مقالات

فخورٌ بالقضاء اللبناني/ناضر كسبار

المحامي ناضر كسبار:
منذ عدّة سنوات، وفي اجتماع أكاديمي مغلق، شجب القاضي المتقاعد مهيب معماري، وهو من كبار قضاة لبنان، الإنتقادات العلنية المجّانية والإتهامات التي توجّه إلى القضاء وإلى القضاة بشكل عشوائي وشمولي. وأضاف أنّ أحد كبار المصارف عرض عليه وقائع قضيّة معقّدة تتمحور حول استحصاله على قرار تمييزي مبرم من قبل المحاكم اللبنانية، ولدى تقديم طلب الإستحصال على صيغة تنفيذية في البلد الأجنبي، تمّ ردّ الطلب وكان السبب أن لا ثقة بالقضاء اللبناني، وأكبر دليل عشرات المستندات المتعلّقة بتصاريح المسؤولين والقانونيين والمواطنين الذين يتكلّمون عن فساد ورشاوى وتبعية وغيرها.
طبعاً استطاع القاضي المتقاعد يومها الإستحصال على تصاريح مشابهة في البلد الذي رفض قضاؤه إعطاء الصيغة التنفيذية وأبرزها أمامه، واستحصل بعدها على تلك الصيغة.
ومنذ ذلك الحين بدأت أنبّه الجميع إلى وجوب تحمّل مسؤولية الكلام عن القضاء لأنّ هناك جهات محلّية ودولية تقوم بجمعها لاستعمالها في الوقت المناسب.
في اجتماع نقابتي المحامين في بيروت وطرابلس منذ عدّة أيّام في دار نقابة المحامين، أكّد معالي النقيب شكيب قرطباوي، وزير العدل السابق، أنّ مؤسّسة القضاء هي من أكثر المؤسّسات التي تتابع أعمال القضاة والموظّفين وتحاسب من يجب محاسبته، وإنْ كان هذا الأمر لا يظهر أحياناً إلى العلن. وهذا طبعاً شأن نقابة المحامين التي لا تتوانى عن إعطاء الإذن الجزائي بالملاحقة بحقّ المحامي المرتكب، والمحاسبة التأديبية أيضاً من دون ضجّة إعلامية.
في لبنان، كنا فخورين بعدّة مؤسّسات وقطاعات ومهن: القطاع المصرفي، القطاع الطبّي، القطاع التربوي، القضاء، المحاماة، والقوى الأمنية من جيش ودرك وأمن عام، وأمن دولة…الخ. فماذا حصل؟ تمّ تدمير القطاع المصرفي بشكل غير مسبوق خصوصاً وأنّ العدوّ الإسرائيلي هاله أن يتقدّم هذا القطاع بشكل مضطرّد لدرجة أنّه تمّ فتح فروع لمصارف لبنانية في جميع أنحاء العالم. وأكثر من ذلك يقول الخبير الإقتصادي والمالي البروفسور توفيق كسبار، إنّه وخلال الحرب كان الوضع المالي العام أسوأ من اليوم بكثير ونزل احتياطي مصرف لبنان إلى 400 مليون د.أ. فقط. ولكن، نعم ولكن كان القطاع المصرفي قويّاً جدّاً جدّاً، فتجاوز لبنان القطوع وعاد الوضع طبيعياً خلال تلك الفترة. ولم يكتف العابثون بالوضع في لبنان من تدمير القطاع المصرفي، بل دمّروا القطاع الصحّي والتربوي. واليوم أخشى أن تكون عيونهم شاخصة نحو تدمير القضاء والنقابات وتحديداً نقابة المحامين والقوى الأمنية، سواء جاء هذا التدمير ضمن خطط العدوّ أو ضمن خطط جعل لبنان دولة بوليسية وفي كلّ الحالات هذا أمر مرفوض وسوف نحاربه بكامل جوارحنا.
ونعود إلى موضوع القضاء في لبنان. معظم قضاة لبنان يتحلّون بالعلم والثقافة والشجاعة، خصوصاً في هذا الجوّ المخيف الذي يستطيع أيٌ كان أن يؤذي أيّاً كان، وفي ظلّ السلاح المتفلّت، والجزر الأمنية. فالقاضي وخصوصاً القاضي الجزائي الذي يتخذّ قراره في هذا الجوّ هو إنسان بطل. كما يتحلّى قضاتنا بالإنضباط والإنتاجية وموجب التحفّظ، بالإضافة إلى معرفتهم لعدّة لغات أجنبية تساعدهم على الإطلاع على الإجتهادات الحديثة وخصوصاً في فرنسا. وهي ميزة يتحلّى بها اللبناني بشكل عام والقضاة بشكل خاص. إذ إنّنا إذا سمعنا في دول العالم مسؤولاً يقول “أهلاً وسهلاً” أو “شكراً” باللغة العربية، نهلّل. في حين أنّ مسؤولينا وقضاتنا يجيدون على الأقلّ ثلاث لغات.
وعلى سيرة موجب التحفّظ، وفي مناسبة إجتماعية منذ عدّة سنوات تكلّم القاضي شكري صادر عن جناحي العدالة:القضاء والمحاماة. وأنّه إذا كسر جناح واحد منهما، وقعت العدالة. فتدخّل القاضي مروان كركبي وأثنى على جهود نقابة المحامين التي تساند القضاة إلى جانب مجلس القضاء الأعلى، خصوصاً وأنّ القاضي الذي يتمّ التعرّض له لا يمكنه التصريح وعليه موجب التحفّظ.
وبالتالي، الجميع يعلم أنّ هناك شوائب عديدة في القضاء، وأنّ مجلس القضاء الأعلى والتفتيش القضائي والمجالس التأديبية تقوم بما عليها، خصوصاً عندما يعرض الأمر عليها، إذ إنّ هناك مشكلة عندما يتكلّم البعض عن تجاوزات ولكن لا يريدون تقديم شكوى أو تقديم المستندات والإثباتات. وهذا الأمر لا يتعلّق بالقضاء والمحاماة فقط، بل إنّ فخامة الرئيس الجنرال ميشال عون، وفي جميع لقاءاتنا معه كمجلس نقابة المحامين، ويردّدها دائماً أمام الجميع أنّ مجموعة أخبرته عن تجاوزات وعندما سألها هل أنتم مستعدّون للشهادة ولتقديم الإثباتات أجابوه كلا.
ونعود إلى موضوع القضاء وإلى مداخلة وزير الداخلية حول الـ 95% من القضاة، يمضي الإنسان حياته يعمل بكدّ ونشاط وشفافية ومصداقية ويأتي من يشوّه صورته أمام الرأي العام اللبناني والعالمي. لماذا؟ إذ من المعروف أنّه إذا تمّ شمل مجموعة بنسبة مئوية كأن يقال إنّ 90% من المجلس الفلاني فاسدون، فهذا يعني أنّه يحقّ لأيّ واحد منهم التقدّم بشكوى لتحديد من يقصده صاحب القول. نحن نعلم بأنّ هناك قضاة فاسدين وهم محالون أمام المجالس التأديبية، وهذا أمر طبيعي إذ إنّ بين تلاميذ السيّد المسيح الإثني عشر كان واحد منهم خائناً.
ولكنّ السؤال لماذا التعميم بهذا الشكل؟ ومن قال إنّ النسبة المئوية هي 95%؟
وبما أنّ الأمر كذلك فليسمّوا لنا من هم الـ 26 قاضياً الذين لا يدخلون في عداد القضاة الفاسدين.
“محكمة” – الثلاثاء في 2020/12/1

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!