في أبعاد إعمال مصطلح المصلحة العليا للدولة ((Concept de la raison d’état/فرانسوا ضاهر
القاضي السابق والمحامي فرانسوا ضاهر:
إن مصطلح المصلحة العليا للدولة (raison d’état) هو مصطلح دستوري غير مكتوب يقع ضمن المبادىء الدستورية العامة التي تحكم فهم النصوص الدستورية وتفسيرها وتحدّد ميدان تطبيقها.
كما وأنّ المصطلح المشار اليه هو الذي يحكم عمل المؤسّسات الدستورية واستقلالها وحتى تعاونها في ما بينها. فإذ هو بالمصطلح الذي يكتنز مرتبة دستورية تفوق مرتبة النصوص الدستورية بحدّ ذاتها، تبعاً لدوره الإيضاحي أو التكميلي لها.
إنطلاقاً من هذا التحديد والفهم لمصطلح المصلحة العليا للدولة، يمكن تحديد مدى الصلاحية التشريعية التي يعود للمجلس النيابي ممارستها، في فترة الشغور الرئاسي، سنداً لحكم المادة 75 من الدستور.
كما يمكن تحديد مدى الصلاحيات التي يعود لحكومة تصريف الأعمال ممارستها، بعد استقالتها او اعتبارها مستقيلة، سنداً لحكم الفقرة الثانية (2) من المادة 64 من الدستور.
كما يمكن كذلك تحديد مدى الصلاحيات التي يعود لمجلس الوزراء ممارستها وكالةً عن رئيس الجمهورية، في حال خلوّ سدّة الرئاسة، سنداً لحكم المادة 62 من الدستور. ولا سيّما الصلاحيات التي يضطلع بها رئيس الجمهورية منفرداً (المحفوظة له) أو بالاشتراك مع رئيس الحكومة والوزراء المختصين أو مع مجلس الوزراء مجتمعاً، سنداً لحكم المواد 51 و52 و53 و54 و55 و56 و57 و58 و59 و 4/65 من الدستور.
علماً أن مجلس الوزراء الذي يمارس صلاحيات رئيس الجمهورية وكالةً، إنما يتّخذ قراراته بموضوعها وفق نظام عمله المنصوص عنه بالفقرة الخامسة (5) من المادة 65 من الدستور. ذلك أن كلّ القرارات التي تصدر، إن عن السلطة الإجرائية وإن عن السلطة المشترعة، وفق نظام عمل كلّ منها المنصوص عنه في الدستور، والذي يحدّد نصاب إنعقادها وطبيعة الأكثرية (عادية او موصوفة) المقرّرة فيها، إنما له الطابع الميثاقي الحكمي المستمدّ من هذين النصاب والأكثرية.
على اعتبار أن مراعاة الميثاقية، بمفهوم التمثيل الطائفي الخاص بتلك السلطة وتوزّع حجم الطوائف فيها، إنما تتمّ حين تكوينها، بالتعيين او بالانتخاب، وليس بمعرض القرارات التي تتّخذها، بعد ذلك التكوين، وفق نظام عملها المنصوص عنه في الدستور. والذي يُراعى فيه دوماً نصاب إنعقادها كذلك الأكثرية الواجبة لصحة وسلامة مقرّراتها.
أما إعمال الميثاقيّة، بمعرض احتساب النصاب والأكثرية المقرّرة، فمن شأنها أن تشكّل تعديلاً ضمنياً بالممارسة للنص الدستوري، وأن يؤدّي هذا الأمر الى تعطيل عمل السلطة الدستورية، الى حدّ شلّها. كما والى الإطاحة بمصطلح المصلحة العليا للدولة بحدّ ذاته. ذلك أن إعماله يتطلّب مراعاة نظام عمل المؤسسة الدستورية المنصوص عنه في الدستور وليس مخالفته.
علماً أيضاً أن إعمال مصطلح المصلحة العليا للدولة يتّخذ طابعاً أكثر إلحاحاً وضرورةً وأوسع تطبيقاً بمعرض تحديد مدى الصلاحيات الدستورية التي يمكن ممارستها او حتى الاحجام عن ممارستها، في حال طول أمد الفراغ الرئاسي وتمادي التأخير في إعادة تكوين السلطة الإجرائية في البلاد، كما هو حاصل راهناً.
“محكمة” – الثلاثاء في 2024/7/9