عون في افتتاح السنة القضائية: لجعل القضاء سلطة منتخبة
“محكمة” – عدلية بيروت:
برعاية الدولة، وتحت عنوان “باسم الشعب تُبنى الدولة”، إستعادت عدلية بيروت، اليوم، “تقليداً سنوياً” كاد يدخل غياهب النسيان، وهو حفل افتتاح السنة القضائية الذي تتذكّره كلّ العهود في البدايات وهذا على الأقلّ ما تحكيه تجارب السنوات الماضية.
وقد فتحت قاعة “الخطى الضائعة” ذراعيها لاحتضان حشد من السياسيين والدبلوماسيين والأمنيين والقضاة والمحامين المدعوين تقدّمهم راعي الحفل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، ورئيس مجلس النوّاب نبيه بري، ورئيس مجلس الوزراء سعد الحريري، والرؤساء السابقين أمين الجميل والعماد ميشال سليمان، وحسين الحسيني، والوزراء سليم جريصاتي، يعقوب الصراف، سيزار أبي خليل، أواديس كيدانيان، طارق الخطيب، ورائد خوري، ورئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي جان فهد وأعضاء المجلس، ورئيس المجلس الدستوري الدكتور عصام سليمان، ورئيس مجلس شورى الدولة القاضي هنري يوسف الخوري، والنائب العام التمييزي القاضي سمير حمود، ورئيس هيئة التفتيش القضائي بركان سعد، ومفوّض الحكومة لدى مجلس”الشورى” القاضي فريال دلول، ورئيس ديوان المحاسبة القاضي أحمد حمدان، ومفوّض الحكومة لديه القاضي فوزي خميس، وقائد الجيش العماد جوزف عون، ونقيبا المحامين في بيروت أنطونيو الهاشم وطرابلس عبدالله الشامي.
النصب التذكاري للقضاة الشهداء
واستهلّ الحفل بإزاحة الستارة عن النصب التذكاري للشهداء القضاة حسن عثمان، وليد هرموش، عماد شهاب، عاصم أبو ضاهر، وقبلان كسبار الذي قضى على يد الدركي فيليب أبو حيدر على باب قصر عدل زحلة في العام 1975. وكتبت على النصب عبارة “وفاء لشهداء العدالة وعهداً على متابعة الرسالة”.
جدايل
وبعد النشيد الوطني، إعتلت المنبر عريفة الحفل الرئيس الأوّل لمحاكم الاستئناف في الجنوب القاضي رلى جدايل محاطة بعدد من القضاة الشباب والصبايا، وقالت:”ها هم قضاة لبنان بالمناقبية يتحصّنون، وبالوفاء لقسمهم يلتزمون، وأحكامهم كلمة حقّ كالسيف القاطع”، وعرض فيلم وثائقي عن بعض إنجازات القضاء العدلي ومطالبه واحتياجاته.
الهاشم: استقلال كلّي
وألقى النقيب الهاشم كلمة نقابتي المحامين في بيروت والشمال، فقال: “بين القضاء والمحاماة نقاط تلاق أهمّها الإستقلال، فهو لدى القضاء الركيزة والقاعدة، والقاضي يخلو إلى نفسه وينفرد بهذا الذي أودعه الربّ أبناءه، عنيت به الضمير، أمّا المحامي، فرسالته لا تكتمل إلاّ إذا أقامها على استقلال كلّي في الرأي والتفكير. وبين هذا وذاك، إستقلال من هنا، واستقلال آخر من هناك، فإذا بنا أنتم ونحن، شركاء في خلق نتاج لا أجمل ولا أبهى، عنيت به الحقّ والعدالة”.
فهد:التشكيلات بالغة الشمول
ورأى القاضي فهد أنّ “القضاء في خضمّ التهيؤ لانطلاقة جديدة حتّمها صدور مناقلات وتشكيلات قضائية بعد تعثر مديد، وقد جاءت بالغة الشمول، وبالغة الجدوى، وملأت فراغات، واستحدثت محاكم ومواقع، ووازنت بين حقوق المناطق، وضخّت في شرايين العدالة طاقات شابة تعقد عليها الآمال، هذا فضلاً عمّا تزخر به قصور العدل من قيم لصيقة بالمُجرّبين والمتقدّمين من قضاتنا”.
واستعرض فهد إحصاء لعمل المحاكم بلغة الأرقام، فقال إنّ “الوارد من قضايا مدنية وجزائية عام 2016 – 2017 بلغ 152234 قضيّة، بينما بلغ المفصول 150157 قضيّة، هذا عدا عمّا نظرته النيابات العامة، وهو كثير، أمام ذلك، وإذا صح ّالحديث أحياناً عن عدالة متأخّرة، فمن المجحف الحديث، هنا وهناك، عن عدالة غائبة”.
وأكّد القاضي فهد أنّ “منتهى ما نصبو إليه هو سلطة قضائية مستقلّة تبلور ما رسمته المواثيق الدولية وما نصّ عليه الدستور، تحاكي الحالة السائدة في الدول الديمقراطية، تضع حدّاً لبلبلة الاختصاصات وتضارب الصلاحيات، تؤازر الدولة وتستجيب لانتظارات الناس. ونحن واثقون بأنّكم في صدارة العاملين على تحقيقها، وواثقون كذلك، بأنّكم، تدعيماً لهذه السلطة، لن تدعوا حقّاً من حقوق القضاة أو مكتسباً من مكتسباتهم أو ضمانة من ضماناتهم تفلت أو تضيع في وابل الطلبات وفي غمرات التشكيك، سواء أكانت متعلّقة بالحفاظ على صندوق تعاضد القضاة وتدعيمه، أم بتصحيح رواتب القضاة، أم بتأهيل دور العدل وتجديدها استيعاباً للقضاة وحفاظاً على المهابة والكرامات”.
جريصاتي:إعتمدت التشكيلات المداورة
وبدأ الوزير جريصاتي بالقول: “فخامة الرئيس، أيّها القاضي الأوّل بقسمك، هؤلاء هم قضاة لبنان، هؤلاء هم قضاتك، فافخر بهم(…)، وبادروا إلى تجديد الدم في شرايين هذه السلطة كي لا يصيبها التكلس والشحوب، في مناقلات عامة إعتمدت مبدأ المداورة الذي طالب به وزير العدل والذي لم يُعمل به منذ زمن بعيد، في حين أنّ هذا المبدأ إنّما هو، إلى جانب المناصفة والإختصاص والجدارة والإستحقاق، من المعايير الأساسية التي يجب أن يراعيها كلّ اقتراح بمناقلة أو تعيين في المواقع العامة، فلا تنشأ، على ضفاف السلطة، محميات طيّعة وعصية على الإصلاح والتجديد”.
وخاطب جريصاتي رئيس مجلس النوّاب نبيه بري: “إشتاقت إليك قاعة “الخطى الضائعة” التي اعتادت عليك يوم كنت محامياً تمارس رسالة المحاماة في الأقلام وقاعات المحاكم، كما استعاد هذا القصر ذكرى إسراعك إليه يوم كنت وزيراً للعدل، في ليلة ليلاء من ليالي الحرب التي قلب صفحاتها ميثاقنا ووفاقنا، كي تطفئ ناراً إشتعلت في مكاتب محكمة التمييز. قضاة لبنان ينتظرون منك اليوم أن تطفىء ناراً أخرى تكاد تقضي على استقلاليتهم وإنصافهم في مجلس النوّاب لإعادة ضماناتهم لهم”.
وتوجّه إلى الحريري بالقول: “الشكر لك لأنّك وقفت في كلّ مقاربة إجرائية لملفّ القضاء، وقفة رجل دولة مسؤول وتجاوزت الاعتبارات السياسية الضيّقة من منطلق أنك رئيس حكومة “إستعادة الثقة” بمشروع إنهاض الدولة”.
“هيك العدل بدو”
ثمّ قدّمت الفنّانة ميا حداد أنشودة “هيك العدل بدو” التي كتب كلماتها الشاعر نزار فرنسيس الذي أطلّ على المنبر تالياً نصّها.
عون: العدالة المتأخّرة ليست بعدالة
وقبل أن يبدأ الرئيس عون كلمته، “أعلن يوم 8 حزيران، يوم استشهاد القضاة الأربعة، يوماً لشهداء القضاء في لبنان”، وقال:”أصبح لزاماً علينا أن نعيد النظر في النظام الذي يرعى مؤسّساتنا القضائية، من خلال مقاربة جديدة تأخذ بعين الاعتبار الشوائب والنواقص والثغرات في قلب النظام القضائي، فنحصّن بذلك استقلاليته ونزاهته، ونعدل في القوانين الإجرائية لنزيد فعاليته. وقد نذهب بالتغيير إلى جعل القضاء سلطة منتخبة فتصبح حكماً سلطة مستقلّة مع استقلال إداري، وهكذا نفصل فعلياً بين السلطات مع وضع التشريعات اللازمة لخلق التوازن في ما بينها”.
وتابع الرئيس عون: “لكنّ هذا التغيير يتطلّب وقتاً، ودونه صعوبات. وبانتظار إتمامه، يجب أن نعي أنّ أيّ تشريع أو تنظيم لا قيمة لهما، ولا يضمنا أيّ عدالة، إن لم يتمتع القيّم على تطبيقهما بصفات مميّزة تحصّنه أخلاقياً، وبكفاءة واستقلالية، وبضمير نيّر يذكّره دائماً بأنّ واجبه هو إحقاق الحقّ، ويمنحه المناعة ضدّ السقوط بالخوف أو بالإغراء”.
وقال عون: “إنْ كان القضاء السليم يقوم على الاستقلالية والنزاهة والكفاءة، فتبقى الحاجة إلى تعديل الكثير من القوانين الإجرائية غير المفيدة، وما أكثرها. وخصوصا تلك التي تطيل المهل بدون حاجة، فتتكدّس الملفّات على الطاولات وفي الخزائن. وبمثل هذه التعديلات نقتصد الوقت ونضمن فعالية أفضل، فلا يتأخّر البتّ في الدعاوى، فالمواطن لا يستطيع أن يفهم كيف لبعض القضايا أن تأخذ سنوات حتّى تصدر أحكام القضاء فيها، كمثل جريمة قتل موثّقة بالصوت والصورة، شهدها العشرات بأمّ العين، ومئات الآلاف عبر الفيديو المصوّر، ومع ذلك، لم تزل في أدراج المحكمة منذ أكثر من سنتين، ولا أحد يعرف متى تنتهي، أو محاكم المطبوعات مثلا حيث الجرم يكون في سطر من مقال موقّع، وتنام فيها الأحكام لسنوات. وغيرها الكثير من القضايا والدعاوى النائمة. فلنتذكّر جميعاً أنّ العدالة المتأخّرة ليست بعدالة، وقد آن الآوان للخروج من هذه المعادلة”.
وختم عون:إنّ القاضي في جوهره هو ضمير واستقامة ومثابرة، قبل أن يكون معرفة قانونية، وإذا ضاع هذا الجوهر سقط القضاء وانتصر القدر، عندها يصحّ فينا القول بأنّنا نعيش قضاء وقدراً”.
سيّدة العدالة اللبنانية
وقدّم القاضي فهد للرئيس عون درعاً تذكارية عبارة عن تمثال سيّدة العدالة اللبنانية مصنوع من خشب الأرز ومن تصميم وتنفيذ النحّات رودي رحمة، وقال: “للعدالة رمزها وللجمهورية كنزها”.
ودعي المسؤولون في القضاء إلى صور تذكارية مع الرؤساء الثلاثة، فنخب المناسبة وقطع قالب حلوى حمل رمز مجلس القضاء الأعلى.
“محكمة” – الجمعة في 2017/10/27.