فضيلة الرجوع عن التقدير الخاطئ في قضية الاعتداء على المحامي فادي كحيل/عباس دبوق
المحامي الدكتور عباس دبوق:
إستوقفنا الاعتداء على الزميل المحامي فادي كحيل بالضرب والشتم من قبل ضابطين خرجا عن السلوك العسكري الرصين الذي يتميّز به أفراد المؤسّسة العسكرية، وعن قواعد الأخلاق والآداب العامة التى توجب احترام الغير وحقوقه وتحميه من أيّ تعسّف أو اعتداء مادي أو معنوي.
وما هو محلّ شكوانا أن يقدم ضابطان بلباسهما العسكري على فعلتهما فيما من المفترض بهما أن يكونا ناصرين للمواطن، فهذا الفعل يشكّل عيباً ينبذه المجتمع، فضلاً عن مخالفته للقانون، الأمر الثابت والمؤكّد بالحكم الصادر عن المحكمة العسكرية الدائمة والذى قضى بادانة الضابطين المقترفين لتلك الأفعال الجرمية بحقّ الزميل وأثارها وما سبّبت له من ضرر مادي ومعنوي ما زال مستمرّاً مع صدور قرار النيابة العامة الاستئنافية بالادعاء بحقّه بجرم الذم والقدح عن كلام نسب إليه وفهم خارج مدلولاته المقصودة بعد سلخه عن وقائع الاعتداء، بينما كان الأجدر بالمعنيين تكييف وقائع الأفعال الجرمية وإسقاطها على كلام كحيل كي يسهل تقديرها وتبيان تناسبها معها ومع ما نتج عنها من أضرار مادية ومعنوية بحقّ الضحية فجاء قرار الادعاء يجافي الحقيقة عندما عَكَسَ الضحية واعتبرها جانياً.
واستوقفنا تخلّي النقابة عن كحيل في ذروة الاشتباك أمام القضاء واعتبارها الأمر لا يتصل بصفته كمحام ورفعها الحصانة عنه فكانت للأسف، قد أخطأت بتقديرها بتكييف وقائع الاعتداء وما نتج عنه من أقوال صدرت عن كحيل، وكان الحريّ بنقابتنا عدم التسامح والتساهل بقضيّة الحصانة لأنّ صفة الزميل كمحام كانت تلازمه عند الاعتداء عليه وعندما انبرى للدفاع عمّا يعكّر مجتمعه في مقابل شخصين يتسلّحان ببزتهما ويعتديان أمام الناس عليه، وهو المحامي، فتسلّل الخطأ ذاته إلى قرار الادعاء.
ولذلك، فإنّ ما صدر عن كحيل لا يمكن وصفه بجرم الذمّ والقدح، بل جاء تعبيراً عن رأيه وممزوجاً باستيائه وهو الممتهن لرسالة المحاماة عن الصورة المجتمعية غير الصحية التى صادفه حظّه المتعثّر فيها، فرفع صوته وعبّر عن رأيه وغضبه، وهذا حقّ له يضمنه القانون، مشتكياً ممّا وصلت إليه حالة مجتمعنا من الأفعال الجرمية غير الانسانية التى قد تستهدف أيّ مواطن فظنّ أنّ كلامه يسكن ألمه ويسهم في خلق حالة يتعافي فيها المجتمع من فيروساته الضارة وكان نطاق كلامه المجتمع وليس أيّ شخص بذاته.
إنّ الأفعال الجرمية التي لحقت بالمحامي كحيل بفعل الضابطين اللذين لم يكونا ليقترف أيّ منهما لأفعاله الجرمية لو لم يكونا متمترسين بصفتهما العسكرية ومرتديين لبزّتهما، فجاء فعلهما مسيئاً ومستغلاً لتلك الصفة وتلك البزّة الرمز، وهذا شكّل خللاً في سلوكهما وتشكّل حوله رأي عام مندّد وشاجب، لذلك كانت أقوال كحيل وبصفته محامياً، تعبيراً عن الرأي المكفول دستورياً في قضيّة رأي عام، ومدلياً بها كصرخة تعبّر عن حالة إحباط وسخط مجتمعية من تلك السلوكيات الخارجة على القانون.
وبالتالي، فإنّ ما صدر عن كحيل من أقوال هو في معرض اعتداده بصفته إلى داخل حدودها الرسالية قاصداً دفاعاً عن آخرين من خطر إصابتهم بمثل هذه الأفعال التى باتت تنتشر كالفيروسات المجتمعية، لذلك جاء وقع القرار مجحفاً ويقتضي إلغاؤه كونه مبنياً على تقدير خاطئ في تكييف الأقوال بعيداً عن تكييف وقائع الاعتداء، وكأنّهما وقعا في مكانين منفصلين، ونأمل من نقابتنا الرائدة في الدفاع عن الحرّيات أن تبادر إلى الرجوع عن قرارها الذي سمح بالإذن لملاحقة المحامي فادي كحيل، وإنّ الرجوع عن الخطأ يعتبر فضيلة الكبار حتّى تعود الأمور إلى نصابها السليم.
“محكمة” – الاثنين في 2018/12/24