فوضى في عدلية بيروت.. لا ماء ولا كهرباء ولا هواء/علي الموسوي
كتب علي الموسوي:
لليوم العاشر على التوالي وقصرا عدل بيروت وبعبدا يعانيان من انقطاع التيّار الكهربائي، من دون أن يجد المعنيون الحلّ المناسب ولو مؤقّتاً، وهذا ما يؤدّي إلى تعطيل عمل المحاكم وتأخيره في الحدّ الأدنى وتراكمه إلى أيّام أخرى لها حصّتها ونصيبها من العمل في ظلّ التدفّق الكبير واليومي لورود الملفّات والدعاوى على القضاء الذي يبقى الملجأ الأوّل والأخير لحلّ النزاعات بعيداً عن صخب الشوارع ومعالجاتها الضارة في أكثر الأحيان.
وفجأة لم تعد المحوّلات الكهربائية الموجودة في عدلية بيروت أو التي تستجرّ الطاقة الكهربائية منها قادرة على توفير النور بالشكل المطلوب، ممّا يطرح الكثير من التساؤلات والاستفسارات، إذ كيف انخفضت قدرتها فجأة على أبواب فصل الصيف؟ وإذا كانت كذلك فلماذا إهمالها وإبقاؤها من دون صيانة وتركها حتّى اللحظة الأخيرة من العطب حتّى تصبح ضعيفة وعاجزة عن تلبية الإضاءة الكافية والواجبة لإنارة أكبر قصر عدل في لبنان؟ ومن يتحمّل مسؤولية هذا الإهمال؟ وأين هي الصيانة الدائمة؟ ولماذا لم تبادر وزارة العدل إلى الطلب من المعنيين استدراك الأمر قبل وقوعه؟ أَلا يكفي صالة “الخطى الضائعة” انتشار العتمة فيها نتيجة تضييق مساحات دخول نور النهار إليها نتيجة أعمال التأهيل والبناء المستمرّة منذ سنوات والتي لم تنته بعد، ولو شيّد قصر عدل جديد على الطراز الحديث وبروحية تتوافق وهيبة العدل، لانتهى منذ زمن بعيد؟
كلّ هذه الأسئلة مشروعة في ظلّ استمرار انقطاع الكهرباء عن هذا المرفق الحيوي الذي يُدخل يومياً أموالاً طائلة على خزينة الدولة، ومع ذلك يعاني إهمالاً على شتّى الصعد تتجاوز الكهرباء.
فالمصاعد تعمل يوماً وتتوقّف يوماً آخر ومن دون سابق إنذار، حتّى أنّ من يصادف وجوده داخلها وتتعطّل فجأة يستعين بكلّ عزمه لإسماع صوته إلى من يكونون في الخارج عابرين أو منتظرين دورهم، وقد تتأخّر النجدة بعض الوقت مع ما يترتّب على هذا المشهد من ضيق في التنفّس فكيف إذا كان القاضي أو المحامي أو المتقاضي المستعين بالمصعد مريضاً أو يعاني من هذا الضيق، فهل تنتظرون حصول كارثة بموت قاض أو محام أو مواطن داخل هذه المصاعد لكي يبادر المعنيون إلى تصليحها بالشكل النهائي؟ أليس من العار على الدولة أن يموت قاض أو مواطن داخل مصعد العدلية؟ أليس من المعيب أن تصرف أموال اللبنانيين على محكمة دولية، فيما قصور العدل والمحاكم اللبنانية مهملة ومعدومة الحياة؟!
وهل يعقل ألا يوجد ماء في قصر عدل بيروت لقضاء حاجة، أو غسل اليدين؟ وهل القضاة مضطرّون إلى شراء المياه من مالهم الخاص بالتكافل والتضامن والحلول مكان وزارة العدل؟ أوليس معيباً ألاّ يوجد مراحيض في عدلية بيروت توضع بتصرّف المواطنين الملزمين بانتظار جلساتهم وملفّاتهم؟ أليس معيباً أن يخرج اللبناني من قصر العدل وهو يردّد”يا حرام” تأفّفاً على ما شاهد بأمّ العين وما عاناه من مرارات قد تجعله يصرف النظر عن المجيء ثانية إليها؟!
ومن يدخل إلى بعض قاعات المحاكم تلفت نظره الأسقف المستعارة المستعملة كديكور لتغطية السقوف الأساسية المهملة أصلاً، وقد بدت شاحبة أو ملوّثة بالمياه النتنة نتيجة النشّ، أو قد سقط بعضها وتفرّق كالعسكر المهزوم، مقدّمة مشهداً لا يليق بهيبة العدالة وكرامات القضاة الموجودين فيها. وما هذا الإهمال سوى صورة مصغّرة عن أشياء مماثلة تتعرّض للإهمال في لبنان. وإذا ما نويت الحديث عن الفساد وأعطيت مثالاً ونماذج مختلفة عنه تنهال عليك سهام الانتقادات من أولئك المنتفعين من الفساد!
قد تنقطع الكهرباء ساعة أو ساعتين، أو يوماً كاملاً نتيجة تصليحات إلزامية، أو تغيير محوّلات رئيسية بأخرى يلمع نحاسها المكشوف للشمس كالذهب، لكن أن يتواصل مسلسل الإنقطاع عشرة أيّام وربّما أكثر ما لم يجر استدراك الوضع، فهذا دليل خطر على أنّ الدولة لا تبالي بالقضاء ولا تعنيها العدالة، وأنّ كلّ الخطابات والتصريحات والتغريدات والمنشورات الرنّانة والطنّانة عن أهمّية القضاء في بناء الدولة وتعزيزه وتقويته منتهية الصلاحية، أو كلمات لزوم المناسبات ليس إلاّ!
أليس انقطاع الكهرباء سبباً إضافياً للعدالة المتأخّرة فيما المطلوب تسريع البتّ والفصل؟
أليس معيباً أن ينظر القاضي في عشرات الملفّات إنْ لم نقل المئات(لدى القضاة المنفردين) في قاعة مليئة بالناس إلى حدّ الإختناق، والجميع يتصبّب عرقاً لانعدام الكهرباء والهواء؟
فهل في العدلية من يجرؤ على جلب المسؤول عن هذا الإهمال بالإحضار؟!!
“محكمة” – الخميس في 2018/07/05