غادة عون مجدّداً تخالف تعاميم مجلس القضاء: شو يعني أنا شر…!/علي الموسوي
كتب علي الموسوي:
صبّر الله قلْبَيْ سهيل عبود وغسّان عويدات على الحرج الذي تواظب غادة عون على ممارسته جهاراً نهاراً وأمام الملأ وعلى شاشات التلفزيونات، وفي تصريحاتها الصحافية، وفي ترجماتها وشروحاتها للمفردات اللغوية العامية والفصيحة منها على حدّ سواء، وعلى خرقها المستمرّ لموجب التحفّظ، غير آبهة بتعاميم مجلس القضاء ورقابة هيئة التفتيش القضائي.
ولا شكّ أنّ غادة عون هي القاضي الأكثر جدلاً في الجمهورية اللبنانية في العام 2019 سواء من حيث القرارات التي اتخذتها وفيها الكثير من المخالفات والمغالطات القانونية، أو من حيث التصرّفات مع رئيسها المباشر أو زملائها القضاة في جبل لبنان، أو من حيث التهويل على الصحفيين وعلى “محكمة”* تحديداً.
وهي تستحقّ أن يطلق عليها “إمرأة العام” قضائياً، إذ إنّ أفعالها الحميدة غطّت على احتفالية محكمة التمييز بمرور مائة عام على إطلاقها،
وتفوّقت على قرارات إحالة قضاة على المحاكمة التأديبية، وكان لها النصيب الوافر في إمداد التفتيش القضائي بالمعلومات والتحقيقات الأوّلية مع السماسرة القدامى والجدد وإنْ تأرجحت بين الصحّ والخطأ كما يستشفّ من مضامين القرارات التأديبية.
كما أنّ المكتب الإعلامي لمجلس القضاء الأعلى أصدر بيانات تتعلّق بالقاضي غادة عون ونقل فيها موقفها ووجهات نظرها المتعدّدة من الحدث المُحْكى عنه، تبزّ بكثير كلّ البيانات التي أصدرها منذ إنشائه قبل سنوات قليلة، حتّى بدا وكأنّ هذا المكتب ناطق باسمها، أو يعمل لديها، دون سائر القضاة.
وطبعاً لم تكن عون بحاجة ماسة إلى معرفة “أخبار برجها” ليلة رأس السنة وعند وداع العام 2018 واستقبال العام 2019، ولم تكن تنتظر تكهّنات جماعة التبصير والشعوذة، لأنّها واثقة من خطواتها “وتمشي ملكاً”، وهي التي خبرت العمل القضائي منذ دخولها إلى الجسم أو السلك أو السلطة القضائية في العام 1981، مسجّلة مسيرة متأرجحة نجحت في بعضها، وأخفقت في بعضها الآخر سواء عندما كانت مستشارة في الهيئة الاتهامية في بيروت، أو مستشارة في محكمة الجنايات في بيروت، أو مستشارة في محكمة المطبوعات في بيروت، أو مستشارة في محكمة التمييز، أو رئيسة لمحكمة الجنايات في البقاع، وصولاً إلى مركز النائب العام الاستئنافي في جبل لبنان.
إمرأة حديدية غادة عون بحكم المركز الموجودة فيه، ووجود أكثر من مليوني لبناني يرزحون تحت رحمتها في جبل لبنان، وبفعل الدعم السياسي الذي تلاقيه، فما ان تثير ضجّة ما نتيجة عمل أو كلام ما تتلفّظه، حتّى يُوْعَز لوزراء ونوّاب التيّار الوطني الحرّ للدفاع عنها وإطلاق تصريحات وكتابة تغريدات لم يألفها قاض في حياته ولم يسبق للعدلية أن سمعت مثلها، فماذا تراهم يقولون في تفسيرها الواضح والصريح والشفّاف لعبارة “كرخانة” التي قالها في وجهها هادي حبيش في أوج غضبه على توقيف نسيبته هدى سلوم، من أنّه يعني أنّها “شرموطة”!
ولا يسع اللبنانيين إلاّ أن يشكروا الله أنّ أولادهم الصغار كانوا يغطّون في نوم عميق مع أنّ اليوم التالي هو يوم عطلة مدرسية، عند تلفّظ عون بما قالته وكرّرته، وإلاّ لصدموا بالشرح النابي والكافي والسهل الممتنع الذي صدر عن قاض يفترض أنّه مثال يحتذى ونموذج حيّ عن صورة العدالة المشرقة.
لقد فاجأت النائب العام الاستئنافي في جبل لبنان القاضي غادة عون “شعب لبنان العظيم” بإطلالة هاتفية ضمن برنامج “يوميات ثورة” المباشر على تلفزيون”الجديد” مساء يوم الجمعة الواقع فيه 13 كانون الأوّل 2019، من دون أن تنال إذناً من وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال القاضي المتقاعد ألبرت سرحان وهو زميلها في “الإنتماء السياسي”، ومن دون أن تهاتف رئيسها المباشر في النيابة العامة القاضي غسّان عويدات، وهي استعجلت الردّ والتعقيب والتوضيح حتّى وقعت في المحظور الكلامي، وكان بإمكانها تدارك هذا الموقف، خصوصاً وأنّها هي من بادرت إلى الاتصال هاتفياً.
فماذا قالت عون حرفياً؟
“ما بدي ادخل بموضوع القرار القضائي(بخصوص إعادة توقيف هدى سلوم) بس أنا تعرّضت لتجريح غير مسبوق، ومش صحيح اللي ورد ع لسان النقيب(الوزير السابق رشيد درباس ضيف البرنامج نفسه أيضاً) مع اني بحترمو وبعرفو من اكتر من عشرين سنة. أنا وقت اللي فات ع مكتبي(تقصد هادي حبيش) استقبلتو بكلّ تهذيب وبكلّ احترام ومنّي عارفة كنت مين.. قلت لهم نايب خليه يفوت. وصل وبلّش يصرّخ ويرفع صوتو.. يرفع صوتو. قلو يا حضرة النايب وطّي صوتك هلأ بفسّرلك ويرفع صوتو.. بالآخر قلي انت فاتحة كرخانة.. يعني انا sorry شرموطة ما تواخذيني ع هالكلمة. شو بدك قلو؟ ما أقلّ شي قلو انو وقح.. يا عيب الشوم. يعني لهون وصل.. انا طلعت من تيابي مع انو ما لازم احكي.. بس هيدا الشي مش مقبول انو يهان القاضي بهيدي الطريقة وح يضربني بعد شوي.. هجم ع مكتبي وضهرت ع المكتب التاني.. انا كان لازم وقفو بساعة الساعة بس انا حفاظاً على أرواح الناس لإنو كان جايب معو ميليشيا.. بتأسف اني اقول انو وصلنا بالبلد لهالمستوى وما بدي احكي اكتر من هيك.. اعتداء غير مسبوق على قاضي بمكتبو ويقلي شرموطة يعني فاتحة كرخانة.. شو بدي قلو؟ بدي قلو أهلاً وسهلاً فيك تكرم عينك.. وضهرت من المكتب تفادياً للشرّ.. بتأسف انو عم احكي هيك.. بعتذر اني منفعلة ولكن ما قدرت اسكت.. انا مرا مجروحة بكرامتي بتمنّى عليكم شوية احترام للثمن اللي عم ادفعوا لاني بس عم امشي بملف دقيق وخطر وعم ادفع ثمن من صحتي واعصابي وحياتي.”
كان بمقدور عون أن تستبدل هذه العبارة النافرة بواحدة أخرى تتناسب بشكل أكبر مع وظيفتها ومكانتها وهيبتها، أو تمتنع عن قولها، لكنّ استرسالها في الكلام بطريقة انفعالية سيطر عليها! وكم مرّة وضعت نفسها والقضاء في هكذا مواقف حرجة!
لو لم تكن عون قاضياً لربّما عملت مترجمة أو معلّمة لغة عربية وهي خير المترجمين والمفسّرين والشارحين والنحويين والنحاة، ولربّما سارت على خطى أبو الأسود الدؤلي، وإبن منظور، وإبن مالك، وسيوبيه، ونفطويه، والأب لويس معلوف اليسوعي وغيرهم من علماء اللغة وأصحاب المعاجم والقواميس.
هي بالفعل، خير القادرين على لفت النظر واستعطاف الرأي العام وشدّ العصب والتضامن القضائي على أقلّ تقدير.
*عندما تفرّدت “محكمة” في كانون الثاني 2019، بنشر خبر على موقعها الالكتروني، عن إخلاء القاضي غادة عون سبيل نجل مستشار وزير فاعل ورئيس تيّار سياسي، كان موقوفاً لديها بجرم مخدّرات، أرسلت صوتية عبر تطبيق “الواتساب” إلى كاتب هذه السطور علي الموسوي، تحمل تهديداً وتهويلاً ومعلومات عن هذا الملفّ تؤكّد بما لا يقبل الشكّ أنّها أخطأت في قرارها بتركه، خصوصاً لجهة الميزان الحسّاس الذي لا يمكن أن يضبط مع متعاطين يسعون إلى تقاسم حصصهم من المخدّرات بالغرامات، وإنّما مع تجّار أو مروّجين. ولا تزال هذه الصوتية موجودة و”بالحفظ والصون” ولم نشأ تعميمها إعلامياً تقديراً للقضاء وللقاضي عون نفسها، وجلّ من لا يخطئ.
“محكمة” – السبت في 2019/12/14