أبحاث ودراساتأبرز الأخبارميديا

عدم منح الأمّ اللبنانية الجنسيّة لأولادها:إنتهاك لحقوق الأمّ والطفل معًا!/إسراء زين الدين

إسراء زين الدين:
تنصّ المادّة السّابعة من الدّستور اللّبناني على مبدأ المساواة بين المواطنين أمام القانون ويتمتّعون بالسواء بالحقوق المدنية و السياسية. إلّا أنّه على أرض الواقع لا نجد هذه المساواة وخاصة بما يتعلّق بحقوق المرأة. ومن أبرز هذه الحقوق هي الجنسية وبشكل أدقّ عدم قدرة المرأة اللبنانية المتزوّجة من أجنبي على منح جنسيّتها له ولأولادها وهو الامر الذي طالب به الأمهات اللّبنانيّات ومنظّمات المجتمع المدني والحملات الوطنية مثل “جنسيتي حقّ لي ولأسرتي”،” جنسيتي إلي وإلهن”،”جنسيتي كرامتي”،”جنسيتي حقّ لي ولأولادي”.
هنا لا بدّ من الإشارة إلى التمييز بين التجنيس ومنح المرأة الجنسية لزوجها وأولادها، وأحد أهمّ أشكال التمييز هو أنّ التجنيس قد يُمنح لشخص أمُّه ليست لبنانية.
وقانون الجنسية يُنظّم العلاقة بين الفرد والدولة من حيث كيفيّة الحصول على الجنسيّة ونقلها وفقدانها.
وكانت قوانين الجنسية ولا زالت، في غالبية الدول، تمنع المرأة من منح جنسيّتها على غرار الرجل. ومن هذه الدول لبنان حيث لا يزال قانون الجنسية الصادر عام 1925 والمعدّل عام 1960 هو الذّي يرعى مسألة الجنسية بحيث نصّ على أنّه يُعدّ لبنانيًّا مَن وُلد من أب لبناني، وهو بذلك حصر نقل الجنسية للأولاد بالأب، وذلك على الرّغم من مصادقة لبنان على اتفاقية سيداو الصادرة عام 1979 والتي تهدف إلى القضاء على جميع أشكال التمييز ضدّ المرأة في جميع الميادين السياسية والإجتماعية والإقتصادية.
ما يعنينا من هذه الإتّفاقيّة هي المادة التاسعة التي تحفّظ عليها لبنان والتي تنصّ على أنّه “تمنح الدول الأطراف المرأة حقًّا متساويًا لحقّ الرجل في ما يتعلّق بجنسيّة أطفالها” وذلك بالإضافة إلى اتّفاقيّة الطفل 1989 المادة 7 التي تقول: “يسجّل الطّفل بعد ولادته فورًا ويكون له الحقّ منذ ولادته في اسم واكتساب جنسية”. ويظهر أنّ الجنسية لم تحَدَّد بجنسية الأب فقط وهذا ما نصّ عليه أيضًا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في العام 1948 في المادة 15 منه حيث ورد أنّه “لكلّ فرد حقّ التّمتّع بجنسيّة ما”.
اللافت للنظر بشكل كبير هو التمييز بين الأمّ اللّبنانيّة الأصل والأمّ التي اكتسبت الجنسيّة اللّبنانيّة بعد سنة من تسجيل زواجها من لبناني والتي يمكن أن تمنح الجنسية اللّبنانيّة المُكتسبة لأولادها الأجانب من زواج سابق. إلّا أنّ الحالة الوحيدة التي يمكن فيها للأمّ منح جنسيتها اللّبنانية لأولادها هي حالة الولد غير الشرعي بشرط ألّا يكون الأب معلومًا.
أمّا بالنسبة للأسباب وراء هذا المنع فهي الخوف من التوطين والخوف من تغيير التّوزيع الطّائفي والدّيمغرافي في لبنان.
لا يمكن الحديث عن هذا الموضوع دون ذكر آثاره على الأولاد وأخطرها انعدام الجنسية حينما لا يكون بمقدور الأبناء الحصول على الجنسية من آبائهم بسبب أنّ الأب عديم الجنسية، أو أنّ قوانين بلد الأب لا تمنح الجنسية في ظروف محدّدة كأنْ يولد الإبن خارج الدولة وغيرها من الأسباب. بالإضافة إلى معاناة أخرى في قطاع التعليم والصحّة والعمل وحقوق الملكية… وآخرها كان عند توزيع المساعدات على عائلات تلاميذ المدارس الرسمية بحيث تمّ استثناء أولاد اللّبنانيّات من أب أجنبي. وبالتالي فإنّ الأولاد هم المتضرّرون مباشرة من الأمر، فهُم يولدون ويكبرون ويتعلّمون في لبنان دون أن يشعروا بالإنتماء الكامل له بسبب عدم حصولهم على الجنسية. لكلّ هذه الأسباب نادت “هيومن رايتس ووتش” بأن يقوم لبنان بتعديل قانون الجنسية.
لا يمكن إنكار محاولات المحاكم في إعطاء الأولاد جنسية الأمّ للتخفيف من المعاناة، وفي هذا السياق وفي 27 شباط من العام 1995 تجرأت المحكمة الابتدائية في الشمال برئاسة القاضي نبيل صاري على القول بحقّ الأمّ المتوفّى زوجها الأجنبي بقيد أولادها القاصرين على خانتها وبالتالي منحهم الجنسية اللبنانية، وهذا ما فعلته هي في حكمها الصادر بالإجماع، واستجابت لطلب الأمّ وأجازت لها قيد أولادها الثلاثة في سجّلها الرسمي المحفوظ لدى دائرة القيد المعنية، إلاّ أنّه تمّ استئنافه، ولم تتمكّن الأمّ من منح جنسيتها لأولادها.
والأمر نفسه حصل بعد صدور حكم عن محكمة الدرجة الأولى في جديدة المتن برئاسة القاضي جون القزي قضى بإعطاء الجنسية لأولاد لبنانية متزوّجة من أجنبي وذلك بعد وفاته، وتعرّض للإستئناف بحجّة عدم إمكانية تجاوز النصّ وتمّ فسخه.
لا بدّ أخيرًا من تعداد بعض الدول العربية الّتي عدّلت قوانين الجنسية وأعطت الأمّ الحقّ بمنح جنسيّتها لأولادها ومنها مصر والعراق وتونس والجزائر وغيرها.
على أمل أن يتعدّل قانون الجنسية اللّبناني ليُعطي المرأة حقوقها مع الشروط اللازمة التي تؤمّن لها الحماية من أيّ استغلال من أجنبي من أجل الحصول فقط على الجنسيّة اللّبنانيّة.
المراجع:
-حرمان أبناء اللّبنانية من المساعدات، “جنسيتي حقّ لي ولأسرتي”، المدن، 2020/4/22.
– منح الجنسية لأبناء اللّبنانيّة المتزوّجة من أجنبي ليس تجنيسًا، مجلّة العرب، 2019/6/1.
– ما يجب أن تعرفه عن الجنسية وواقعها في لبنان،maharat-news.com، 2018/7/6.
– لبنان قانون الجنسية تمييزي،HRW، 2018/10/3.
– ورقة معلومات حول المساواة بين الجنسين وقوانين الجنسية وانعدام الجنسية 2014، المفوّضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين UNHCR،WWW.UNHCR.org
– الدول التي منحت المرأة حقّ إعطاء الجنسيّة لأبنائها، القدس العربي، 2014/5/31.
– قانون الجنسية 1925.
– قرار جريء لمحكمة بداية الشمال بمنح أولاد اللبنانية المتزوّجة من أجنبي الجنسية اللبنانية، علي الموسوي، مجلّة “محكمة”، 8-3-2019.(النسخة الورقية من مجلّة “محكمة” – العدد 44 – آب 2019).
– محكمة البداية تنقلب على الاجتهادات القضائية: منح أولاد المواطنة المتزوّجة من أجنبي الجنسية اللبنانية. علي الموسوي، جريدة “السفير”، حزيران 2009.

Révision du droit de la nationalité au Liban:l’égalité ne se compartimente pas,Ghadir El Alayli,L’OLJ,30/3/2018

“محكمة” – الأحد في 2020/12/27

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!