صلاح الدين الدبّاغ.. سنذكرك كلّما ذكرنا فلسطين/جاد طعمه
المحامي جاد طعمه:
يبدأ العام ٢٠٢٠ موجعاً .. خبر وفاة قامة علمية وقانونية مثل الدكتور صلاح الدين الدبّاغ لا يمكنه أن يمرّ مروراً ناعماً في ذهن من عرفوه .. فنحن نعيش في زمن الإنحطاط وندرة القامات .. ومن يرحل اليوم من خامة رجال القانون الذين يجسدون المثل والمثال لا يمكن تعويضهم.
الدكتور صلاح الدين الدبّاغ كان وبكلّ فخر أستاذي في الجامعة اللبنانية .. من سعة فقهه نهلت معرفة معمّقة في القانون التجاري .. لم يكن أستاذاً عادياً فقد كانت حصصه تجمع في آن معاً رغبته بنقل المعرفة القانونية كما صهر فكر كلّ طالب بتجارب حياتية واقعية.
الدكتور صلاح الدين الدبّاغ من القلّة الذين حافظوا على نظرة الإحترام والتأمّل التي يحملها كلّ طالب تجاه أستاذه .. ففي خضم التجربة العملية في مهنة المحاماة منذ ١٨ عاماً حتى الآن سقطت هالة الكثير من الأساتذة للأسف.
صلاح الدين الدبّاغ الشاب كان محّباً للمغامرة، فقد حدّثنا عن رغبته باكتشاف البورصة وآلية عملها واقعياً في مطلع شبابه .. مدّخراً خمسماية دولار أميركي في ذلك الوقت .. ربح منها في بعض الأوقات إلى أن خسرها بالكامل .. كان يوّجههنا بأن الشاب لن يتعلّم إلاّ من تجاربه الخاصة لكن عليه دوماً أن يستمع لنصائح من يكبرونه سناً .. فيعطينا هامشاً مطلوباً من حقّ اتخاذ القرارات ويلفتنا إلى ضرورة الإستماع إلى النصح العقلاني.
صلاح الدين الدبّاغ المحامي كان يوّجهنا بالقول .. إيّاكم وإعطاء النصح القانوني للموكّل بمخالفة القانون. فكلفة مخالفة القانون تفوق بأضعاف الكلف المفترضة لتطبيقه .. كنا نتناقش وتحديداً في حياة الشركات التجارية وتشاطر البعض بإعطاء النصح القانوني بالتهرّب الضريبي.
وقد شاء القدر أن أكون على تماس مع الدكتور صلاح الدين الدبّاغ عاشق فلسطين حتّى الولع المطلق .. من خلال مشاركاتي في مؤتمرات المنتدى القومي العربي كما من خلال العلاقة المشتركة مع عائلة وزير المال الفلسطيني السابق محمّد زهدي النشاشيبي.
هنا اكتشفت صلاح الدين الدبّاغ المناضل الشرس المحزون لحال العربان .. المتألّم لضياع فلسطين ما بين الخذلان والجهل في عالمنا العربي .. لكنّ المثقّف صلاح الدين الدبّاغ كان يعطي فلسطين الأولوية رغم مشاغله التي لا تنتهي .. لا تستطيع أن تكون قريباً من صلاح الدين الدبّاغ ولا يترك في شخصيتك أثراً واضحاً من حبّ فلسطين، كما وتحميلك المسؤولية كنخبوي لإبقاء قضيّة الصراع العربي-الصهيوني حاضراً في وجدانك وضمن أولوياتك.
رحل الدكتور صلاح الدين الدبّاغ الذي زرع في نفسي حبّ الإجتهاد ليفتخر بي كطالب من طلاّبه .. أظنّه كان راضياً عمّا آلت إليه أموري مهنياً .. ولن أنسى ضحكته العريضة حين علم أنّي ارتبطت بفلسطينية وبادرته بالقول لقد صاهرت القضيّة.
ثمّة غصّة ودمعة طبعاً وأنا أسطّر الكلام الأخير لقامة رحلت .. فليرأف بنا العام ٢٠٢٠ فأوجاعنا كبيرة ووجداننا بات لا يحتمل الكثير من الصدمات.
“محكمة” – الجمعة في 2020/1/10