فخامة العماد… إضرب بيد من حديد/ناضر كسبار
المحامي ناضر كسبار:
في تشرين الثاني من العام 2007، وبعد انتخاب الوزير المحامي رمزي جريج نقيباً للمحامين، وكنت عضواً في مجلس النقابة، وفي الجلسة الأولى للمجلس التي من الواجب انعقادها خلال مهلة ثلاثة أيّام من تاريخ الانتخاب، إفتتح النقيب جريج الجلسة وبادرنا بالقول: تعلمون أنّه معروف عنّي بأنّني محامٍ ناجح، وبشكل عام إنسان ناجح في الحياة، ولكنّ هذا النجاح قد يتحوّل إلى فشل إذا فشلت في منصبي كنقيب وسوف يقول الجميع إنّ النقيب جريج فاشل بحيث ينسون جميع انجازاتي السابقة، لذلك سوف أعمل جاهداً كي أنجح في مهمّتي، وهذا ما حصل.
فخامة الرئيس،
أنا لا زالت مؤمناً بأنّك من أنجح قادة الجيش في لبنان وأنّك نظيف الكفّ، وهذا ما جعلني من المعجبين بك لأنّ الميزة الأساسية التي أقدّرها في الآخر هي الشفافية الحقيقية ونظافة الكفّ. كما أنّني اعتبر بأنّك قائد بكلّ معنى الكلمة، ومحبوب من شريحة كبيرة جدّاً جدّاً من اللبنانيين.
ولكن، وبعد تولّيك رئاسة الجمهورية، بدأت الأمور تختلف وتتغيّر، لأنّ الكثيرين كانوا يتأمّلون غير ما يحصل. أنا شخصياً، طلبت منك في اليوم الأوّل من تولّيك الرئاسة عبر صفحتي على فايسبوك أن تضرب بيد من حديد حتّى ترتعد فرائص المرتشين والفاسدين، وقلت لك إنّ أحد أقربائي وهو ضابط كبير معروف، وإشبين الرئيس فؤاد شهاب، يوسف كسبار كان يقول: اللي ما بيخوّفو اسمك ما بيخوّفو مسدّسك. وبصراحة كنت ألمح، وإن كنت لم أذكر الاسم، إلى ما حصل مع الرئيس الشيخ بشير الجميل الذي انتظمت الأمور منذ لحظة انتخابه بحيث يروي القاضي نبيل صاري، وكان محامياً وعضواً في مجلس نقابة طرابلس، أنّه كانت لديه معاملة في إحدى الدوائر. وعندما انتخب الشيخ بشير رئيساً انتهت المعاملة ورفض الموظّف قبض أيّ مبلغ، لا بل استنفر ضدّ القاضي صاري. ولكن فور استشهاد الشيخ بشير وفي الثامنة صباحاً كان الموظّف ينتظره على درج البناء حيث مكتبه ليطالبه بالمال. وهذا الأمر حصل مع عدد كبير من المحامين والمواطنين.
صراحة كنت أتمنّى أن يبدأ عهدك بهذه الطريقة. وبما أنّ الأمر لم يحصل، فلا شيء يمنع من حصوله حالياً. إذ لا شيء يمنع من تخلّيك عن الأشخاص الكلاسيكيين المحيطين بك. صحيح أنّهم كانون أوفياء معك، ولكن هذا لا يعني أن يعيّنوا وزراء ومسؤولين في الدولة، اللهم إلاّ إذا كانوا يتمتّعون بالكفاءة العالية، ومع ذلك يقتضي النظر إلى هذه الناحية فقط، وليس إلى العلاقة الشخصية. وأكثر من ذلك، أتمنّى أن تنشئ فريق عمل متخصّصاً في جمع المعلومات حول ما يحصل من رشاوى وتجاوزات، وحول الهدر الذي يحصل تمهيداً لمعالجتها واتخاذ الاجراءات اللازمة.
• مثلاً ما هو المبرر لبقاء القانون الذي يعطي النوّاب السابقين معاشات أو تعويضات شهرية وينتقل هذا الأمر إلى عائلاتهم ضمن شروط معيّنة، مع العلم أنّ عدداً من الأحزاب باتت ترشّح نوّاباً جدداً للاستفادة من هذا الأمر، وهو يساوي عشرات ملايين الدولارات سنوياً.
• لماذا لا تخفّض معاشات المسؤولين والموظّفين الذين يقبضون المبالغ الخيالية شهرياً؟
• هل صحيح ما يحصل في مصلحة سكك الحديد من أنّ هناك موظّفين يقبضون المعاشات ولا سكك حديد لدينا. كيف يمكن أن يمرّ هذا الأمر وأنتم على رأس السلطة ومعروف عنكم شخصياً نظافة الكفّ التي لا أزال أصرّ عليها؟.
• ماذا عن الأمن المتفلّت دون حسيب أو رقيب بدلاً من الضرب بيد من حديد؟.
• لماذا توزّع المناصب والمراكز والمسؤوليات على فئات معيّنة ومنها الأحزاب مثلاً، في حين أنّ غيرهم من أصحاب الكفاءة لا أحد يلتفت إليهم حتّى بدأ اليأس يدبّ بأصحاب الكفاءة الذين لا ينتمون إلى الأحزاب أو لا يتبعون هذا الزعيم أو ذاك، وهذا الكلام واقعي وعميق وليس كلام صالونات؟.
• لماذا لا تعطى بعض الوزارات التي هي الأساس في بناء الدولة والمؤسّسات والشعب مثل وزارة التربية، الأهمية الكافية، بل الجميع يتجّه إلى وزارات أخرى سيادية وخدماتية؟.
إنّ وزارة التربية هي أساس المجتمع ويجب أن يكون القيّمون عليها من أصحاب الاختصاص ويملكون التقنية اللازمة لتطوير المناهج التي باتت بمعظمها حشواً ولا تفيد التلميذ، بل تقهره وترهق أهله بالأقساط العالية وبالدروس الخصوصية، وما أدراكم ما الدروس الخصوصية وكم هي كلفتها، وبالتالي يعيّن مسؤولون أكفاء يعيدون هيكلة جميع الأجهزة والبرامج…
وكذلك وزارة التصميم، إذ لا نكاد نرى طريقاً معبّدة حتّى يعاد “نبشها” في اليوم التالي لمدّ قساطل معيّنة ثمّ يعاد تزفيتها وهكذا دواليك…
فخامة العماد،
الحكم في لبنان صعب جدّاً ولكن سهل جدّاً. هناك أمور لا يمكن أن نقوم بها، لأنّ لها امتدادات إقليمية ودولية، ولكن هناك أمور أخرى، وهي مهمّة جدّاً وتساعد في نهضة البلد وفي رفع المعنويات لدى الشعب وجعله يحسّ بالأمان والبحبوحة، وليست بحاجة لمجهود كبير.
أثناء الوجود العسكري غير اللبناني في لبنان، كنا نلاحظ الحفر على الطرقات، وخصوصاً طريق الشمال حيث كان وزير الأشغال يومها من طرابلس. وما ان ننتقد الحفر حتّى يجيبنا البعض بأنّ هذا الوجود يمنع القيام بالأعمال، فنجيبهم هذا الوجود قد يمنعك من إقامة اوتوسترادات، ولكن هل يمنعك من تسكير الحفر؟.
وهكذا الوضع اليوم، موظّفون يفعلون ما يشاؤون دون حسيب أو رقيب. وإذا انتقدنا المسؤولين عنهم يقولون إنّهم مدعومون وتابعون لهذا الحزب أو ذاك. هذا تهرّب من المسؤولية. الحزب قد يهتم بتوظيف هذا الموظّف هنا أو هناك، ولكن هل يوافق على السرقة والاستهتار؟.
أشكّ في ذلك، وإذا وافق، هل يستطيع الدفاع عنه أمام الرأي العام وعن ارتكاباته، وبالتالي فإنّ الوزير أو المسؤول عندما يكون شجاعاً ومقداماً وحكيماً ونظيف الكفّ يستطيع فعل الكثير الكثير، أقلّها وقف السرقات والرشاوى والاستهتار بمصالح الشعب.
وعلى أمل أخذ هذه الملاحظات بعين الاعتبار ولديّ مئات الملاحظات الأخرى، أتمنّى أن يوصل إليكم مستشاروكم ما يحصل فعلياً على الأرض، لأنّ الوضع المعيشي والاقتصادي والاجتماعي والأمني والنفسي أخطر بكثير ممّا تتصوّرون وقد ينفجر في أيّ لحظة. ودمتم.
“محكمة” – الأربعاء في 2018/09/26