فصل التشريع للمعلّمين في القطاع العام عن الخاص بين الدلالات والإشكالات
كتب جهاد إسماعيل:
لمّا كان المعلم ركناً أساسياً في العملية التعليمية، ودعامة جوهرية في بناء الإصلاح والتطوير التربوي، فإنّ نجاح العملية التربوية في أيّ مجتمع يتوقّف على أداء المعلّم لدوره الفعّال، وعلى الحوافز التي تتبنّاها الأنظمة التربوية بمعزل عن الإطار الذي ينقل من خلاله القيم والأفكار والمعلومات، أو عن طبيعة الجهة الراعية للوسائل التعليمية والقيمية، باعتبار أنّ الغاية الأساسية من التعليم تكمن في نقل المعرفة وإشاعتها في كافة الوحدات التي يقوم عليها المجتمع، من دون البحث عن هويّة المعلّم ما إذا كان في القطاع العام أم في القطاع الخاص، وتحميل الأخير مسؤولية الويلات الإفتراضية جرّاء تشريعات تهدف إلى مساواة الأوّل بالثاني، أيّ بتطبيق وحدة التشريع بين التعليم العام والخاص، لا سيّما بعد أن كانت النظرة للمعلّم في المدارس الخاصة مناهضة للرسالة المتوخّاة، ومؤاتية لتوفير الشروط في نبذ معايير العدالة الإنسانية والإجتماعية.
وإذا كان النموذج اللبناني مدعاة للانفصام بين النصّ والواقع، فإنّ السعي لتصحيح أحد مصاديقه أو جوانبه ليس سيّئاً أو حراماً، خاصة وإذا تعلّق الأمر بردم الهوّة بين معلّم قدّر له أن ينقل المعرفة من مدرسة خاصة، وبين معلّم تمّ تعيينه في مدرسة رسمية، لأنّه ليس من العدالة في مكان أن تغيب التشريعات في ساحة الفراغات، ويترك الواقع بلا مدافع، وسط ممارسات طبقية ، بذريعة التكاليف والأعباء المادية!.
فالمؤشّرات التي تدعو إلى تعزيز المطالبة بوحدة التشريع تجد أساسها في التشريع قبل التطبيق، وذلك على مستوى شقّين:
• الشقّ القانوني: ولأنّ أساتذة التعليم الخاص يخضعون لقانون تنظيم الهيئات التعليمية في القطاع الخاص، فإنّ المادتين 7 و 13 من هذا القانون، تلغيان أيّ احتمال في دحض وحدة التشريع بين الهيئات التعليمية في العام والخاص. ذلك أنّ المادة السابعة من القانون تخضع تعيين أفراد الهيئة التعليمية الداخلين في الملاك، لنفس الشروط المنصوص عليها في القوانين والأنظمة المتعلّقة بالهيئة التعليمية في المدارس الرسمية ما عدا شرطي السنّ والإمتحان. أمّا عن شروط الترقية، فيطبّق عليهم نفس الشروط المتعلّقة بموظّفي الدولة. أمّا عن الرواتب، فتطبّق على أفراد الهيئة التعليمية الداخلين في الملاك سلسلة الرواتب المحدّدة في ملاك الهيئة التعليمية للمدارس الرسمية (المادة 20).
إذن، نفس شروط التعيين، نفس شروط الترقية، ونفس سلسلة الرتب والرواتب، لا بل نفس القانون يطبّق على معلّمي المدارس العامة والمدارس الخاصة. لذلك لا يجوز أن ينظّم هذا السياق في خانة تشريعية منفصلة، لأنّه لا يجوز إخضاع حقوق المعلّم للفرز والتقسيم. فجلّ ما يطالب أساتذة التعليم الخاص به، هو الحصول على نفس الضمانات والرواتب التي يحصل عليها زملاؤهم في ملاك القطاع العام، وتطبيق أبسط معايير العدالة!.
• الشقّ الدستور: يتجلّى في مضمون مقدّمة الدستور اللبناني الداعية إلى إقامة العدالة الإجتماعية ، وبأحكام المادة 7 منه ” كلّ اللبنانيين سواء لدى القانون، وهم يتمتّعون بالسواء بالحقوق المدنية والسياسية ويتحمّلون الفرائض والواجبات دون فرق بينهم”.
لذلك، فإنّ فصل التشريع بين التعليم الرسمي وبين التعليم الخاص، يؤول حتماً إلى التخلّي عن مبادئ القانون والإنصاف والعدالة، والتحلّي بالخطاب التقسيمي والطبقي لجهة القول بهويّة وانتماء هذا المعلّم أو ذاك ، ما يضعف الحوافز لدى المعلّم أثناء تأديته لوظيفته الإجتماعية والتربوية في مجتمعه، علاوة على الإفرازات المترتّبة على طبيعة المجتمع السياسي اللبناني، وهذا ما يستدعي التمسك أكثر فأكثر بوحدة التشريع، كما فعل المجلس النيابي عند إقرار قانون السلسلة، فهل سيحافظ المشرّع اللبناني على هذه البادرة الإنسانية والتربوية اللافتة، أم أنّه سيقع مجدّداً في حسابات الواقع على حساب النصوص والمبادئ؟!.
“محكمة” – الجمعة في 08/09/2017.