عن فياسكو التحقيق في انفجار المرفأ وبلاهة ورقة إحضار رئيس الوزراء/ محمّد مغربي
المحامي الدكتور محمّد مغربي:
في 26 آب 2021 صدرت عن القاضي المكلّف بوظيفة “محقّق عدلي” في “انفجار المرفأ” ورقة إحضار تكلّف القوى المسلّحة بإحضار رئيس مجلس الوزراء الأستاذ الدكتور حسان دياب إليه قسرًا بصفة مدعى عليه من أجل استماعه واستجوابه بشأن انفجار مرفأ بيروت.
فتسارعت ردود الفعل السياسية على هذا الإجراء الذي تمّ اتخاذه في إطار تحقيق ابتدائي مشكوك في صحّته. إلّا أنّه غفل عن المحتجين أنّ ورقة إحضار الرئيس دياب مخالفة للقـانون بل وبلهاء وتؤلّف ذروة جديدة في فياسكو هائل ومركّب تميّزت به أعمال “المحقّق العدلي” السابق والحالي ومن قبله قـرار مجلس الوزراء برئاسة الرئيس دياب ذاته بإحالة “انفجار المرفأ” إلى المجلس العدلي.
وليس هذا المقال بدفاع عن الرئيس دياب بقدر ما هو دفاع عن المواطن اللبناني الذي كثيرًا ما يتعرّض لأمثال فيـــاسكو “التحقيق العدلي” بل لأفظع منه، وإذا كان يمكن لرئيس الوزراء أن يكون ضحيّة لمثل هذه البلاهة ولهذا الهول فهل يمكن تصوّر ما يمكن أن يقع فيه الإنسان العادي؟
وفي ما يلي ملخّص لبعض الأعمال التي لا يمكن وصفها بأقلّ من كلمة فياسكو.
فياسكو رقم 1:
صدر عن مجلس الوزراء في آخر جلسة له قبل تقديم استقالته قرار تحوّل إلى مرسوم بإحالة “انفجار المرفأ” إلى المجلس العدلي. في حين أنّ الإحالة لا تكون إلّا لدعوى ناشئة عن أفعال جرمية محدّدة وموصوفة في المادة 356 من قانون أصول المحاكمات الجزائية (في ما يلي “أ.م.ج.”) وهي الجرائم الواقعة على أمن الدولة وجرائم الموظّفين المرتبطة بها أو المتفرّعة عنها بمخالفة واجبات المهنة وإساءة استعمال السلطة وسرقة العسكريين للأموال والأعتدة.
ونصّت المادة 355 أ.م.ج. على أنّ ما يحال على المجلس العدلي هو الدعوى لا الحدث. وتأكيدًا لذلك جاء في الفقرة الأخيرة من المادة 356 أ.م.ج. التي تلتها:
“تحال الدعاوى المتعلّقة بهذه الجرائم والتي هي قيد النظر أمام القضائين العسكري والعادي إلى المجلس العدلي الذي تشمل صلاحياته المدنيين والعسكريين على السواء إنفاذًا لمرسوم الإحالة”.
لكن، وبتاريخ قرار ومرسوم الإحالة، فإنّه لم تكن هناك من دعوى قيد النظر تتعلّق بانفجار المرفأ. ولم تكن النيابة العامة الاستئنافية المختصة قد حرّكت الدعوى العامة. وهي لم تقم بتحريكها أبدًا. فيكون مجلس الوزراء قد تلقى نصيحة خاطئة فارتكب أوّل فياسكو.
فياسكو رقم 2
إنّ المرحلة الأولى من كلّ قضيّة جزائية هو قيام قوى الشرطة المختصة، بما فيها وحدة الأدلّة الجنائية، تحت إشراف وإمرة النيابة العامة المختصة، بأعمال الاستقصاء التي تتبيّن منها شبهة حصول فعل جرمي لا بدّ أنّ له فاعلًا. وتعرّف هذه المرحلة باسم “التحقيق الأوّلي”. فجاء في المادة 47 أ.م.ج.:
“يتولّى الضبّاط العدليون، بوصفهم مساعدي النيابة العامة، المهام التي تكلّفهم النيابة العامة فيها استقصاء الجرائم غير المشهودة وجمع المعلومات عنها والقيام بالتحرّيات الرامية إلى كشف فاعليها والمسهمين في ارتكابها وجمع الأدلّة عليهم، بما يسلتزم ذلك من ضبط المواد الجرمية وإجراء كشوفات حسيّة على أماكن وقوع الجرائم ودراسات علمية وتقنية على ما خلّفته من آثار ومعالم…”.
فإذا سقط إنسان من الطابق العاشر إلى الأرض وقضى نحبه فلا بدّ من التثبّت أوّلًا ما إذا كان أصيب بسكتة قلبية أو تعرّض لزلّة قدم أو سقوط الموضع الذي كان يقف عليه المتوفّي بسبب يعود لقدم عهده أو رداءة صنعه. وفي هذه الأحوال يكون هناك حادث لا فعل جرمي ولا فاعل لجريمة. أمّا إذا كان الضحية قد تمّ دفعها للسقوط أو تعرّضت لإطلاق نار أو ضربة بآلة حادة اختلّ معها توازنها فسقطت فيكون هناك فعل جرمي وبالتالي فاعل وجريمة.
أمّا “المحقّق العدلي” فهو قاضي التحقيق ويقوم بالمرحلة الثانية من التحقيق التي تسمّى: التحقيق الابتدائي، ولا يمكنه أو يجوز له أن يقوم بالتحقيق الأوّلي ولا بالتحقيق في حادث لا يؤلّف فعلًا جرميًا وبالتالي ليس بجريمة. بل إنّ التثبّت من وجود فعل جرمي من عدمه يعود للنيابة العامة. فإذا لم يكن في الأمر من فعل جرمي فلا يكون هناك من فاعل أو جريمة، ولا تحرّك النيابة العامة المختصة الدعوى العامة، ولا يعود هناك من دور لقاضي التحقيق أو المحقّق العدلي. وهذا هو الحال الحاضر. فياسكو.
فياسكو رقم 3
ومن جهتها، فإنّ وزيرة العدل عيّنت “محقّقًا عدليًا” دون أن يكون في الملفّ ما يثبت وجود فعل جرمي أو أن يصدر تقرير عن جهة رسمية مكلّفة باستقصاء واقعة انفجار المرفأ يفيد وقوع فعل جرمي والإشتباه إنْ أمكن من ارتكبه. وهذا العمل هو فياسكو كسابقيه.
فياسكو رقم 4
بعد قيام وزيرة العدل “بتعيين” المحقّق العدلي الأوّل ادعى النائب العام التمييزي لديه على مجهول بجريمة ما ولا يعرف ما إذا كانت من الجرائم التي نصّت عليها المادة 356 أ.م.ج. باعتبارها من الجرائم الواقعة على أمن الدولة طالبًا توقيف فاعلها وذلك دون وصف الفعـل الجرمي لأنّ الفعل الجرمي كما توجب المادة 62 أ.م.ج. لم يكن معروفًا له. ولا يزال غير معروف حتّى لحظة كتابة هذا المقال سواء له أو “للمحقّق العدلي”.
وفي ذلك مخالفة فاضحة للقانون! فياسكو.
فياسكو رقم 5
تمنع المادة 59 أ.م.ج. على قاضي التحقيق أن يباشر التحقيق خارج حالة الجريمة المشهودة إلّا بناءً على ادعاء النيابة العامة. لكنّ المادة 60 أ.م.ج. نصّت على ما يلي:
“يضع قاضي التحقيق يده على الدعوى العامة بصورة موضوعية له أن يستجوب بصفة مدعى عليه كلّ مشتبه في ارتكابه الجريمة…”.
ونصّت المادة 362 أ.م.ج. في “باب المجلس العدلي” على أنّ المحقّق العدلي:
“يضع يده على الدعوى بصورة موضوعية. إن أظهر التحقيق وجود مسهم في الجريمة فيستجوبه بصفة مدعى عليه ولو لم يرد اسمه في عداد من ادعــت عليهم النيابة العامة”.
وهاتان المادتان 60 و362 أ.م.ج. هما اللتان استقى منهما المحقّق العدلي زعمًا صلاحية إصدار ورقة إحضار رئيس مجلس الوزراء الأستاذ الدكتور حسان دياب لاستماعه واستجوابه بصفة مدعى عليه في انفجار المرفأ وذلك دون تحديد الفعل الجرمي والمادة في القانون التي تعاقب عليه.
جاء في كتاب الأستاذ الدكتور عاطف النقيب عن أصول المحاكمات الجزائية (ص 499):
“إنّ على قاضي التحقيق أن يضع يده على الجرم المدعى به ليحقّق فيه جمعًا للأدلّة عليه وكشفًا لفاعليه. فإذا اهتدى إلى فاعل له استدعاء واستجوبه بصفة مدعى عليه به وإن لم يكن ادعاء النيابة العامة قد تناوله قبلًا إذ إنّ هذا الإدعاء ينصبّ على الفعل الجرمي فيبقى لقاضي التحقيق أن يكتشف من ارتكبه ليعتبره مدعى عليه فإن اكتشفه استجوبه…
(وهو) يتناول بتحقيقه فعلًا ليعطيه الوصف الذي يتناسب معه وليس جريمة معيّنة بوصف قانوني ثابت لا يسعه أن يحوّر فيه…”.
وإنّ من يقرأ “ورقة الحضور” لا يمكنه إلّا أن يستنتج أنّ المحقّق العدلي “اهتدى” إلى الأستاذ الدكتور الرئيس حسان دياب “واكتشف” أنّه من ارتكب جريمة تفجير المرفأ أو أسهم في ارتكابها، ولهذا فإنّه كلّف القوى العامة بإحضار الرئيس دياب إليه قسرًا لاستماعه واستجوابه بشأنها.
ولا يمكن لمن يقرأ ورقة الحضور ويصدّق ما جاء فيها إلّا أن يتخيّل الأستاذ الدكتور الرئيس دياب مقنّع الوجه ومتسلّلًا إلى حرم مرفأ بيروت تحت جنح الظلام وهو يحمل شنطة تحتوي على أدوات التفجير. فهل يعقل؟ فياسكو.
فياسكو رقم 6
ولو افترضنا جدلًا أنّ كلّ أمر ممّا سبق ذكره صحيح وموافق للقانون، فإنّ مضمون “ورقة الحضور” يخالف الأحكام القانونية الصريحة الواجب التقيّد بها تحت طائلة البطلان وهي ما نصت عليه المواد 107 و147 و149 أ.م.ج.
فقد أوجبت المادة 107 أ.م.ج. أن تتضمّن ورقة دعوة المدعى عليه ومذكّرة إحضاره الصادرتين عن قاضي التحقيق:
– بيانًا بتاريخ صدورها.
– بيانًا بهويّة المدعى عليه.
– وصف الجريمة المسندة إليه.
– المادة القانونية المنطبقة عليها.
كما أوجبت إبلاغ مذكّرة الإحضار إلى المدعى عليه.
أمّا المادة 147 أ.م.ج. وما يليها، فقد تضمّنت أصول تبليغ أوراق الدعوة من المذكّرات والأحكـام والقرارات الصادرة عن القضاء بمن فيه قاضي التحقيق. فأوجبت إصدار وثيقة تبليغ يذكر فيها:
– إسم طالب التبليغ ومأمور التبليغ.
– اسم المطلوب تبليغه وعنوانه.
– الفعل الجرمي موضوع الملاحقة أو التحقيق أو المحاكمة.
– النصّ القانوني الذي يعاقب عليه.
– صفة المطلوب تبليغه (مدعٍ، مدعى عليه، شاهد، إلخ…).
وجاء في المادة 149 أ.م.ج. أنّ على المرجع القضائي، في حال عدم مراعاة إجراء التبليغ، إعلان بطلان التبليغ.
ولكن، وبالإطلاع البسيط على “ورقة الإحضار” يتبيّن أنّها فياسكو لأنّها لا تراعي أبدًا أحكام المواد 107 و147 و149 أ.م.ج. وأهمّها إيجاب أن تتضمّن:
– وصف الجريمة المسندة إلى المدعى عليه، وهو الأستاذ الدكتور الرئيس حسان دياب.
– النصّ القانوني الذي تعاقب عليها.
فياسكو.
فياسكو رقم 7
من الساطع من ورقة الإحضار أنّها غير موجّهة إلى الرئيس دياب بصفته الشخصية، بل بصفته رئيس الحكومة اللبنانية وتحدّد محلّ إقامته بأنّه السراي الحكومي، أيّ أنّها تسند إليه الجريمة غير المذكورة فيها بصفته الرسمية.
كما أنّ الورقة تستند إلى المواد 95 و106 و107 و183 و248 أ.م.ج. فجاء في تلك المواد:
المادة 95: على من أوجب حضوره للإدلاء بشهادته أن يمثل أمام قاضي التحقيق.
المادة 106: يصدر قاضي التحقيق ورقة دعوة للمدعي الشخصي أو المدعى عليه أو الشاهد.
المادة 107: يجب أن تتضمّن ورقة دعوة أو إحضار المدعى عليه وصف الجريمة المسندة إليه والمادة القانونية المنطبقة عليها.
المادة 183: معاقبة الشاهد الذي تخلّف عن الحضور في المحاكمة أمام القاضي المنفرد!
المادة 248: إدارة الجلسات وسماع الشهود أمام محكمة الجنايات!
وإنّ مضمون هذه المواد يؤلّف جزءًا أساسيًا وغير قابل للتجزئة من حقّ الدفاع الذي هو حقّ جوهري من حقوق الإنسان، وبعضها لا يتعلّق بقاضي التحقيق بل بالقاضي المنفرد أو محكمة الجنايات، لكنّ ورقة إحضار الأستاذ الدكتور الرئيس حسان دياب انتهكتها بأجمعها وأغفلتها!
فياسكو ليس بحاجة إلى مزيد من الإيضاح!
فياسكو رقم 8
تجاهل المحقّق العدلي النصّ الصريح للمادة 85 أ.م.ج. وهو:
“إذا إقتضت الدعوى سماع إفادة رئيس الجمهورية أو رئيس مجلس النوّاب أو رئيس مجلس الوزراء فينتقل قاضي التحقيق مع كاتبه إلى مقرّه ويستمع إلى إفادته”.
أيّ أنّ أيًّا من الرؤساء الثلاثة لا يُستحضر قسرًا إلى مقرّ المحقّق العدلي ولا يمثل أمامه، بل يذهب إليه. فياسكو.
فياسكو رقم 9
تجاهل المحقّق العدلي النصوص الصريحة للدستور وأهمّها أنّ رئيس مجلس الوزراء ليس من الوزراء بل يرأس مجلس الوزراء الذي تناط به السلطة التنفيذية عملًا بالمادتين 17 و64 من الدستور، فهو رئيس السلطة التنفيذية إلّا أنّه لا يمارس تلك السلطة بمفرده بل إنّ الذي يمارسها هو مجلس الوزراء مجتمعًا.
فقد تحدّدت صلاحيات رئيس مجلس الوزراء في المادة 64 من الدستور وليس من ضمنها أن يمارس بمفرده أيّة سلطة تنفيذية.
وجاء في المادة 65 من الدستور أنّ القوّات المسلّحة، وهو تعبير يشمل الجيش والقوى الأمنية كافة بما فيها الضابطة الجمركية، تخضع لسلطة مجلس الوزراء ومن صلاحية المجلس:
“السهر على تنفيذ القوانين والأنظمة والإشراف على أعمال كلّ أجهزة الدولة من إدارات ومؤسّسات مدنية وعسكرية وأمنية بلا استثناء”.
أمّا المادة 66 من الدستور، فإنّها نصّت على أن يتولّى الوزراء إدارة مصالح الدولة ويناط بهم تطبيق الأنظمة والقوانين كلّ بما يتعلّق بالأمور العائدة إلى إدارته وما خصّ به، ويتحمّل الوزراء إجماليًا تجاه مجلس النوّاب تبعة سياسة الحكومة العامة ويتحمّلون إفراديًا تبعة أفعالهم الشخصية.
وأخيرًا فإنّ المادة 70 من الدستور أناطت بمجلس النوّاب وحده أن يتهم رئيس مجلس الوزراء والوزراء بإخلالهم بالواجبات المترتّبة عليهم دون أفعالهم الشخصية (خارج إطار الإخلال بالواجبات التي نصّ عليها الدستور في المادة 66 منه التي سبقت الإشارة إليها).
فياسكو!
فياسكو رقم 10
إنّ الوظيفة الأصلية التي عيّن فيها المحقّق العدلي بآخر مرسوم للتعيينات القضائية هي رئيس غرفة إستئنافية في بيروت. وتتولّى هذه الغرفة وظيفة محكمة الجنايات بموجب قرار وزاري بتوزيع الأعمال. وهذه الهيئة هي من المحاكم التي تمارس السلطة القضائية التي نصّت عليها المادة 20 من الدستور.
أمّا القاضي الذي عيّنته وزيرة العدل محقّقًا “عدليًا” فإنّه لا يمارس السلطة القضائية بل هو مجرّد قاضي تحقيق يمارس التحقيق الابتدائي كما جاءت الإشارة إليه أعلاه ولا يجيز له الدستور، بصفته محقّقًا عدليًا، ممارسة سلطة قضائية.
وإنّ ممّا يخلق بلبلة لا مثيل لها في الدنيا أنّ نظام المجلس العدلي لا يتضمّن درجتين للمحاكمة بل درجة وحيدة، ممّا يخالف أبسط القواعد المتفق عليها عالميًا لحماية حقوق الإنسان، وإنّ هذا النظام، الذي جاء النصّ عليه في قانون أصول المحاكمات الجزائية، لا يقيم إجراءات للطعن بقرارات وإعمال المحقّق العدلي الذي تشمل صلاحياته ليس الظنّ فحسب بل الإتهام أيضًا.
لذا فإنّ صلاحيات المجلس العدلي ومحقّقه يجب أن تفسّر تفسيرًا ضيّقًا وفي حال التضارب بينها وبين أحكام المادة 70 من الدستور، فإنّ هذه الأحكام الأخيرة هي التي تطبّق.
وليس المجلس العدلي بهيئة دائمة بل إنّه يبرز إلى حيّز الوجود كلّما قرّر مجلس الوزراء أن يحيل إليه أيّة دعوى من الدعاوى التي هي قيد النظر أمام أحد القضائيين العسكري أو العدلي (المادتان 355 و356 أ.م.ج.) في إحدى الجرائم المعاقب عليها بالمواد التالية التي حدّدت نطاق اختصاص المجلس العدلي:
– المادة 270 ــ 336 من قانون العقوبات وهي التي تؤلّف الباب الأوّل من الكتاب الثاني منه وعنوانه: “الجرائم الواقعة على أمن الدولة” وفيها ومنها الإعتداء على أمن الدولة الخارجي بالخيانة أو دسّ الدسائس أو حمل السلاح في صفوف العدوّ أو شلّ الدفاع الوطني بأيّة وسيلة كانت أو التجسّس أو إيواء جواسيس العدوّ أو النيل من هيبة الدولة في زمن الحروب والإعتداء على أمن الدولة الداخلي ومنها الإعتداء الذي يستهدف تغيير الدستور بطرق غير مشروعة وإثارة العصيان المسلّح ومنع السلطات القائمة من ممارسة وظيفتها المستمدّة من الدستور واغتصاب سلطة سياسية أو مدنية أو عسكرية أو الفتنة بإثارة الحرب الأهلية وترؤس العصابات المسلّحة وارتكاب الأعمال الإرهابية وإثارة النعرات المذهبية أو العنصرية والتجمّعات المسلّحة وكلّ فعل من شأنه إعاقة اللبناني عن ممارسة حقوقه أو واجباته المدنية وتأليف جمعيات الأشرار وعصابات السلب بقوّة السلاح.
– (في شأن صفقات الأسلحة والاعتدة فحسب) المواد 350 – 366 وفيها التماس أو عرض أو قبول الرشوة والإختلاس أو استثمار الوظيفة والمواد 376 ــــ 378 ومنها إقدام الموظّف على مخالفة واجبات مهنته بقصد جلب المنفعة أو الإضرار بالغير وجرائم الموظّفين بإساءة استعمال السلطة، والتزوير، والمادة 138 و140 قضاء عسكري المتعلّقتين بالتزوير والسرقة والإختلاس.
وإنّ مجموع هذه المواد هو 70 مادة تتناول عشرات الأفعال الجرمية المحتملة، فأيّ فعل جرمي يسنده “المحقّق العدلي” أو يرغب في إسناده إلى الأستــاذ الدكتور الرئيس حسّان دياب وعلى أيّة مادة ينطبق؟ لا يوجد! وإنْ وجد فإنّ من حقّ الشعب اللبناني أن يعلم. فياسكو!
فياسكو رقم 11
ليس هناك في الملفّ ما يدلّ على وقوع فعل جرمي يعاقب عليه بإحدى المواد المنوّه عنها أعلاه. فقد شرعت العقوبات لمعاقبة الفاعل وشريكه ومحرّضه على فعل أو عدّة أفعال نشأ عنها ضرر بالأشخاص أو الأموال.
لكنّه لم يتمّ بعد، في ملفّ انفجار المرفأ، تحديد ما إذا كان الإنفجار هو تفجير نتج عن فعل جرمي. ولم يسبق إحالة الملفّ دون الدعوى، لعدم وجودها، إلى المجلس العدلي التوصّل إلى أيّ استنتاج في شأن ما إذا كان هناك من فعل تربطه بالإنفجار علاقة سببية وماهية هذا الفعل وذلك من أجل تمكين التفتيش عن فاعل وشريك أو شركاء له و/أو محرّض عليه.
وإنّ التحقّق من وجود فعل وفاعل هو أمر مادي/فنّي يقوم به اختصاصيون في إطار التحقيق الأوّلي وهو شرط مسبق وضروري ولا يمكن الإستغناء عنه لفتح ملفّ التحقيق الإبتدائي، وفي الحالتين بمبادرة من النيابة العامة، ولا يدخل ضمن اختصاص المحقّق العدلي. وفي المثل الذي سبق أن أعطيته عن سقوط إنسان من الطابق العاشر فإنّه قد يتبيّن من الطبّ الشرعي أنّ سبب السقوط أنّ المتوفّي أصيب بسكتة قلبية ممّا أفقده التوازن وقد تكون الوفاة حصلت قبل السقوط أو بعده. ولا يكون هناك من فعل جرمي. ويكون الحادث من نوع القضاء والقدر.
ولو أنّه اتصل بعلم “المحقق العدلي” أنّ في الأمر فعلًا جرميًا مكتمل الأوصاف، فإنّ هذا العلم لا يمكن إلّا أن يظهر في تقرير فنّي صادر في التحقيق الأوّلي من جهة ذات اختصاص وتتبع إحدى الأجهزة الأمنية التابعة بدورها لوزارة الداخلية. وإن وجد مثل هذا التقرير فإنّ على وزيرة الداخلية نشره ولا سيّما إذا كان الفعل الجرمي بالإعتداء على أمن الدولة الخارجي أو الداخلي منسوبًا إلى رئيس مجلس الوزراء الأستاذ الدكتور الرئيس حسّان دياب. وهو أمر من الخطورة بمكان بحيث يتوجّب على الوزير أن يطلع مجلس الوزراء ومجلس النوّاب، بل والشعب عليه.
وفي غياب مثل هذا التقرير الفنّي، فإنّ ما قام به المحقّق العدلي الحالي والمحقّق العدلي الذي سبقه ومعهما النيابة العامة التمييزية سابق لأوانه وبالطبع، وفي الأصل، للجوء إلى المجلس العدلي من جانب مجلس الوزراء.
ليس ذلك فحسب، بل إنّ جلّ ما حصل منذ قرار مجلس الوزراء بإحالة الإنفجار إلى المجلس العدلي يؤلّف إخلالًا خطيرًا بل ومعتوهًا بالأحكام القانونية الصريحة بلغ ذروته بإصدار ورقة إحضار رئيس المجلس الذي يمارس السلطة التنفيذية، وبالتالي رئيس تلك السلطة الدستورية الأساسية قسرًا.
ولسوف يؤثّر هذا الإختلال بصورة ظالمة وغير قابلة للتبرير على شخص الأستاذ الدكتور حسّان دياب من الآن وإلى الأبد. فإذا تعرّض شخص مثله إلى مثل هذه البلاهة فماذا يمكن أن يحصل للأشخاص العاديين الذي تسحقهم آلة العدالة الظالمة كلّ يوم بانتهاك الأحكام القانونية الصريحة؟
وتحضرني بهذه المناسبة ثلاث قضايا منها قضيتان تعرّض لهما محاميان ذائعا الصيت.
القضيّة الأولى اتهم بها المحامي الكبير الأوّل وهي محاولة تفجير مجلس النوّاب باستعمال قنبلة واشتهرت باسم: قنبلة البرلمان. وقد أدانته بها محكمة الجنايات دون أيّ دليل. فعرض عليه رئيس الجمهورية عفوًا خاصًا. لكن المحامي رفض قبوله وقدّم طلبًا لإعادة المحاكمة وما لبث أن ربح الدعوى ونال البراءة لكنّه خسر زهاء سنة من عمره محجوز الحرّية.
أمّا القضيّة الثانية، فإنّ النيابة العامة ادعت فيها على المحامي الكبير الثاني بجرم انتحال صفة محام ممّا أثار ضجّة دولية ولا سيّما لدى الجمعيات والمنظّمات المعنية بحقوق الإنسان ووصفت كاتبة في جريدة “وال ستريت جورنال” الأمريكية نسبة هذا الجرم إلى المحامي بالمضحك، معتبرة أنّ الجهات السياسية التي كانت تقف وراء الملاحقة هي التي تنتحل صفة حكومة دولة ذات سيـــادة! ومع أنّ مدّة حجز حرّية المحامي كانت ثلاثة أسابيع فإنّ تبرئته من هذا الادعاء الكاذب استغرقت عشر سنوات! أمّا القضيّة الثالثة والأشدّ فظاعة فهي توقيف أربعة من كبار الضبّاط لمدّة أربع سنوات دون محاكمة بمذكّرة أصدرها محقّق عدلي أسند إليهم مجتمعين جريمة اغتيال المرحوم رفيق الحريري ودون أن يتوافر أيّ دليل على علاقة ما لأيّ منهم بتلك الجريمة.
لذا فإنّه يجب وضع حدّ لإعمال البلاهة التي تمارس في إطار النظام القضائي لأنّ وظيفة هذا النظام هي تحقيق العدالة عن طريق إحقاق الحقّ وبإحترام القانون. وهذه أيضًا مهمّة وزير عدل يقرأ القانون ويسهر على حسن تطبيقه وعلى حماية حقوق الإنسان مهما كان شأنه، وسواء كان إنسانًا بسيطًا أو أستاذًا جامعيًا أو محاميًا أو حتّى رئيسًا لمجلس الوزراء.
وإنْ كان في ملفّ المحقّق العدلي من أفعال اعتداء على أمن الدولة الداخلي فإنّها أفعاله.
ولا بدّ من تحميل المسؤولية عن ما حصل ويحصل من إجهاض العدالة والتستّر على الوقائع الصحيحة، بل طمسها وحجبها عن من يجب تحميله لها. وعلى سبيل المثال لا الحصر فإنّه لا يجوز القول إنّ “نترات الامونيوم” نزلت في مرفأ بيروت.
والصحيح أنّها أنزلت فيه بناءً لأمر على عريضة (لا يجوز وصفه بعبارة “قرار قضائي” فإنّه ليس كذلك!) أصدره قاضي العجلة في حينه السيّد جاد معلوف الذي عيّن عليها حارسًا قضائيًا لم يقبل المهمّة وتمّ تنفيذ الأمر بمحضر وضعه كاتبه السيّد زياد شعبان الذي سطّر محضرًا بالمهمّة.
وبتنفيذ هذا الأمر والأوامر اللاحقة له، فإنّ السيّد معلوف تجاهل وتجاوز الأنظمة الجمركية والأمنية التي وضعها القانون للدخول إلى البلد والمرفأ والبقاء فيه. فأبدى المسؤولون عن وفي المرفأ احترامهم للقضاء واعتبروا عن حقّ أو خطأ أنّ القاضي معلوف يضع يده على مسألة الشحنة التي تمّ إدخالها البلاد. وراسلوه في الأمر لكنّه تجاهل مراسلاتهم وردّ عليها بأجوبة وجّهها إلى رئيس هيئة القضايا في وزارة العدل في نوع فريد من حوار الطرشان. لكن هل أنّه كان في وسع السيّد معلوف وانطلاقًا من معلوماته العامة أن يقدّر وجود خطر من الشحنة التي أمر بإدخالها البلاد بحيث كان عليه أن يتخذّ عفوًا التدابير اللازمة للوقاية؟ أبدًا. ولكنّ سلوكه قد يجيز مساءلته تأديبيًا. وكذلك سلوك رئيسة دائرة التنفيذ التي يشاع أنّها رخّصت بإلقاء الحجز الإحتياطي عليها أو على شحنة النترات ممّا خلق حالة قانونية منعت إخراجها من البلاد بإعادة شحنها. وسلوك المحامين الذين طلبوا إلقاء الحجز الإحتياطي. فاعتبر المسؤولون في مرفأ بيروت، عن خطأ وإنْ بحسن نيّة مقرونة بالبلاهة، أنّ الشحنة هي تحت يد القضاء. أيّ قضاء؟!
“محكمة” – الإثنين في 2021/8/30
*حفاظاً على حقوق الملكية الفكرية، يمنع منعاً باتاً على أيّ شخص، طبيعيًا كان أم معنويًا وخصوصًا الإعلامية ودور النشر والمكتبات منها، نسخ أكثر من 20% من مضمون الخبر، مع وجوب ذكر إسم موقع “محكمة” الإلكتروني، وإرفاقه بالرابط التشعّبي للخبر(Hyperlink)، كما يمنع نشر وتبادل أيّ خبر بطريقة الـ”screenshot” ما لم يرفق باسم “محكمة” والإشارة إليها كمصدر، وذلك تحت طائلة الملاحقة القانونية.