مقالات

فنيانوس بين مخالفات التحقيق العدلي والضغط الإعلامي على القضاء/أنطوان عيروت

النقيب أنطوان عيروت:
بات واضحًا أنّ فبركة وتسريب خبر إصدار مذكّرة توقيف غيابية، خلافًا للأصول، بحقّ الوزير يوسف فنيانوس قبل انعقاد الجلسة التي لم يتبلّغ موعدها أصولًا، هو تسريب مقصود وعن سوء نيّة أقلّه من سلطتين سياسية وإعلامية، ومن فريق معيّن فبركه قبل الجلسة وسربّه إلى الإعلام، وكشف النوايا المبيّتة بتحويل الوزير يوسف فنيانوس إلى كبش محرقة بعد استهدافه بالإدعاء الباطل.
إنّ هذا الأمر يدلّ على أنّه إذا كانت النيّة غير متوفّرة لدى قاضي التحقيق العدلي فادي صوّان بإصدار مذكّرة توقيف غيابية، فإنّ هذه الفبركة تعتبر تدخّلًا في شؤون القضاء وضغًطا يسبق الجلسة يهدف إلى توقيف الوزير فنيانوس.
وإذا كان مفبرك الخبر وناشروه يعرفون أنّ النيّة بالتوقيف متوفّرة لدى القاضي ولم يميّزوا بين التبليغ والجلسة، فإنّ هذه النيّة قد انفضحت وإنْ حصلت فإنّها تؤدّي بشكل واضح إلى ارتكاب قاضي التحقيق للمحرّمات، وإلى مخالفة سلوكيات القضاء وعدم الحفاظ على سرّية التحقيق، وهو إثبات جديد على صحّة الطلب الذي تقدّم به الوزيران السابقان علي حسن خليل وغازي زعيتر من محكمة التمييز الجزائية لنقل الدعوى بسبب الإرتياب المشروع من عند المحقّق العدلي القاضي فادي صوّان إلى مرجع آخر سندًا للدستور وللتلازم بين المدعى عليهم الأربعة رئيس الحكومة والوزراء والنوّاب الذين لا يجوز محاكمتهم أمام المجلس العدلي، وإلّا فإنّ المحاكمة تكون باطلة لمخالفتها الدستور.
وفي الحالتين، إنّ ما حصل يثبت مدى الضغط الإعلامي على القضاء للتأثير عليه وحرف التحقيق إلى مكان آخر، وإلى الظنّ بأبرياء مثل الضابط جوزف الندّاف، أو ساعي البريد، ولنا في هذا الأمر الكثير من الشواهد المماثلة في لبنان على قضاة نعتبرهم من خيرة قضاة التحقيق، وكلّنا يعلم كم أصبح بعض قضاة الجزاء يرتعبون من اتهامهم في الإعلام بالتعدّي على حقوق الإنسان ويعانون من طلبات توقيف الأبرياء أو التضحية بهم أو بالقانون لا فرق.
المهمّ في لبنان أنّ التهمة جاهزة، وأنّ التدخّلات الإعلامية والسياسية في إجراءات التحقيق وفضح سرّيتها أصبحت مفضوحة، وهذا ما بيّنته بعض التعليقات على تغريدة الوزير فنيانوس التي قال فيها إنّ التبليغ غير قانوني حيث انبرى الكثيرون إلى وصف تمسك الوزير فنيانوس بالأصول القانونية بأنّه تهرّب من الحضور ويشكّل طعنة للعدالة وتكريس لمنطق أنّ القضاء قادر على الناس الضعفاء غير المدعومين في لبنان.
فمتى أصبح التمسك بالأصول القانونية هو طعن جديد للعدالة؟
أم لأنّ الوزير فنيانوس والرئيس حسان دياب والوزيرين الخليل وزعيتر هم الذين يتمّ التحقيق معهم ويتمسّكون بالأصول والقانون وهم الذين يعتبرون أنّ القاضي صوّان قد استهدفهم خارج نطاق صلاحيته وادعى عليهم خلافًا لكلّ الأصول.
وبالمناسبة، نؤكّد على أنّ من يخالف أو يدعم من يخالف القانون ويرتكب الأخطاء القضائية بنيّة سيّئة أو مسيّسة أصبح مكشوفًا أمام الجميع للأسف وأصبحنا كأنّنا نعيش في شريعة الغاب ونستعملها لتدمير الوطن، لكن لا بدّ من التنبيه بأنّ من يطبّق شريعة الغاب عليه أن يتحمّل نتائج هذه الشريعة.
كان الحري بكلّ المغرّدين، وبكلّ من يكتب على أماكن التواصل الإجتماعي، لا بل بنقابة المحامين في بيروت التي توكّلت، (وهي من حلّت بديلًا عن المحامين وحرمتهم من التوكّل)، عن من تضرّر بسبب انفجار المرفأ في بيروت، وأصبحت فريقًا بالدعوى، كان حريًّا بها أن تبيّن بكلّ بساطة، أنّ ما تمّ تسريبه مخالف للقانون وأنّ رفض الوزير فنيانوس للتبلّغ الهاتفي هو رفض قانوني، علينا كمحامين وعلى الجمعيات المتموضعة خلف حقوق الإنسان أن نستفيد من هذا الرفض ونحوّله إلى مصلحة المواطن بتذكير الشرطة القضائية والقائمين بالتبليغ أنّ النصّ القانوني المتعلّق بأصول التبليغ لم يرد فيه التبليغ الهاتفي وبتذكير كلّ مواطن وكلّ محام بوجوب وضع الحدّ للتبليغات الهاتفية المخالفة للقانون كما فعل الوزير فنينانوس حتّى لو كان خلفها أعلى السلطات.
إنّ مخالفة أصول التبليغ كما مخالفة المادة ٤٧ أ.م.ج يجب وضع حدّ لها ولو كان المستهدف غير الوزير فنيانوس لكانت التكتّلات الإلكترونية في لبنان قد اتهمت القاضي بارتكاب المحرّمات.
فهل يجوز هنا ارتكاب المخالفة بحقّ الوزير فنيانوس وتمنع هناك؟
وهل للعدالة صيف وشتاء في الدول التي تحترم نفسها؟
وهل لعدالة الدول التي تتدخّل في الشاردة والواردة في وطننا من صيف وشتاء؟
بالتأكيد لا،
وبالتأكيد أنّ كلّ الدول التي تحترم شعبها تحترم حقّه وتختار الخيرة من أبنائها لتوليهم أمور القضاء.
وفي المطلق، على الوزير فنيانوس وهو المحامي المتمرّس أن يترّيث بالحضور لحين يظهر الخيط الأبيض من العدالة عن الخيط الأسود منها.
“محكمة”- الخميس في 2021/2/18

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!