، مقترحاً “إنشاء البنك المسيحي العقاري أو الشركة العقارية المسيحية ومهمتها شراء العقارات من البائع المسيحي إذا لم يكن هناك شارٍ مسيحي، والبنك أو الشركة تستثمر – تبيع متى وُجد الشاري [المسيحي]”؛
وبرغم عدم وجود أي قانون يمنح البلديات سلطة تقييد حريات المواطن المكرّسة دستورياً لجهة التبادل الاقتصادي والملكية الخاصة والإقامة، إلا أن بعض المسؤولين الرسميين، وفي طليعتهم المدعى عليه جورج عون، رئيس بلدية الحدث المُنتخَب، راحوا يتعسّفون في استخدام سلطاتهم تطبيقاً للخطاب التمييزي الطائفي هذا، وبثقة عجيبة الشدّة. إذ جاهر عون، في شهر حزيران 2019 ، على خلفية قيام المواطن محمد عواد بإثارة قضية رفض تأجيره شقة في الحدث لعلّة معتقده الديني، بقوله إن هذا القرار “يعود إلى شهر أيار من العام 2010… ونحن لا نخجل به كبلدية بل نفتخر به ومستمرّون به… وفي كل فترة نتفاجأ بإثارته مجدداً… وإذا أُجبرتُ على عدم تطبيقه سأستقيل”؛
وبرغم أن وزيرة الداخلية والبلديات السيدة ريا الحسن أبدت استهجانها لهذا القرار ووصفته بـ”الفئوي والشعبوي والمنافي للدستور”، في حديثٍ لقناة “أل. بي. سي” بتاريخ 2019/6/20 قائلةً: “أعمل على مكتوبٍ لأطلب فيه من محافظ جبل لبنان محمد مكاوي الاستماع الى رئيس البلدية للتأكد بأن ما ورد عن الاجراء هو صحيح، وسنطلب من بلدية الحدث التراجع عن إجرائها غير الدستوري هذا في حال تأكد”، ولكننا لم نلحظ أيّ إجراءٍ رسميّ من قبل الوزيرة الحسن أو غيرها في هذا الصدد حتى تاريخ تقديم الشكوى الحاضرة؛
أسود
الأسوأ من ذلك، أن نائباً منتخباً في مجلسنا العتيد سارع إلى تأييد موقف المدعى عليه عون وتحريضه على التمرّد على أي قرارٍ هرمي قد يصدر عن وزيرة الداخلية ضد هذا الإجراء، وهو المدعى عليه النائب زياد أسود، الذي كتب في تغريدة نشرها على حسابه على “تويتر” بتاريخ 2019/6/20 : “من يعتقد أن بإمكانه فرض أي أمر على رئيس بلدية منتخب هو واهم. لا سلطة لوزارة الداخلية عليه ولا لأي موظف في المحافظة، وكل ما عليكم فعله هو التمني والقرار يعود له فقط”؛
يقول يسوع المسيح (عليه السلام): “كما تريدون أن يفعل الناس بكم افعلوا هكذا أنتم أيضاً بهم”. فهل يريد أصحاب هذا الخطاب أن يُمنع اللبنانيون من أبناء الطائفة المسيحية من الاستئجار والتملك والعيش في المناطق ذات الغالبية أو الكثافة السكانية من أبناء الطائفة المسلمة؟ وما هي الخطوة اللاحقة لإجراء كهذا؟ إصدار بطاقات إقامة طائفية عن بلديات هذه المناطق؟ إعادة إنشاء حواجز الفرز الطائفي على مداخل البلدات؟ وكيف يمكن وصف خطابٍ كهذا إلا بالتحريضي والتمييزي والمثير للنعرات الطائفية والفتن الأهلية ضد أبناء شريحةٍ لبنانية لعلّة معتقدهم الديني؟ بل كيف يمكن لأيّ شخصٍ ألا يرى في هذا الخطاب انتهاكاً فاضحاً لكل من الدستور وقانون العقوبات اللبنانيين ولمبدأ “العيش المشترك” الذي لا يمكن أن يعني بأيّ شكلٍ منع اشتراك اللبنانيين في العيش في بلداتٍ واحدة؟ بل كيف تغضّ الدولة طرفها عن خطابٍ كهذا لا يناقض دستورها وحسب، بل ينتهك أيضاً الالتزامات القانونية الدولية للبنان وفي مقدمتها “الإعلان العالمي لحقوق الإنسان” و”العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية”، و”الإعلان العالمي للقضاء على جميع أشكال التعصب والتمييز القائمين على أساس الدين أو المعتقد”، وغيرها؟
لا ينازع الخطاب المثير للنعرات الطائفية سوى خطاب التحريض على خلفية جرائم ارتُكبت خلال الحرب الأهلية قبل ثُلث القرن. ومع إجماع المدعين على أن جميع الجرائم التي تُرتكب في أيّ زمان ومكان، وخصوصاً خلال النزاعات المسلّحة، يجب أن تُعالج بالمحاسبة القانونية كأداة أساسية للردع وعدم التكرار، حتى لو اقتصرت هذه المحاسبة على تقصّي الحقائق والإقرار بالخطأ والاعتذار من الضحايا وأسرهم وجبر أضرارهم، إلا أن المدعين استهجنوا في الوقت عينه إقدام بعض المدعى عليهم على إثارة ضغائن الحرب اللبنانية بعد مرور أكثر من 32 عاماً على جرائمها الدامية التي أبكت اللبنانيين وأهالي ضحاياها؛
حايك وجنبلاط
فبتاريخ 2019/8/3 نشر المدعى عليه ناجي حايك، الناشط السياسي في حزب “التيار الوطني الحرّ”، على حسابه على موقع “فايسبوك” الإلكتروني، تصريحاً شائناً يحتفي ويتشفّى ويكيد ويذمّ بلبنانيين قُتلوا خلال الحرب الأهلية: “بعد ١٠ أيام سوف نتذكر نحن وأنت القرود الذين أرسلتهم إلى سوق الغرب في ١٣ آب ١٩٨٩، وقد أعادهم ميشال عون لعندك بأكياس الجنفيص”. وقد وجّه المدعى عليه الثالث تصريحه هذا إلى رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب السّابق وليد جنبلاط.
المحزن أننا لم نرَ القضاء اللبناني يتحرك حيال خطاباتٍ مثيرة للنزاعات كهذه سوى عندما مسّت بأشخاص السلطة الحاكمة، وذلك حين تم توقيف المدعى عليه رشيد جنبلاط في شهر أيار الماضي على خلفية تصريحاتٍ أطلقها في تسجيلٍ مرئي ومسموع نشره بتاريخ 2019/3/25 على حسابه على موقع “فايسبوك” الإلكتروني، وذمّ فيه بإسهاب وزيراً في الحكومة هو للمفارقة المدعى عليه باسيل في الشكوى الحالية، مستحضراً تاريخ الجبل ونزاعاته، علماً أن السيد رشيد جنبلاط كان سبق ونشر على حسابه الإلكتروني عينه بتاريخ 2018/7/20 تصريحاً كتب فيه: “بالنسبة إليّ جبران باسيل هوي شارون، وميشال عون هو بن غوريون، يعني أعدائي، وكل صديق لعدوي هو عدوي. ولو كنتُ رجل دين مسلم، كنت أفتيتُ بقتلهما”، في تحريضٍ مباشر لطائفةٍ دينية بأكملها ضد مكوّن من طائفةٍ أخرى يمثّل ركناً مهماً من عناصر الأمة. فلماذا يتحرك القضاء لجهة جرم يمسّ بشخصٍ نافذ في السلطة، ولا يتحرّك لجهة جرم إثارة النعرات الطائفية الذي يمسّ بأشخاص الأمة ككلّ؛
بركات
وفي استهانة بالغة بمشاعر ضحايا جريمة اغتيال رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري، عمد المدعى عليه السابع، “المُنشد” علي بركات كما يسمّي نفسه على صفحته الرسمية على موقع “تويتر” الإلكتروني، إلى نشر تغريدة كتب فيها: “ما رأيك بتسمية مسجد محمد الأمين المدفون فيه رفيق الحريري بمسجد مصطفى بدر الدين [أحد المتهمّين قضائياً من المحكمة الدولية الخاصة بلبنان باغتياله!] هل تؤيّد؟”.
وخلصت الشكوى إلى طلب “استدعاء المدعى عليهم السبعة وفقاً للأصول القانونية المتبعة، وذلك للتحقيق معهم في الجرائم المنسوبة إليهم والمجرّمة وطنياً ودولياً، متخذةً صفة الادعاء الشخصي بحقهم وبحق كل من يظهره التحقيق فاعلاً أو شريكاً أو متدخلاً أو محرضاً بجرم المادة /317/ من قانون العقوبات اللبناني، وإحالتهم إلى القضاء المختص تمهيداً لمحاكمتهم، ولردعهم عن تكرار أفعالهم الجرمية بحق مكونات و”عناصر الأمة” والمجتمعات التي تشترك في العيش في لبنان، مع استعداد الجهة المدعية للرجوع عن الشكوى الحالية فيما لو أظهر هؤلاء ندماً على الخطابات والأفعال التي أقدموا عليها، وتقدّموا باعتذار رسميّ عنها للجمعيات المدعية، وللشعب اللبناني ومكونات الأمة جميعاً، ومع إصرار الجهة المدعية على أن يضع القضاء الوطني بالذات، لا القنوات القضائية الدولية، حداً لهذه الأفعال الجرمية المهدّدة للسلم الأهلي و”العيش المشترك”، حتى لا تُضطرّ إلى البحث عن ملاذٍ قانوني خارج بلدها الذي أطلق الرومان على عاصمته لقبَ “أمّ الشرائع”، في زمنٍ ولّى.”
“محكمة” – الخميس في 2019/8/22