عدالة فاطمة جوني و”طعجات” جعجع وخطورة “القضاء الساكت”/علي الموسوي
كتب علي الموسوي
لا يجوز أن يسكت مجلس القضاء الأعلى والنائب العام التمييزي إزاء الكلام الصادر عن رئيس حزب “القوّات اللبنانية” سمير جعجع بحقّ القاضي فاطمة جوني لإصدارها حكماً قانونياً في نزاعه مع بيار الضاهر حول ملكية تلفزيون “LBCI”، ذلك أنّ كيل الاتهامات بهذه الطريقة يتضمّن خطراً على القضاء والعدالة، وهو رسالة مكشوفة ومسبقة لمنع القضاء من التصدّي للفساد، إذ إنّ سياسياً لم يتقبّل نتيجة حكم لم يصدر لمصلحته، أنّى له أن يتقبّل فكرة تصدّي القضاء لمكافحة الفساد المستشري في طول البلاد وعرضها؟
وإذا لم يصدر مجلس القضاء الأعلى موقفاً صريحاً من كلام جعجع وتطاوله على القاضي جوني، واتهامه لها “بطعجات سياسية” تنمّ عن إسفاف في التعبير، وإذا لم يتحرّك النائب العام التمييزي ليردّ كلامياً على الأقلّ، وهو أمر لن يحصل، فهذا يعني وجود مشكلة كبيرة في القضاء يفترض معالجتها بالشكل المناسب من أجل صون القضاء نفسه قبل أيّ أمر آخر.
وبالمناسبة، لقد سبق لمجلس القضاء أن أصدر بيانات عديدة عندما تهجّم سياسيون على رئيسه القاضي جان فهد، وعلى قضاة آخرين مثل غادة عون ورياض أبو غيدا في مناسبات مختلفة، ولم ينتظر طلوع فجر اليوم التالي ليردّ، بل أصدر بياناته ليلاً وهي مؤرشفة وموثّقة وموجودة، فلماذا لم يبادر مجلس القضاء إلى إصدار بيان مماثل؟ أليس أهلُ القضاء أولى بالمساواة بين بعضهم لكي يتمكّنوا من إحقاق الحقّ بالشكل القانوني المناسب؟ وهل هناك قضاة “بسمنة” وآخرون “بزيت”؟ أليس القضاة أجدر بحماية أهل البيت القضائي نفسه؟ وإذا لم يجد القاضي المسؤولين القضائيين واقفين إلى جانبه وهو المحكوم عليه بعقوبة “موجب التحفّظ” الظالمة فلمن يلجأ ليستردّ حقّه، أو على الأقلّ ليحمي نفسه؟
إنّ مجلس القضاء أمام امتحان جديد، وهو لجميع القضاة والاستقالة من هذه المهمّة مردودة شكلاً، والخشية من هذا السياسي أو ذاك، تعني استحالة الوصول يوماً ما إلى استقلالية السلطة القضائية.
ولا يجوز ترسيخ مصطلح جديد في التصنيفات المستخدمة لتوصيف القضاء بين “قضاء واقف” و”قضاء حكم”، ولا يجوز أن يصبح هناك “قضاء ساكت”، وهو بالمناسبة أوهن المواقف، لا بل أضعف الإيمان بالعدالة الحقّة.
لقد قالت فاطمة جوني كلمتها وأصدرت حكمها للتاريخ وهي مرتاحة الضمير، بغضّ النظر عن صحّة أو عدم صحّة ما ارتضته من نتيجة لهذا النزاع، وهذا يستحقّ قراءة قانونية في متن الحكم بعيداً عن الانفعالات والعواطف، وليخرس كلّ شخص وكلّ سياسي وكلّ متطاول لا يعجبه حكم قضائي صدر بعكس تمنّياته، وما دامت هناك طرق للمراجعة والطعن استئنافاً وتمييزاً فليلزم خطّ القانون، لأنّ كيل الشتائم لن يجلب إلاّ شتائم بالمقابل، ومن غير المقبول التهويل على أيّ قاض ذكراً كان أم أنثى، كما أنّه من غير المقبول ممارسة أسلوب ميليشياوي مع أيّ قاض، أو في مقاربة أيّ حكم قضائي، وهذا الزمن ولّى إلى غير رجعة، وإنْ حصل وسكت أهل العدل، فالسلام على العدالة في لبنان.
“محكمة” – الجمعة في 2019/3/1