عن مرسوم التجنّس.. فلنحافظ على ركن الشعب في الدولة/سامي منصور
القاضي الدكتور سامي منصور(رئيس محكمة التمييز شرفاً):
جزء كبير ممّا وصلنا إليه من اهتراء وسقوط للدولة يرتدّ إلى خطيئتين: العاطفة والمغامرة. هما رمال متحرّكة تبتلع الأخضر واليابس، وقدر اللبنانيين هو أن يبقوا أسرى هاتين الخطيئتين، ولن نتوب.
لقد تردّدت كثيراً في الخوض في موضوع متفجّر في الآونة الأخيرة موضوع التجنّس، وذلك على ضوء الواقع الحالي من تجنيس بعض الأجانب بالجنسية اللبنانية والمنتمين إلى دول معيّنة. كما آليت على نفسي عدم الكتابة في هذا الموضوع على صفحتي على “الفايسبوك”، وقد كتبت فيه الكثير من الدراسات والكتب والدراسات والتعليقات على أحكام قضائية منذ سنة ١٩٨٥ ، وهي منشورة…. ولكنّني وجدت نفسي منقاداً بدافع الانتماء إلى وطن بدّدته العاطفة والمغامرة، إلى إبداء الرأي بعد ما كتب في الموضوع، وهو غزير. وهذه الكتابات والآراء التي نحترمها من أيّ جهة أتت، هي إمّا كتابات إيجابية تتمثّل بانتقاد مرسوم التجنيس ورفضه بالمبدأ بتبريرات عاطفية. وإمّا كتابات سلبية تتمثّل بانتقاد عاطفي أيضاً لعدم اعطاء الأم التي فقدت جنسيتها اللبنانية إثر اقترانها بأجنبي ثمّ استعادت هذه الجنسية بعد انحلال الزواج لأولادها القاصرين.
إنّ الخوض في موضوع التجنّس كالداخل إلى غابة شائكة موحشة، الأفضل تجنّبها. المسألة هي سياسية بامتياز مغلّفة بغطاء قانوني. فالجنسية هي أساساً علاقة سياسية أوّلاً وقانونية ثانياً بين الفرد والدولة، ترتبط بفكرة السيادة وتحدّد ركن الشعب في الدولة، بقواعد تنفرد بوضعها وتنظيمها بسلطة تقديرية، وتتعلّق بالنظام العام في أعلى درجاته ممّا يحتّم تفسير نصوصها تفسيراً ضيّقاً دون أدنى توسّع، فلا يشمل حالات لم يلحظها المشترع. وقد تأكّد هذا الاتجاه في قرارات قضائية ثابتة ودراسات لا تعدّ.
والتجنس، الذي حرّك هذه المشاركة، هو أحد أوجه اكتساب الجنسية اللبنانية، ويعطى بقرار من رئيس الدولة عند توافر الشروط التي نصّت عليها المادة الثالثة من القرار ١٥، قانون الجنسية اللبنانية. والتقدير هو استسابي يمنحها رئيس الدولة بإرادته الفردية وقد لا يمنحها حتّى ولو توافرت شروط اكتسابها.
من هنا خطورة الموضوع. فمن باب السياسة لا من باب القانون، ومن باب الاستنساب لا من باب المساواة، أسمح لنفسي في هذا السياق أن أطرح السؤال التالي:
إنّ هنالك إجماعاً فقهياً حول طبيعة الدولة اللبنانية. فهي من جهة دولة مصدّرة للسكان. من هنا إقران اسم وزارة الخارجية بالمغتربين وإقامة إدارة كاملة لشؤونهم. ومن جهة ثانية هي دولة متعدّدة الأديان والطوائف، والسؤال المطروح هنا، هل أنّ هذه الدولة بتعقيداتها الديموغرافية والدينية هي بحاجة إلى تجنيس أجانب جدد يضافون إلى ما هو موجود، أم بحاجة للتخفيف من عبء ما هو موجود؟
فبعيداً عن العاطفة والمغامرات، يجب أن نحذر كلّ الحذر من أن نقع في بازارات السياسة وفي متاهات العاطفة. لقد دفعنا ثمناً باهظاً حتّى أنّ وجود الدولة أصبح مهدّداً، فهل نعرّض وجود الشعب إلى تهديد مماثل؟
إنّ كلّ توسّع بقوانين الجنسية وإدخال أيّ جديد يضاف إلى اللبنانيين الموجودين بقرار سياسي، مرسوم تجنيس أو منح الأولاد القاصرين للأم التي أستعادت جنسيتها اللبنانية تحت ستار تشبيه الحالة التي نصّت عليها المادة السابعة من قانون الجنسية، وهي حالة استرداد الأمّ للجنسية اللبنانية وفق ما بينا، بالحالة التي نصّت عليها المادة الرابعة من القانون نفسه هو قفز في المجهول.
ففي حالة نصّ المادة السابعة، استعادة الأم لجنسيتها اللبنانية واكتساب أولادها القاصرين حكماً الجنسية اللبنانية، وفي حالة المادة الرابعة تجنّس الأمّ التي كانت أجنبية بالجنسية اللبنانية. في المادة السابعة استرداد الأمّ لجنسيتها اللبنانية، وفي المادة الرابعة هنالك دخول في الجنسية اللبنانية ممن لم يكن لبنانياً، ممّا يعني تبعاً لطبيعة قانون الجنسية العامة وحتمية تفسير نصوصها تفسيراً حصرياً دون توسّع عدم امكانية التوسّع بنصّ المادة الرابعة التي يتناول حالة التجنّس ليشمل الحالة نصّت عليها المادة السابعة المذكور وهي حالة استعادة الجنسية .
فلنحافظ على ركن الشعب في الدولة، ولنبتعد عن كلّ عاطفة وكلّ مغامرة، فليس بالعاطفة ولا بالمغامرات وحدهما تحيا الدولة ويحيا الشعب اللبناني!
“محكمة” – الثلاثاء في 2018/06/05