عدم توافر شروط الدفاع المشروع وإدانة المتهم وإلزامه بالتعويض/ناضر كسبار
المحامي ناضر كسبار:
بحثت محكمة الجنايات في جبل لبنان – الغرفة العاشرة – والمؤلفة من القضاة الرئيس محمد بدران والمستشارين نضال الشاعر وشادي قردوحي مسألة ما اذا كان الدفاع المشروع متوفراً في الدعوى، فاعتبرت انه في ضوء معطيات الملف الثابتة ان شروط الدفاع المشروع غير متحققة لعدم تناسب ردة الفعل مع الفعل. وان عمله يؤلف الجناية المنصوص عليها في المادة 547 عقوبات على ان يستفيد من العذر المخفف.
كما بحثت المحكمة في دعوى الحق الشخصي فاعتبرت انه يحق لكل من تضرر مادياً او معنوياً من جريمة قتل ان يتخذ صفة الادعاء الشخصي بمعزل عن كونه وريثاً ام لا.
ومما جاء في القرار الصادر بتاريخ 2018/4/27
ثالثاً: في القانون
حيث احيل المتهم ر. امام هذه المحكمة ليحاكم بجناية المادة 548 من قانون العقوبات وجنحة المادة 72 من قانون الاسلحة.
وحيث ثابت بما تقدم من وقائع وادلة، لاسيما افادة المتهم ر. المتماسكة والتي لم تتبدل في مراحل التحقيق كافة، ان ثمة مشاكل زوجية بين ن. ابنة الاخير والمغدور زوجها ب.، وان الاخير كان يكره المتهم ر. ويضمر له الشر وبلغ به الامر الى حد التهديد بقتله، وانه بتاريخ 2016/9/22 وبعد خروج المغدور من منزل ن. زوجته على اثر مشادة كلامية حصلت بينهما بحضور شقيقه ج. شاهد المتهم ر. يجلس في مركبته المركونة في باحة ترابية مقابل البناء، فتوقف بسيارته بشكل استفزازي في وسط الطريق، ونزل منها وتوجه مباشرة نحو المتهم ر. الذي لم يحرك ساكناً، مفتعلاً حركات مشينة بأصبع يده الاوسط “بعصة” في وقت بدت على وجهه علامات الغضب وهو الذي كان قد توعد امام صديقة زوجته بأنه سوف يقتل المتهم ر. فتناول حجراً ورماه نحو زجاج الباب الامامي الايسر، الامر الذي ادى الى تحطيمه، وقد ترافق ذلك مع اطلاق المتهم ر. لطلقة نارية من مسدسه الحربي الموجود في سيارته منذ زمن نحو اسفل الباب الامامي الايسر لحمل المغدور على المغادرة، غير ان الاخير لم يتراجع وحاول مجدداً ضرب المتهم ر. بعد ان ادخل جزءاً من رأسه مع القسم العلوي من جسمه داخل نافذة باب السيارة المحطمة، فأطلق عندها المتهم ر. عياراً آخر اصاب المغدور فيه على مستوى فروة رأسه من اعلى الى اسفل، ما ادى الى وفاته على الفور.
وحيث ان المتهم يدلي بتحقق عناصر الدفاع المشروع عن النفس المنصوص عليها في المادة 184 من قانون العقوبات، والا بوجوب تطبيق احكام المادة 252 من قانون العقوبات.
وحيث بالنسبة الى الدفاع المشروع، فإنه يستفاد من احكام المادة 184 من قانون العقوبات انه لتحقق شروطه يقتضي حصول اعتداء غير محق وغير مثار يهدد النفس او المال على نحو مداهم وحال لا يسمح باللجوء الى الوسائل المشروعة لمواجهته وصده، وان يكون فعل الدفاع موجهاً نحو المعتدي بهدف وقف اعتدائه وموازياً في جسامته لخطورة التعدي.
يراجع تمييز جزائي، قرار رقم 41 تاريخ 2016/2/4، منشور على موقع www.lebaneselaws,com
وحيث ان المحكمة ترى في ضوء معطيات الملف الثابتة، ان شروط الدفاع المشروع غير متحققة لعدم تناسب ردة الفعل مع الفعل.
وحيث ان عذر الاستفزاز المنصوص عليه في المادة 252 من قانون العقوبات يفترض لتوافر شروط تطبيقه، صدور عمل ايجابي عن الضحية يكون غير محق، اي مخالف للقانون، وان يتسم الفعل المذكور بخطورة كافية لتبرير ردة فعل الفاعل، وهذا الشرط يفترض قيام توازن بين مدى خطورة الفعل الصادر عن المستفز، وبين ردة فعل الفاعل الذي استهدفه الاستفزاز، وان تحصل ردة الفعل المذكورة تحت وطأة ثورة من الغضب الشديد تنتاب الفاعل بحيث تفقده السيطرة على نفسه.
يراجع تمميز جزائي، قرار رقم 159 تاريخ 2015/4/21، منشور على موقع www.lebaneselaws.com
وحيث ثابت بعد الوقوف على معطيات القضية، ان حقداً دفيناً دفع بالمغدور ب. الى ايقاف سيارته في وسط الطريق بعد انطلاقه بها والنزول منها بطريقة استفزازية، وهذا الحقد ثابت من خلال محتوى التسجيل الحاصل للمحادثة بين ن. والمغدور ب.، بحيث ان الاخير كان قد اطلق التهديد والوعيد بحق المتهم ر. واطلق على مسامع الشاهدة المذكورة الشتائم بحقه والكلمات التي تنم عن احتقاره له، فضلاً عن تحميله مسؤولية ما آلت اليه علاقته الزوجية مع زوجته ن.
وحيث ثابت ايضاً توجه المغدور ب. نحو المتهم ر. الذي كان جالساً بشكل سلمي في سيارته، وافتعاله حركات مشينة بأصبع يده الاوسط “بعصة” وحمله حجراً يزن حوالي الكيلوغرامين ورميه نحو زجاج الباب الامامي الايسر لسيارة المتهم ر. وتحطيمه، مع ما يفترض، وكأي اشكال، ان يكون رافق هذه الافعال من شتائم وكلام نابٍ.
وحيث ثبت ان المتهم ر. اطلق عياراً نارياً باتجاه اسفل الباب لحمل المغدور على التراجع والمغادرة، غير ان المغدور ب. لم يرتدع واكمل هجومه على المتهم ر. عبر ادخال رأسه ويديه في نافذة الباب المحطمة لايذائه او ربما لقتله، ما استدعى ردة فعل من المتهم ر. حماية لنفسه تمثلت بإطلاقه طلقة نارية اخرى نحو الاعلى فأصابت المغدور ب.
وحيث في ضوء هذه الثوابت، ترى المحكمة ان المتهم ر.، الذي ناهز الاربعة وسبعين عاماً من العمر بتاريخ حصول الحادث، وقع في ذعر وخوف وارتباك وغضب بفعل الخطر الداهم الذي تعرض له، وان هذه الحالة النفسية دفعته الى اطلاق النار على المهاجم لردعه عنه ومنعه من ايذائه او ربما قتله، مايجعل من شروط العذر المخفف المنصوص عليها في المادة 252 من قانون العقوبات متحققة، في الحالة الراهنة.
وحيث يكون فعل المتهم ر. ابان ارتكابه فعله الجرمي، رداً على عمل المغدور ب. الاستفزازي والعدواني، على النحو المبين اعلاه، مؤلفاً للجناية المنصوص عليها في المادة 547 من قانون العقوبات، على ان يستفيد من العذر المخفف المنصوص عليه في المادتين 251 و 252 من قانون العقوبات لجهة العقوبة.
وحيث ان فعله لجهة حيازته مسدساً حربياً غير مرخص يشكل الجنحة المنصوص والمعاقب عليها في المادة 72 من قانون الاسلحة، ويقتضي ادانته بمقتضاها.
وحيث تأسيساً على ما تقدم، ترى المحكمة رد طلب المتهم لجهة منحه الاسباب التخفيفية.
ب- في دعوى الحق الشخصي
حيث ان المدعي ج. بصفته الشخصية وبصفته قيماً على القاصرين ا. وا.، يطلب الزام المتهم ر. بالتعويض عليه شخصياً عن العطل والضرر اللاحق به بمبلغ لا يقل عن ماية الف دولار اميركي، وبالتعويض على كل من القاصرين عن العطل والضرر اللاحق بهم من جراء قتل مورثهم بمبلغ لا يقل عن ثلاثماية الف دولار اميركي، في حين ان المدعية ب. تطلب الزام المتهم المذكور بالتعويض عليها عن العطل والضرر اللاحق بها بمبلغ لا يقل عن الماية الف دولار اميركي.
وحيث انه، وقبل البحث في مدى توجب التعويضات لكل من افراد الجهة المدعية، لا بد من التأكيد على ان المادة 7 من قانون أ.م.م. اعطت الحق لكل متضرر من جرم جزائي بالادعاء واتخاذ صفة الادعاء الشخصي بحق من يعتبره مرتكباً للفعل الذي نتج عنه الضرر، دون ان تحصر هذا الحق بورثة التوفي دون غيره، فضلاً عن ان المادة 7 المذكورة اجازت لكل متضرر حق الانضمام الى الدعوى العامة لاول مرة امام محكمة الجنايات.
وحيث ان الاجتهاد والفقه استقرا على اعتبار انه يحق لكل من تضرر مادياً او معنوياً من جريمة قتل ان يتخذ صفة الادعاء الشخصي بمعزل عن كونه وريثاً ام لا، طالما ان التعويض في الاصل لا يدخل في الذمة المالية للمغدور ليقال انه يشترط في طالب التعويض ان يكون وريثاً، ما يستوجب معه رد ادلاءات المتهم ر. المخالفة لهذه الجهة.
وحيث ان المحامي ج. وكيل المتهم ر.، يطلب نيابة عن ن. رد مطالبة القيم ج. الآيلة الى التعويض على القاصرين اولاد المغدور ب.، غير ان هذه الادلاءات والطلبات مردودة شكلاً في ضوء ان المدعوة ن. ليست فريقاً في الدعوى الحاضرة، وفي ظل ان المحامي ج. لا يمثلها قانوناً في الدعوى الحاضرة لاسيما وانها لم تتخذ صفة الادعاء الشخصي بحق والدها المتهم.
وحيث على سبيل الاستفاضة في البحث، فإنه لا يسع ن. ابنة المتهم ووالدة القاصرين ا. وا. الاعتراض وطلب رد مطالبة القيم ج. بإلزام المتهم ر. بالتعويض على القاصرين بمبالغ مالية، طالما ان القرار الصادر عن الغرفة الابتدائية في جديدة المتن بتاريخ 2016/10/20 قد عينها وعين ج. قيمين بالانفراد على اموال القاصرين ورخص للقيم بالادعاء، مع الاشارة الى ان التعويض عن وفاة مورث القاصرين يدخل في صلب حماية مصالح هؤلاء ويعد امراً نافعاً محضاً.
وحيث بالعودة الى مسألة تقدير التعويضات المتوجبة، فإنه لا بد من الاشارة الى انه لا يمكن لاي شخص ان يقدر حياة الانسان، والتي تسمو على كل ما هو مادي، بمبلغ من المال او بأية قيمة مادية اخرى، وان مجرد فقدان شخص ما في ظروف كتلك المعروضة في السياق اعلاه يشكل خسارة جسيمة لا يمكن التعويض عنها، غير ان المحكمة، بالمقابل، عندما تقضي بمبالغ مالية للتعويض عن العطل والضرر الناجم عن فقدان احد الاشخاص، فإنها لا تكون بوضعية تقييم قيمة الحياة الفعلية للمتوفى التي هي فوق كل تعامل تجاري، بل تقدر المبلغ الذي يمكن ان يشكل جبراً للخواطر ويؤلف مساهمة متواضعة في مساعدة ذوي المتوفي على تخطي المصاب الاليم الذي حل بهم.
وحيث ان المحكمة، وفي ضوء ظروف القضية، وبعد الوقوف على سلوك المغدور ب. الاستفزازي والعدواني بحق المتهم، والذي كان سبباً للاشكال الذي اودى بحياته، وبعد الاخذ بعين الاعتبار علاقة القربى التي تربط المتهم ر. بالمغدور ب.، وبعد ثبوت ان المتهم ر. كان السند المعنوي والمادي لعائلة المغدور ب. لاسيما لاولاده القاصرين، كما هو ثابت في معطيات الملف، وفي ضوء عمر المتهم ر. ترى المحكمة التعويض على كل من القاصرين ا. وا. بمبلغ خمسين مليون ليرة لبنانية يلزم المتهم بدفعها.
وحيث ان ضرراً معنوياً ونفسياً لا شك لحق بالمدعيين ب. من جراء فقدان المغدور ب.، غير انه لا محيد عن الاشارة الى ان سلوك ب. المشار اليه اعلاه، دفع به الى الانجرار وراء حقده والهجوم على المتهم ر. وانه لولا هذا السلوك العدواني لما كانت الجريمة قد وقعت، وان المحكمة ترى في ضوء هذه الثوابت والمعطيات الزام المتهم بأن يدفع لكل من ب. وج. مبلغ خمسة عشر مليون ليرة لبنانية.
وحيث انه في ضوء النتيجة المنتهى اليها فإنه يقتضي رد الاسباب والطلبات الزائدة او المخالفة إما لكونها لاقت رداً ضمنياً عليها في سياق التعليل وإما لعدم الجدوى من بحثها.
لذلك
وبعد سماع ممثل النيابة العامة،
تحكم بالاجماع بما يأتي:
1- تجريم المتهم ر. المبينة كامل هويته آنفاً، بجناية المادة 547 من قانون العقوبات وانزال عقوبة الاشغال الشاقة بحقه لمدة سنتين ونصف السنة عملاً باحكام المادتين 251 و 252 من القانون عينه، وادانته بجنحة المادة 71 من قانون الاسلحة وحبسه ستة اشهر، وادغام هاتين العقوبتين سنداً للمادة 205 من قانون العقوبات بحيث لا تنفذ بحقه سوى العقوبة الاشد، اي العقوبة الجنائية، على ان تحسب له مدة توقيفه الفعلي.
2- الزام المتهم ر. بالتعويض على كل من القاصرين ا. وا. ور. ، بمبلغ خمسين مليون ليرة لبنانية، وبالتعويض على كل من المدعيين ج. وب. بمبلغ خمسة عشر مليون ليرة لبنانية.
3- مصادرة المسدس الحربي نوع سميث اند وسن المبينة اوصافه في متن باب الوقائع مع الطلقات الاربعة الصالحة للاستعمال عملاً بالمادة 98 من قانون العقوبات.
4- تضمين المتهم الرسوم والمصاريف كافة، وردّ كلّ ما زاد او خالف من اسباب ومطالب.
حكماً وجاهياً بحق الجهة المدعية والمتهم ر.
صدر وافهم علناً في بعبدا بحضور ممثل النيابة العامة بتاريخ 2018/4/27.
“محكمة”- الأربعاء في 2019/5/8