فادي صوّان على شفير التنحّي بعدما طعن القانون بمخالفات كثيرة/علي الموسوي
كتب علي الموسوي:
يعيش القضاء اللبناني والمحقّق العدلي في انفجار مرفأ بيروت القاضي فادي صوّان هاجس الخروج من النفق المظلم الذي أدخل نفسه فيه بعد ادعائه على الرئيس حسّان دياب والوزراء الثلاثة السابقين المحامي يوسف فنيانوس والنائبين غازي زعيتر وعلي حسن خليل، بسبب ارتكابه أخطاء قانونية ودستورية جسيمة لا يأتيها قاض في معهد الدروس القضائية، وقد ارتدّت سلباً على سمعة القضاء برمّته من دون الحديث عن ارتدادات طريقة تعاطيه مع هؤلاء الأربعة على الشارع والرأي العام.
فمن نصح صوّان بالإقدام على هذا الإدعاء؟ أو بالأحرى من ورّطه بهذه الخطوة غير المدروسة؟ ولماذا اختار هؤلاء الأربعة بالتحديد دون سائر الرؤساء والوزراء الذين أورد أسماءهم في كتابه إلى المجلس النيابي حينما تنازل من تلقاء نفسه عن صلاحيته، أو بالأحرى اعترف بأنّه غير مختص بملاحقتهم في ما قد ينسب إليهم من إخلال بالواجبات المترتّبة عليهم خلال قيامهم بعملهم الوزاري؟
ومن يتحمّل نتيجة توجيه البوصلة بغير وجهتها الصحيحة؟ فهل دياب وزعيتر وفنيانوس وخليل هم منْ أحضروا “نيترات الأمونيوم” إلى بيروت؟ فما هذه الإستنسابية في التحقيق؟ ولمصلحة مَنْ تُسبغ الإستنسابية على التحقيق؟
ومن اختار هذا الأسلوب الشاذ في التعاطي في ملفّ دقيق وحسّاس؟ وهل يعتقد صوّان أنّه بهذه الخطّة الإستنسابية يصل إلى الأسباب الفعلية والمنطقية والحقيقية لشحنة “نيترات الأمونيوم” وبالتالي الإنفجار؟
والغريب أنّ القاضي صوّان تعمّد من تلقاء نفسه تسريب خبر ادعائه على هؤلاء الأربعة فقط أيّ دياب وزعيتر وخليل وفنيانوس، فيما كان قد ادعى على مدير عام أمن الدولة اللواء طوني صليبا، لكنّه أغفل تسريبه إلى الإعلام، بينما الحيادية والموضوعية تقتضي ذكره معهم ما دامت نيّة التسريب والنشر واستقطاب الرأي العام موجودة.
وعندما نشر المكتب الإعلامي لمجلس القضاء الأعلى بيان صوّان عن “جردة حساب” مؤقّتة بعمله وتحقيقاته، في مساء اليوم نفسه للإدعاء على دياب والوزراء، أيّ يوم الخميس الواقع فيه 10 كانون الأوّل 2020، بانَ المستور وعرف الرأي العام أنّ المقصود برئيس جهاز أمني هو صليبا، فلماذا ظلّ هذا الإسم طيّ الكتمان ولم يذكر مع دياب وزعيتر وخليل وفنيانوس؟ ألا يوحي هذا التصرّف الإستنسابي بوجود رغبة جامحة لتأليب الرأي العام على الأربعة واستخدام التحقيق في السياسة أكثر من وجهته الفعلية في معرفة كيفية وقوع انفجار المرفأ ومن يتحمّل مسؤولية حدوثه والدمار والخراب والموت الذي حلّ بسببه؟
كان المطلوب من القاضي صوّان عندما كلّف بهذه المهمّة أن يسعى إلى حلّ لغز السفينة “الروسوس”، والجهة الواقفة وراء إحضار مادة “نيترات الأمونيوم” إلى مرفأ بيروت وتركها في العنبر رقم 12 طوال ستّ سنوات ونيّف، وطريقة حصول الإنفجار الذي كاد يبيد بيروت عن بكرة أبيها، وعدم قيام الجيش اللبناني في عهد العماد جان قهوجي بدوره بحسب قانون الأسلحة والذخائر بالإسراع إلى رفع هذه المواد الشديدة الإنفجار من مكانها وإيجاد الطريقة المناسبة للتخلّص منها.
غير أنّ صوّان ذهب في منحى آخر وكأنّه يريد تحقيق مكاسب سياسية ليس لنفسه بطبيعة الحال، وسط استغراب الرأي العام اللبناني، مع أنّ دوره قضائي بحت، وهذا ما أفقد عمله الكثير من الحيادية التي يفترض أن يتمتّع بها القاضي العامل على تبيان الحقائق وإحقاق الحقّ.
ويعرف القاضي صوّان في قرار نفسه أنّ الادعاء على الضبّاط الأربعة والموظّفين المتقاعدين والحاليين في وزارة الأشغال العامة ومديرية الجمارك والمواطنين العاديين، يعتريه الكثير من الأخطاء القانونية بعدما أثبتت تحقيقاته عدم وجود أيّ علاقة لهم بالإنفجار، وبكمّية “نيترات الأمونيوم”، إلاّ أنّه يصرّ على إبقائهم قيد التوقيف الإحتياطي من دون وجود أسباب قانونية تسوّغ هذا التوقيف.
فما هي علاقة الضبّاط داوود فياض وشربل فوّاز وجوزف الندّاف، ورئيس المرفأ محمّد المولى، والمهندسة نائلة الحاج الموظّفة في الشركة المتعهّدة لأعمال صيانة العنبر رقم 12 على سبيل المثال لا الحصر، بما حصل في 4 آب 2020 حتّى يظلّوا قيد التوقيف الإحتياطي؟
وهل يكافأ المدير العام للنقل البرّي والبحري المهندس عبد الحفيظ القيسي مثلًا على مراسلاته الكثيرة بشأن السفينة وحمولتها بتوقيفه؟
ولماذا لا يُقْدم الوكلاء القانونيون لهؤلاء الموقوفين بعد كلّ هذه التصرّفات المشكوك في صحّتها، على اللجوء إلى محكمة التمييز الجزائية وتقديم طلب بنقل الدعوى من صوّان للإرتياب المشروع على غرار ما فعل زعيتر وخليل؟
إنّ التعاطي بطريقة استنسابية في التحقيق في ملفّ انفجار المرفأ يضرّ التحقيق نفسه حتّى بات يخشى ألاّ يفضي إلى النتيجة المرجوة، وبذلك يكون القاضي صوّان قد أهدر الوقت سدى وفي غير الوجهة الصحيحة، وعندئذ من يتحمّل المسؤولية؟
وما ان عاد صوّان إلى ممارسة وظيفته القضائية في شباط 2021، بعد انقطاع زمني غير مقنع مع أنّ محكمة التمييز الجزائية لم تطلب منه وقف التحقيق عندما قدّم النائبان زعيتر وخليل طلبًا بنقل الدعوى للإرتياب المشروع، حتّى تكشّفت صورة إضافية من الإستنسابية في التعاطي في هذا الملفّ.
فقد تغاضى صوّان عن البدء باستجواب رأس هرم المدعى عليهم من السياسيين أيّ رئيس حكومة تصريف الأعمال حسّان دياب بعد التضامن السياسي والطائفي معه، وقرّر البدء بالوزير يوسف فنيانوس، مع التذكير هنا بأنّ فنيانوس كان قد حضر إلى مكتب صوّان في عدلية بيروت واضعًا نفسه بتصرّف التحقيق السليم.
فهل بإمكان صوّان أن يخبر الرأي العام عن سبب البدء باستجواب فنيانوس واستبعاد دياب وصليبا؟ وهل بمقدور المكتب الإعلامي لمجلس القضاء الأعلى أن يصدر بيانًا بتبيان السبب الفعلي لهذه الإستنسابية مثلما فعل في بيانات سابقة وصفت بـ”التخديرية”؟!
وثمّة سؤال جوهري لم يحظَ بجواب شاف لغاية اليوم ويتعلّق بكتاب صوّان إلى المجلس النيابي، إذ إنّه اقترف “ورطة” قانونية غير مسبوقة في هذا المجال في تاريخ القضاء، والأمر لا يقتصر على اعتباره المجلس النيابي مختصًا في ملاحقة الأربعة دياب وزعيتر وفنيانوس وخليل، بل هو تجاوز أيضًا وزيرة العدل في حكومة تصريف الأعمال ماري كلود نجم في مخاطبة رئيس المجلس النيابي نبيه بري مباشرة من دون سلوك الإجراءات المعتادة، أيّ وجوب المرور الإلزامي بوزارة العدل، وهو في الأصل لا يملك صلاحية مخاطبة السلطة التشريعية أو السلطة التنفيذية والوزارات من دون سلوك طريق وزارة العدل.
ولم يعرف من قدّم للقاضي صوّان هذه النصيحة القانونية الخاطئة، لا بل هذه الخطوة الإجرائية الناقصة التي انضمّت إلى سيل من الإجراءات المخالفة للدستور والقانون.
وهل يعتبر إرسال هيئة مكتب المجلس النيابي كتابين إلى صوّان وبخطّ اليد كما فعل هو في كتابه إلى بري، لتزويده بملفّ التحقيق بمثابة وضع يد أم ماذا؟
ومن هي الجهة المختصة قانونًا في ملاحقة الرئيس دياب والوزراء الثلاثة فنيانوس وزعيتر وخليل؟ السلطة التشريعية أي المجلس النيابي أم القضاء العدلي؟ وإذا تمسك كلّ طرف من هذين الطرفين بموقفه، فكيف يحلّ ومن يعالجه ووفق أيّة رؤية دستورية أو قانونية، مع التذكير بأنّه لا يمكن للقضاء أن يحلّ مكان السلطة التشريعية فيستنبط لنفسه “مخارج إجتهادية” لا ترتكز إلى أسس قانونية سليمة وحكيمة؟
لو كان الأمر بين محكمتين تتنازعان الصلاحية، لأمكن القول، لا بل الجزم، بوجود حلّ عبر اللجوء إلى الهيئة العامة لمحكمة التمييز بحسب الفقرة الثانية من المادة 114 من قانون أصول المحاكمات المدنية، بينما الخلاف هنا دستوري والمجلس الدستوري غير مختص للفصل بين المجلس النيابي والقضاء العدلي.
لقد سبق للأمانة العامة لمجلس النوّاب أن أرسلت كتابين إلى صوّان من دون أن تلقى جوابًا منه عليهما، فصار دياب وزعيتر وخليل خارج التحقيق،
وقدّم زعيتر وخليل طلبًا لنقل الدعوى من صوّان للإرتياب المشروع، فباتا أيضًا خارج التحقيق أقلّه في المدى المنظور، خصوصًا وأنّ مهلة العشرة أيّام المتاحة لكلّ طرف في هذه الدعوى للإجابة على طلب النقل مفتوحة في ظلّ قانون تعليق المهل القانونية والقضائية، وقد تستمرّ عشرة أسابيع أو عشرة شهور ويخشى أن تمتدّ إلى عشر سنوات!
وبالتالي، لم يعد أمام صوّان سوى فنيانوس.
وعود على سؤال أوّلي سابق عن كتاب المجلس النيابي إلى صوّان لإرسال الملفّ إليه ما دام أنّه مختص، فإذا كان الأمر على هذا النحو، فلماذا يصرّ صوّان على استدعاء فنيانوس منفردًا دون دياب وزعيتر وخليل؟
أمام كلّ هذه الإستنسابية المفتعلة، يبقى تنحّي صوّان أفضل الطرق إلى إعادة التحقيق إلى السكّة الصحيحة.
“محكمة” – الأربعاء في 2021/2/17