علّقوا المشانق.. لقد استفحل الإجرام
كتب علي الموسوي
.. باختصار علّقوا المشانق وليبلّط الاتحاد الأوروبي البحر!
فالشباب اللبناني الذي يُقتل على الطرقات وبلا رحمة، وبلا هوادة، ليس أقلّ قيمة من أبناء الغرب، وإذا كان الإعدام هو الطريق الأمثل لاستباب الأمن والأمان، ولتخفيف الجرائم وفي مقدّمتها القتل المتعمّد، فليكن هذا الإعدام وتنفيذ الأحكام الصادرة عن القضاء، والأمر لا يحتمل تنظيراً من هنا، وفلسفة من هناك، ومرويات عن ضغوطات خارجية، إذ يكفي أن يشعر اللبناني بأنّه خارج من منزله بحثاً عن لقمة عيشه أو للترفيه عن ضغوطات الحياة، من دون أن يعترض طريقه زعران منتشرون كيفما اتفق، وبلا رادع أخلاقي وإنساني وقانوني، وهذا وحده كفيل بالإستقرار، لكن أن يعود إلى عائلته جثّة هامدة ويُترك الجاني يسرح ويمرح، أو يُوقف سنوات معدودات، ثمّ يخرج سواء بعد تمضية محكوميته، أو بموجب عفو خاص أو عام، فهذا ما لا تقبل به، لا الأديان السماوية، ولا القوانين الوضعية، ولا الطينة الإنسانية المجبولة أساساً على حبّ الخير.
علّقوا المشانق.. فقد بلغ الأذى حدّاً لا يحتمل معه البقاء على أرض الوطن، فهل تريدون تهجير الشباب لإحلال آخرين مكانهم بدلاً من التمسك بهم للنهوض بالوطن وهم عماد بقائه على خارطة العالم.
علّقوا المشانق.. قبل أن يتمادى الإجرام في غيّه ولا يعود بالإمكان السيطرة عليه.
علّقوا المشانق.. وكفّوا عن بيانات النواح والتباكي، فدماء الأمّهات أغلى من كلّ محاولات التذاكي..
علّقوا المشانق.. فالأمن الإجتماعي فوق كلّ اعتبار.. علّقوها لكبح جماح الجنون والتهوّر والتسلّط وعربدة الثار..
علّقوا المشانق لوقف هدر الدماء، ولمنع عودة الثارات، أو إرغام اللبنانيين على الثأر لقتلاهم واللجوء إلى هذه الطريقة القديمة والتي أثبتت على مرّ السنوات، أنّها من دون جدوى، والشاهد الحيّ الأكثر قرباً ما حصل في بلدة رياق البقاعية في شهر 7 حزيران 2017 عندما أقدم كلّ من حمزة وعلي وصادق زعيتر على قتل اسماعيل علي زعيتر بعد أيّام قليلة على خروجه من السجن منهياً محكوميته البالغة أحد عشر عاماً أشغالاً شاقة، والتي جاءت نتيجة إقدامه قبل أربعة عشر عاماً على قتل شقيقهم. لم يؤمن هؤلاء بعدالة القضاء، وبالمدّة الزمنية التي قضاها القاتل المقتول خلف قضبان السجن، فلجأوا إلى ردّ اعتبارهم بأيديهم مرتكبين جريمة ثانية، فهل المراد تعويض الجريمة بجريمة مماثلة؟. إذن علّقوا المشانق ولتكن السلطات الرسمية هي المنفّذة لا العقلية العشائرية والعائلية، فالمسألة تتعلّق بهيبة الدولة أيضاً، ولا تحتمل التهاون والتغاضي والنسيان.
علّقوا المشانق وأبيحوا إعدام القاتل، والقانون نافذٌ ولا يحتاج إلاّ إلى وضعه تحت نار سريعة لمنع تمادي الإجرام، وثمّة أحكام صادرة لا يعوزها سوى استصدار مراسيم التنفيذ وتوقيعها من رئيسي الجمهورية والحكومة ووزير العدل، لعلّها تروّض أيّ مجرم محتمل في ظلّ تفشّي السلاح بطريقة لا تتناسب مع مكانة الدولة في عقول أفرادها الطيّبين، على أن تُستتبع بأحكام عادلة من رتبة الإعدام بحقّ القتلة إلى أيّ طائفة انتموا، وبأيّ سياسي احتموا!.
علّقوا المشانق.. فالقضاء الجزائي أساساً، لم يتوقّف عن إصدار أحكام الإعدام، وإنْ كانت ثمّة محاكم فيه تمادت لأسباب مختلفة، في التخلّي عن الإعدام واستبداله بعقوبة الأشغال الشاقة المؤبّدة، أو العشرين سنة، ولكنّ عبارة “الأشغال الشاقة” لفظية وحسب، ولا أشغال ولا شاقة في لبنان إلاّ أنّ الجرائم المتكاثرة من كلّ حدب وصوب هي نفسها الأشغال الشاقة للشعب اللبناني برمّته، لذلك يتوجّب إعادة تحريك عقوبة الإعدام، فدماء روي حاموش، وسارة سليمان، وجورج الريف، و طلال العموري وخليل القطّان، وسلمان خيامي، ونضال الدنف وسواهم تصرخ “وادولتاه” فهل تستجيب الدولة لإنقاذ شعبها من الغرق في لجج الدم والبارود والنار؟.
أمّا المعترضون على عقوبة الإعدام، فيمكنهم أن يسألوا أهالي الضحايا عن ردّة فعلهم، وعن خسارتهم فلذة كبدهم، وليضعوا أنفسهم مكانهم، لا أن ينخرطوا في موجة الاحتجاج العشوائي نزولاً عن “أجندات خارجية” لكي يصبح كلّ لبناني مشروع قتيل في لحظة ما وبناء لإرادة قوّة السلاح المتفلّت والعقل السائح في طيشه وعصبيته.
علّقوا المشانق لكي يرتاح الضحايا في أضرحتهم، ولكي ينعم الأحياء بالإستقرار النفسي وباستباب الأمن، وإلاّ فإنّ الخوف والقلق لن يرحم أحداً، ويؤدّي حتماً إلى تقليص فرص عمل الأدمغة البشرية، ويسرّع الخطى نحو هجرات جماعية إلى دول لا تطبّق عقوبة الإعدام، لكنّها في المقابل، تنعم بالإستقرار وهذا هو المرتجى.
علّقوا المشانق وخفّفوا توزيع رخص السلاح يمنة ويسرة وكيفما اتفق، واحصروها بمن يحتاجها لضرورات عمله، وامنعوها عمن يريدها لـ”لبهورة والعنطزة” واستغلال النفوذ.
علّقوا المشانق ولترتقِ الأحكام القضائية إلى مستوى الجريمة وألاّ تلتفت إلى التدخّلات التي يمكن أن تحصل، أو حالات الاستعطاف، ومواجهة السياسي المتدخّل بجملة واحدة “ما هو موقفك لو كان الضحية إبنك وضناك؟”.
علّقوا المشانق.. ولتكن لجنة العفو المؤلّفة من مجلس القضاء الأعلى، أكثر حزماً في قراراتها، وإذا ما ثبت لديها أنّ أيّ حكم بالإعدام صحيح من الناحية القانونية، فلترسله إلى الجهات المختصة لمباشرة تنفيذه صوناً للدولة وهيبتها، وحماية لكرامات الناس من أن تهدر على الطرقات وبلا سبب إلاّ لأنّ القاتل أراد أن يشبع غريزة القتل لديه، وأن يرضي إبليس دماغه بأنّه فوق القانون وأقوى من النظام.
علّقوا المشانق.. فإمّا أن تكون الدولة للجميع وإمّا لا تكون، والتمييز بين الضحايا بحسب انتماءاتهم الطائفية والمذهبية مرفوض، كما أنّ التمييز في سرعة تحرّك الأجهزة الأمنية والقضائية في المتابعة بين جريمة وأخرى، ليس لمصلحة المواطنة الحقّة، فالعدالة للجميع والدولة للجميع.
علّقوا المشانق لكي ينعم المواطن بالإطمئنان، ولتذهب تدخّلات الدول الكبرى والصغرى أدراج الرياح، وإلى جحيم التغاضي، فأبناؤنا أبناء الحياة وأوْلى بالحياة من سواهم.
علّقوا المشانق “ولكم في القصاص حياةٌ يا أولي الألباب لعلّكم تتقون” (179- سورة البقرة) على ما أوصانا الله في مُحْكم كتابه الكريم.
(نشر في مجلّة “محكمة” – العدد 19 – تموز 2017).