شيخ المشايخ النقيب ميشال خطار.. يغادر ولا يموت/ناضر كسبار
ناضر كسبار(نقيب المحامين السابق):
من عينطورين، قضاء زغرتا في الشمال، انطلق الشاب المليء بالحيوية والطموح والنشاط، فنال شهادة الحقوق من جامعة القديس يوسف في بيروت، وتخرج مع مجموعة من رجال القانون ومنهم الرئيسان رينيه معوض والياس سركيس، والمحامون ميشال اده، اوغست باخوس، عثمان الدنا، وانطوان معربس، جان كيرللس، منيف عويدات، ريمون نقاش، رامز سماحة، انطوان قازان، سمير لمع وغيرهم وغيرهم. وانتسب الى نقابة المحامين محامياً متدرجاً، ثم محامياً في الاستئناف. فمارس المحاماة بكل جدية وشفافية ومناقبية، وبقي على عطائه ونضاله مع لباقة وقيافة اين منها قيافة النبلاء العتاق.
قد يكتب الكثيرون عن مزايا النقيب الشيخ ميشال خطار، عن شجاعته وجرأته وعلمه وشفافيته، ومناقبيته، ولكن بالاضافة الى هذه الصفات، كانت الثقافة هي التي تميز مسيرته. فقد كان مثقفاً الى ابعد من الحدود التي يتصورها البعض. تتكلم معه في السياسة، في الزراعة، في الصناعة، في مواضيع تتعلق بالفضيلة، بالاخلاق، بالتراث والعادات، بالديمقراطية، بالعائلة….فتراه يشرح كل ما يتعلق بها مع امثلة.
رافقته الى طرابلس للقيام بواجب عزاء. واثناء مرورنا قرب البحر الذي كان هادئا. قال لي ان السمك لن يتوفر للبيع. وعندما استفسرت منه قال: الليلة مقمرة. فعندما يضرب ضوء القمر على الشباك، تكبر حباله، فتراه الاسماك فتهرب. واضاف انه ربح مرة دعوى بسبب انتشار الخبر بأن البضاعة في الباخرة قد غرقت بسبب الامواج. فاستحصل على تقرير من مرصد الاحوال الجوية بأن الطقس كان عادياً ولا عواصف او امواج. وبالتالي فإن البضائع قد سُرقت.
يوم زرناه النقيب فادي المصري وشقيقي المحامي الياس كسبار، والمحامي ايلي بازرلي، في دارته في بعبدات، وكان قد بلغ الماية عام وعام، كان يقرأ كتاباً بالفرنسية مؤلفاً من خمسماية صفحة. وناقشنا في مضمونه. وكان يردد ان الفضيلة اساس كل شيء. فمن لديه ايمان مثل حبة الخردل لا بد من ان يصنع العجائب. داخل كل إنسان شيء من الله. الإنسان صورة الله ومثاله. كما ان الكتب موجودة في كل مكان، نقرأها ونتعلم ونتثقف. اما الاخلاق فلا نستطيع قراءتها.
وكان النقيب خطار ينتقد من يطلقون الاشاعات فيقول: الإشاعة مثل النميمة لا يمكن ان يضبطها احد، وان نابليون كان يقول بأنه يستطيع اي شيء إلا لجم ألسنة الناس. فالنميمة تشبه وضع كومة من الحجارة تفرغ في داخلها المياه فلا يمكن إعادة سحبها.
كان النقيب خطار يحب نقابته، نقابة المحامين في بيروت، التي ولدت قبل إعلان لبنان الكبير. وتضم اعظم الفقهاء ورجال القانون في لبنان والمنطقة.
ويقول ان نقابة بيروت هي من اعرق النقابات واكثرها اهمية وتضم آلاف المحامين، في حين ان بعض النقابات في دول العام لا تضم اكثر من عدة محامين. وفي هذا المجال يقول انه التقى مرة نقيب محامي منطقة في سويسرا، وابدى اهتماماً شديداً به. فقال له النقيب السويسري: خفف عنك يا صديقي، فنحن لسنا سوى ثمانية محامين بمن فيهم انا.
Ne vous emballez pas me. Khattar nous ne sommes que huit y compris moi mëme
يوم ترشح لمنصب نقيب المحامين قال امام زملائه: اذا لم استطع ان احقق ما اطمح اليه في النقابة، فإني افضل ان افشل في الانتخابات ولا اكون نقيباً فاشلاً.
كان النقيب خطار مؤمناً بالله وبوجوده. ويروي ان احد العلماء حضر الى بغداد. فركض الناس لاستقباله ما عدا واحدة استفسرت عن سبب استقباله. فقيل لها: لان العالم لديه 100 حجة على وجود الله فأجابت سائليها: لن استقبله لانه لو لم يكن عنده 100 شك بوجود الله لما كان فتش عن 100 حجة على وجوده.
وساعد ايمان النقيب خطار على تخطيه فاجعة فقدان إبنه المحامي الواعد المرحوم نعوم، الذي خطفه الموت وهو في عز شبابه. وهو الذي كان يقول ان الإبن هو اعز مخلوق عند الوالد. وكان يخبر ان احدهم حضر امام احد اصدقائه وقال له ان والده قد توفي فأجابه: لقد حزنت كثيراً.
وجاءه من يقول له ان شقيقه قد توفى فأجابه: لقد انقطع ظهري.
وجاءه من يقول له ان إبنه قد توفي، فصرخ: لقد دفنت حياً.
النقيب خطار مات حزيناً. فهو عاش العصر الذهبي للمحاماة وللقضاء وللقانون. اما اليوم فنعيش العصر السيء بعد ان انتهكت القوانين وباتت استثناء.
وان ننسى فلن ننسى وقوف زوجته السيدة جاكلين الى جانبه طوال فترة زواجهما، كما لا ننسى موافقة إبنه نجيب المهندس اللامع، الذي وافق بعد وفاة شقيقه المرحوم نعوم، على دراسة القانون وزوجته المحامية جيهان فأصبحا محاميين لامعين يكملان رسالة النقيب المهنية بكل شفافية وجدية.
كلمة اخيرة: ايها النقيب الخال الحبيب. انت من كنت تقول ان العمر لا يتوالى لدينا. ونحن المحامون نعيش ولا نموت بل نغادر الدنيا واقفين، لأنّ رسالتنا منذ اقدم العصور وحتى اليوم والى الابد، كانت الوقوف حتى الرمق الاخير في وجه الظلم والطغيان واستلاب الحقوق فردية كانت ام عامة.
اتمنى ان تلاقي عند ربك ما لم تلاقيه على الارض من وفاء ومحبة ووئام. رحمك الله.
“محكمة” – الجمعة في 2024/4/5