عويدات يسجّل سابقة قضائية بإقصاء عون بعدما طفح كيل مجلس القضاء منها/علي الموسوي
كتب علي الموسوي:
ما لم يفعله مشروع التشكيلات القضائية الذي خرّ صريعًا على أرض المواجهة غير المتكافئة بين مجلس القضاء الأعلى ووزيرة العدل ماري كلود نجم في ربيع العام 2020، بإبعاد القاضي غادة عون عن مركزها السياسي كممثّل لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون والتيّار الوطني الحرّ على رأس النيابة العامة الإستئنافية في جبل لبنان، فعله رئيسها المباشر في “القضاء الواقف” النائب العام التمييزي القاضي غسّان عويدات بإزاحتها عنه بطريقة شبه مبرمة وبغطاء تام من مجلس القضاء الأعلى الذي شارفت ولاية أعضائه غير الحكميين الثلاثة على الإنتهاء في 20 أيّار 2021.
فالقاضي عويدات لم يكتف بقراره المؤرّخ في 15 نيسان 2021، بإقصاء عون وهي إبنة دورته في القضاء في العام 1981، عن موقع لطالما استبسلت في الدفاع عن حيازتها له بموجب مرسوم التشكيلات القضائية الصادر في 10 تشرين الأوّل 2017 تحت لواء وزير العدل الأسبق سليم جريصاتي وفي السنة الأولى من ولاية “العهد القوي”، بل أوجب عليها تسليم كلّ الملفّات الموجودة لديها والتي كانت تنظر فيها من خلال قيامها بالتحقيقات الأوّلية شخصيًا أو إشرافها عليها، إلى ثلاثة قضاة أقلّ منها في الدرجة يعملون تحت”إمرتها” وبناء على إشارتها وتوجيهاتها!
كما ألزم القاضي عويدات بقراره الحاسم بدلاء عون الثلاثة القضاة سامي صادر وسامر ليشع وطانيوس السغبيني بمخاطبته شخصيًا عند حصول جرائم خطرة، وبأن يلتزموا بتوجيهاته بشأنها، ممّا يعني إلغاء كلّيًا للقاضي عون وكأنّها غير موجودة في الأصل رئيسة للنيابة العامة في جبل لبنان، فضلًا عن أنّه حصر إجراء أيّ تعديل لقرار توزيع الأعمال في دائرة هذه النيابة العامة بموافقته المسبقة ومصادقته عليها قبل الشروع في تنفيذه، قاطعًا بذلك الطريق على أيّ محاولة من عون لإجراء تعديل طفيف أو جذري بقرار توزيع الأعمال أو إعادة الحال إلى ما كان عليه قبل صدور قرار عويدات الإقصائي.
أسبقيات
وتعتبر خطوة عويدات سابقة في تاريخ القضاء لجهة إلغاء دور نائب عام استئنافي وفي محافظة كبيرة، وإنْ حصلت حالات مماثلة في السابق بكفّ يد طاولت محامين عامين استئنافيين في بيروت وجبل لبنان، ومحام عام مالي.
ففي عهد النائب العام التمييزي القاضي عدنان عضوم وفي عهد النائب العام المالي القاضي خليل رحّال في العام 2000، جرى كفّ يد المحامي العام المالي القاضي خالد حمود عن متابعة النظر في سلسلة ملفّات أنيط به أمر التحقيق الأوّلي فيها وتحديدًا ملفّ دقيق أوقف فيه موظّف كبير مقرّب من مرجعية سياسية، بعدما بالغ حمود في الظهور الإعلامي وبالسماح للإعلاميين بمرافقته في عمليات الدهم، ممّا ولّد استياء كبيرًا لدى مجلس القضاء الأعلى في عهد رئيسه القاضي منير حنين الذي جاء ذات يوم مسرعًا من مكتبه في الجناح الشرقي للطابق الرابع في عدلية بيروت وطرد مصوّري وسائل الإعلام المرئية والمكتوبة والوكالات العالمية الموجودين بالقرب من مكتب حمود في الجناح الغربي من الطابق نفسه.
ووصلت مرحلة كفّ اليد إلى حدّ خلع باب مكتب حمود ونقل الملفّات منها، وأُتبعت بإحالة حمود على هيئة التفتيش القضائي.(إستُدعيتُ شاهدًا فرفضت المثول أمام هيئة التفتيش، وهذا ما دفع بوزارة العدل والنيابة العامة التمييزية والتفتيش القضائي إلى التواصل مع مالك جريدة “السفير” الأستاذ طلال سلمان لحثّي على الإدلاء بإفادتي فحضرتُ مكرهًا والتزمت الصمت أمام المفتّش العام القاضي كمال القاضي لأنّ لا سلطة للتفتيش على عملي الصحافي كما أنّ أخلاقياتي المهنية وتربيتي العائلية لا تسمح لي بأن أكون مُخبرًا، مع أنّ تفاصيل القضيّة الواضحة والمثبتة بالصور،لا تحتاج إلى إفادتي وإفادات غيري من المواكبين إعلاميًا آنذاك).
وفي عهد النائب العام التمييزي القاضي حاتم ماضي وتحديدًا في العام 2013، جرى كفّ يد قاضيتين في النيابة العامة الإستئنافية في بيروت!
ولاحقًا جرى كفّ يد قاضية في النيابة العامة الاستئنافية في جبل لبنان!
أسئلة
على أنّ خطوة عويدات تفتح الشهية على أسئلة واستفسارات لا بدّ من قولها وكتابتها بصراحة، فهل تتضمّن هذه الخطوة إشكالية قانونية ما؟
هل يحقّ للنائب العام التمييزي أن يحلّ مكان النائب العام الاستئنافي الذي يرأس دائرته ويوزّع الأعمال الداخلة في اختصاصها بحسب منطوق المادة 12 من قانون أصول المحاكمات الجزائية حيث النصّ واضح لجهة القول:”يرأس كلّ نائب عام دائرته ويوزّع الأعمال الداخلة في اختصاصه على المحامين العامين الذين يعاونونه”؟
وهل يجوز للنائب العام التمييزي بحكم كونه رئيسًا للنيابات العامة الإستئنافية والمالية والعسكرية أن يبادر إلى تقرير آلية توزيع الأعمال في كلّ دائرة من دوائر هذه النيابات باعتبار أنّه يعطي توجيهاته للنوّاب العامين، وهذا ما يخوّله التدخّل في تحديد الأعمال وتسمية قضاة معيّنين لمتابعة هذا النوع من الجرائم أو ذاك؟
وطالما أنّه يحقّ للنائب العام التمييزي بحسب المادة 13 من قانون أصول المحاكمات الجزائية أن يوجّه إلى قضاة النيابة العامة تعليمات خطّية أو شفهية في تسيير دعوى الحقّ العام مع احتفاظهم بحرّية الكلام في جلسات المحاكمة، فهل يعطيه ذلك الحقّ في التدخّل بعمل إداري كتوزيع الأعمال المنوط حصرًا بالنائب العام الإستئنافي؟
وطالما أنّه يحقّ للنائب العام التمييزي بحكم القانون وتحديدًا المادة 13 أ.م.ج. أن يعطي النائب العام الاستئنافي تعليمات خطّية في تسيير دعاوى الحقّ العام، فهل يجوز له في الوقت نفسه أن يبادر إلى كفّ يد النائب العام الإستئنافي؟
وإذا كان النائب العام الإستئنافي معيّنًا في مركزه بموجب مرسوم تشكيلات قضائية، فهل يحقّ لقرار صادر عن النائب العام التمييزي أن يكفّ يده وأن يلغي دوره إلى درجة اعتباره غير موجود فيه في الأصل؟
القاضي عون لـ”محكمة”: أوعزوا بمقاطعتي لمنعي من ملاحقة سياسيين بالإثراء غير المشروع
سلسلة مواجهات
إنّ احتدام المواجهة بين القاضيين عويدات وعون ليس جديدًا وليس ابن ساعته على الإطلاق، وهذه هي المرّة الثانية التي يتخذ فيها عويدات مثل هذا القرار العلني بحقّ القاضي عون بعد مرّة أولى في تشرين الأول 2019 حيث تفرّدت يومها “محكمة” بخبر تناقلته وسائل الإعلام عنها. وحدثت “مناوشات” في غير ملفّ وانفجرت الأمور بينهما على ممارسة الصلاحيات إثر إصدار عويدات أوّل تعميم له في منصب نائب عام تمييزي وذلك يوم الإثنين الواقع فيه 23 أيلول 2019 حيث طلب من النوّاب العامين الإستئنافيين والنائب العام المالي ومفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية الدائمة “تصحيح المسار القضائي لجهة التداخل والتضارب في الصلاحيات المستمرّ منذ سنين واتخاذ الإجراءات اللازمة التي تحقّق إشرافه على أعمال النيابة العامة(…) تنفيذًا لأحكام القانون وحسن سير العدالة”. كان مضمون هذا التعميم موجّهًا يومذاك إلى الثلاثي غادة عون وعلي ابراهيم وبيتر جرمانوس.
“تكليف شرعي”
وإن صدر القرار عن عويدات من منطلق ترؤسه للنيابات العامة وسلطته القانونية عليها، إلاّ أنّه جاء بناء على “تكليف شرعي” من مجلس القضاء الأعلى خلال اجتماعه يوم الثلاثاء الواقع فيه 13 نيسان 2021 حيث نوقشت حالة عون بعد تراكم الشكاوى ضدّها حتّى “طفح الكيل”. كما كلّف مجلس القضاء أيضًا رئيس هيئة التفتيش القضائي بركان سعد بتحريك الشكاوى المقدّمة أمامه ضدّ عون.
وحَصْرُ عويدات “العمل السابق” للقاضي عون بثلاثة قضاة في النيابة العامة الاستئنافية من الطائفة المارونية أيّ ذات طائفة عون، هو”ضربة معلّم” وإن كان يُشهد للقاضي عويدات أنّه ينبذ اللغة الطائفية كلامًا وتصرّفًا، كما أنّ رئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود ماروني، وبالتالي لا يمكن لأحد من خارج العدلية أن يرسم خطوطًا طائفية حمراء.
وأحلّ القاضي عويدات القاضي سامي صادر مكان عون للنظر في جرائم الاتجار بالمخدّرات وترويجها، والقاضي سامر ليشع لمتابعة الجرائم المالية الهامة، وكلّف القاضي طانيوس السغبيني بجرائم القتل. وهؤلاء الثلاثة هم الأعلى درجة بين زملائهم في النيابة العامة الإستئنافية في جبل لبنان، فالقاضي صادر في الدرجة 17(دورة 1996)، والقاضي ليشع في الدرجة 15(دورة 1999)، والقاضي السغبيني في الدرجة 14(دورة 2001) ويتساوى مع زميلته وبنت طائفته المحامي العام الإستئنافي في جبل لبنان القاضي كارمن غالب.
ماذا جاء حرفيًا في قرار عويدات؟
نحن غسّان منيف عويدات النائب العام لدى محكمة التمييز،
بعد الإطلاع على قراري توزيع الأعمال الصادرين عن النائب العام لدى محكمة استئناف جبل لبنان،
ولمّا كانت المادة 12 من قانون أصول المحاكمات الجزائية توجب على كلّ نائب عام توزيع الأعمال الداخلة في اختصاصه على المحامين العامين الذين يعاونونه،
ولمّا كان قرار توزيع الأعمال في دوائر النيابات العامة الاستئنافية هو قرار إداري وللنائب العام لدى محكمة التمييز حقّ تعديله وفقًا للصلاحيات المنوطة به في المادتين 13 من قانون أصول المحاكمات الجزائية و31 من المرسوم الاشتراعي رقم 83/150(قانون القضاء العدلي)،
ولمّا كان يقتضي تعديل قرار توزيع الأعمال للمحافظة على حسن إقامة دعاوى الحقّ العام وتسييرها وفقًا للجدول التالي على أن تبقى سائر الأعمال الباقية موزّعة بين قضاة الدائرة وفقًا لقرار النائب العام لدى محكمة استئناف جبل لبنان
• نوع القضيّة: جرائم الإتجار بالمخدّرات وترويجها. القاضي المكلّف بها سامي صادر.
• الجرائم المالية الهامة: القاضي سامر ليشع.
• جرائم القتل: القاضي طانيوس السغبيني.
يقتضي على جميع قضاة النيابة العامة في جبل لبنان بمن فيهم النائب العام لديها، إحالة ملفّات الجرائم غير المشهودة التي لا تزال قيد النظر لدى النيابة العامة إلى القضاة المذكورة أسماؤهم أعلاه، كلّ بحسب الإختصاص المحدّد له أعلاه، خلال مهلة خمسة أيّام من تاريخ إبلاغه نسخة عن هذا القرار.
يقتضي على كلّ من القضاة المذكورة أسماؤهم أعلاه، أن يبلغوا النائب العام لدى محكمة التمييز عن الجرائم الخطرة قيد النظر لديهم وأن يتقيّدوا بتوجّهاته في شأنها سندًا لأحكام المادة 16 من قانون أصول المحاكمات الجزائية،
في حال الخلاف على تحديد موضوع أيّ قضيّة، يتمّ رفع الأمر إلى النائب العام لدى محكمة التمييز ليتمّ اتخاذ القرار المناسب فيها،
يقتضي على جميع الأجهزة الأمنية بصفتها ضابطة عدلية مساعدة التقيّد بأحكام هذا القرار، ويلغى أيّ قرار مخالف له،
يخضع أيّ تعديل لقرارات توزيع الأعمال بين القضاة في دائرة النيابة العامة الاستئنافية في جبل لبنان لتصديق النائب العام لدى محكمة التمييز بصورة تسبق نفاذه،
يعمل بهذا القرار فور صدوره، ويبلّغ حيث تدعو الحاجة.”
وقد جرى تبليغ هذا القرار إلى كلّ من: وزارات العدل والدفاع الوطني والداخلية والبلديات، مجلس القضاء الأعلى، هيئة التفتيش القضائي، النيابة العامة الاستئنافية في جبل لبنان، قيادة الجيش اللبناني، المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، المديرية العامة للأمن العام، المديرية العامة لأمن الدولة، المديرية العامة للجمارك.
“محكمة” – الجمعة في 2021/4/16
*حفاظاً على حقوق الملكية الفكرية، يمنع منعاً باتاً على أيّ شخص، طبيعيًا كان أم معنويًا وخصوصًا الإعلامية منها، نسخ أكثر من 20% من مضمون الخبر، مع وجوب ذكر إسم موقع “محكمة” الإلكتروني، وإرفاقه بالرابط التشعّبي للخبر(Hyperlink)، كما يمنع نشر وتبادل أيّ خبر بطريقة الـ”screenshot” ما لم يرفق باسم “محكمة” والإشارة إليها كمصدر، وذلك تحت طائلة الملاحقة القانونية.