عصام كرم وجاد طعمه:
هو التشريف الثاني لي، خلال شهر من الزمن، ولعلّ للتكليف الثاني، جرعة معنوية إضافية، لأنّه يشكّل دليلاً على نجاحي في التكليف الأوّل، على أمل ألاّ يأتي الثالث إلاّ مكلّلاً بحضور الأصيل معافى.
للوقفة اليوم أثر مزدوج.
الأثر الأوّل، هو في إلقاء كلمة النقيب عصام كرم في “بيت المحامي”، وهو القامة النقابية العابقة بالثقافة والأدب، وهو الذي لم يفارقه يوماً همّ البيت النقابي، تماماً كما همً الشأن العام.
أمّا الأثر الثاني، فهو في التحدّث في احتفالية المناضل الملهم جورج عبد الله الذي رفض أن يساوم على مبادئه، فيتخلّى عن إيمانه بالقضيّة مقابل حرّيته، وكأنّ المتغطرّس مهما علا وظلم يبقى يعيش عقدة النقص أمام المناضل، فيحتاج دوماً لكسره ومحاولة إحباطه، وكأنّ قدر كلّ متعلّق بقضيّة، أن يتعرّض لطعنتين، مرّة في صدره من العدوّ، ومرّات في ظهره ومن الخلف، من أولئك الذين تخاذلوا وباعوا وإشتروا وقسّموا وانقسموا وتاجروا بنضالهم مقابل ثمن بخس.
والنقيب عصام كرم الذي يمتثل للشفاء، حمّلني كلمته ومنها أقتبس ما حرفيته:
“أنا لست شيوعياً. ولكنّي لست مستعدّاً أن أرى حقّاً يُهدَر لأنّ صاحبه شيوعي.
ألشيوعيون حاضرون، اليوم؟ هذا شأنهم. شأني أنا، المحامي، المواطن الحرّ، الإنسان، أن أُندّد بكلّ توقيف غير شرعي وبكلّ مرجعية تسمح لنفسها بحجز حرّية إنسان، وهو الكائن المزيج من إنسان وحرّية.
وذهبت إلى الآباء. فقال لي كتّاب شرعة حقوق الإنسان في 1789 … من روسّو إلى مونتسكيو إلى ورثتهم، مثل إيمانويل كانط ، إنّ الحقّ والقانون ينظّمان المجتمع. هذان المفهومان من المطلَقات الأساس حتّى لا تأثير فيهما لـ الخُلُقية، ولا لـ السياسة .
إيماننا بالقانون راعياً للأفراد والمؤسّسات والدول يوصلنا إلى أنّ النظام والأمن يؤسّسان لمجتمع أكثر عدالة. مجتمع لا تفسده الأنانية … فرديّة أو جماعيّة.
على هذا يتلاقى القانون الوضعي والقانون الطبيعي. وتصقل الخُلُقيات المجتمع المدني الذي تحدّث عنه هيغيل… فتقوم شِرْكة وُثقى بين الخلقية والعدل .
وجود الدولة في هذا الإطار المبدئي … وجودها بما هي دولة … هو أوّل داع إلى محاسبتها في ظلّ تجمُّع مفاهيم الواقعية العلمية والرؤية الفلسفية والقانون الطبيعي.
في هذا الباب … باب الدولة والقانون الوضعي والقانون الطبيعي … أسأل الدولة الفرنسية، بمواجهةٍ مباشرة، لماذا لا يزال جورج عبد الله موقوفاً؟ ما هي الأحكام التي أنزلها به القضاء وألزمه تنفيذها؟
أسأل وأنتظر جواباً: لماذا ما يزال جورج عبد الله في زنزانة التوقيف الفرنسي؟
إذا كان جورج عبد الله ما يزال تحت تنفيذ عقوبة أنزلها به القضاء … عقوبة قضائية، أُكرّر … وفقاً للقانون، فنريد أن نعرف ما هي. وإلاّ … كان على الدولة الفرنسية أن تفتح باب الحرّية لـ جورج ابراهيم عبد الله!
أقول هذا بالحماسة العفوية لأنّي لا أتصوّر فرنسا جان دارك. فرنسا نابوليون. فرنسا كليمنصو. فرنسا ديغول… لا أتصوّرها تعود إلى زمن “الرسائل المختومة” بخاتم الملكيـــــة المستبدّة تحلِّل المحرَّم وتستبيح المصون les lettres de cachet .
لا فرنسا الفرنسيّة تقبل هذا. ولا فرنسا الأُوروبية. ولا فرنسا الكوزموبوليتية .
وأصل إلى السؤال الأخير. ألسؤال المهمّ: هل جورج عبد الله معتقل في السجون الفرنسية تنفيذاً لعقوبة أنزلها به القضاء الفرنسي؟
هذا السؤال موجّه إلى القضاء في فرنسا … نيابةً عامة وقضاء جالساً.
نريد جواباً عن هذا السؤال .
حتّى إذا لم يأتنا الجواب المقنع يكون على قضاء فرنسا أن يفتح باب الحرّية لـ جورج ابراهيم عبد الله!
لأنّ هذا حقٌّ وعدل.”
*ألقيت هذه الكلمة في اللقاء الحقوقي التضامني مع قضيّة جورج ابراهيم عبدالله الذي نُظّم في “بيت المحامي” في بيروت من أجل المطالبة بحرّيته بعد استمرار احتجازه في فرنسا خلافاً للقانون.
“محكمة” – الأربعاء في 2019/7/3