في القضاء المختص بمحاكمة الوزير جنائيًا / فرانسوا ضاهر

القاضي السابق والمحامي فرانسوا ضاهـر:
١- ثمة وجهة نظر قضائية شائعة تقول بأن الوزراء لا يحاكمون أمام القضاء العدلي لجهة الأفعال الجنائية المنسوبة إليهم، بل أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، وذلك سنداً لحكم المادة 70 من الدستور.
وإنه، إستناداً الى وجهة النظر هذه، لا بدّ من إخراج الوزراء المشتبه بمسؤوليتهم بتفجير مرفأ بيروت من ملف الملاحقة الجنائية الجارية أمام المحقّق العدلي، وإحالتهم للمحاكمة أمام المجلس الأعلى، بعد صدور قرار بإتهامهم من قبل المجلس النيابي وفق الآلية التي نصت عليها المادة 70 الآنفة الذكر.
٢- غير أن هذا الرأي هو مخالف لأحكام الدستور والقانون الجنائي في آن. ذلك أن الفعل الذي يستدعي ملاحقة الوزير قد يحمل أحد الوجهين من التوصيف أو الوجهين معاً. وجه الإخلال بالواجب الوظيفي أو تحقّق الخيانة العظمى بمفهوم المادة 70 من الدستور أو وجه الفعل الجنائي الواقع تحت حكم أي من مواد قانون العقوبات العام. بحيث يلاحق الوزير نفسه لجهة الوجه الأول أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء ولجهة الوجه الثاني أمام القضاء العدلي.
وذلك على خلاف وضعية رئيس الجمهورية الذي يلاحق بالوجهين معاً أمام المجلس الأعلى سنداً لحكم المادة 60 من الدستور. التي ميّزت بدورها بين الأفعال التي هي من فئة الجرائم العادية الخاضعة للقوانين العامة والأفعال التي هي من فئة الخرق للدستور أو الخيانة العظمى.
(المادة 60 دستور : اما التبعة فيما يختص بالجرائم العادية فهي خاضعة للقوانين العامة. ولا يمكن إتهامه بسبب هذه الجرائم أو لعلتيْ خرق الدستور والخيانة العظمى إلاّ من قبل مجلس النواب بموجب قرار يُصدره بغالبية ثلثيْ مجموع أعضائه ويُحاكم أمام المجلس الأعلى المنصوص عليه في المادة الثمانين)”…
بحيث إن المادة الدستورية المذكورة (60) جاءت لتؤكّد أن الفعل المشكو منه الذي يرتكبه الوزير يمكن أن يحتمل هذين الوجهين من التوصيف، فيلاحق بكلّ منهما على حدة أمام القضاء المختص.
٣- أما القول بأن الوزير لا يلاحق لجهة فعله المشكو منه إلاّ أمام المجلس الأعلى، فهذا يؤدّي الى إسقاط ملاحقته الجنائية والحؤول دون السير بها، حتى ولو كان لفعله الطابع الجنائي بمفهوم قانون العقوبات العام.
على اعتبار أن الإختصاص الوظيفي للمجلس الأعلى ينحصر بملاحقته عن فعله الذي يؤلّف إخلالاً بواجبه الوظيفي أو خيانةً عظمى وليس عن فعله الذي له طابع جنائي. وأنه لا مجال لتوحيد التوصيفين، لأن لكلّ منهما مقوماته وعناصره. فالواجب الوظيفي أو فعل الخيانة العظمى يستقي مقوماته او عناصره من أحكام الدستور بحدً ذاتها دون سواها. أما الفعل الجنائي فهو يستقي بدوره مقوماته أو عناصره من أحكام القانون الجنائي العام أي قانون العقوبات اللبناني والقوانين الملازمة له.
وعلى سبيل القياس، لقد نصّ الدستور في مادته 40 على إمكانية ملاحقة النائب جزائياً أمام القضاء العدلي. فكيف يصحّ إذاً أن لا يلاحق الوزير جنائياً، امام القضاء العدلي ذاته، في ما إذا كان الفعل الذي اقترفه يقع تحت توصيف القانون الجنائي العام ؟ سيما وأنه لا تصحّ ملاحقته أمام المجلس الأعلى إلاّ عن فعله الذي يشكّل إخلالاً بوظيفته أو خيانةً عظمى.
٤- من هنا، يصح الإستنتاج بأنه إستناداً الى أحكام الدستور والقانون، تصحّ ملاحقة الوزراء المعنيين الذين ترجّح مسؤوليتهم عن تفجير مرفأ بيروت، لجهة أفعالهم الجنائية أمام المجلس العدلي، وذلك بعد أن يكون قد تمّ اشتمالهم بالقرار الإتهامي الذي يصدر عن المحقّق العدلي في القضية.
وإن هذه الملاحقة لا تعفيهم، بالتوازي، من الملاحقة أمام المجلس الأعلى في حال انطوى الفعل المنسوب إليهم على إخلال بالواجب الوظيفي أو إتصف بارتكابهم الخيانة العظمى.
“محكمة” – الاربعاء في 2025/3/26