مقالات

في المساءلة الحكومية/فرانسوا ضاهر

القاضي السابق والمحامي فرانسوا ضاهر:
لقد بادرنا الى معالجة موضوع المساءلة الحكومية من زاوية أنه يتمّ التداول بين السياسيين والدستوريين برأي شائع مفاده أن حكومة تصريف الأعمال أي الحكومة المستقيلة أو المعتبرة مستقيلة في الحالات التي حدّدها الدستور، هي بمنأى عن أية مساءلة.
لذا، بات علينا التدرّج في طرح المسألة ومعالجتها تباعاً حتى نصل الى التدقيق في الحالة المثارة أعلاه وفي صواب ما هو شائع حولها.
1- إثر صدور مرسوم تشكيل الحكومة، سنداً لحكم المادتين 2/64 و4/53، يقوم الوزراء الجدد المعيّنون بتسلّم وزاراتهم من أسلافهم. غير أنهم لا يمارسون صلاحياتهم إلاّ بالمعنى الضيّق لتصريف الأعمال الى حين نيل الحكومة التي يؤلّفونها مجتمعةً الثقة من المجلس النيابي (2/64 دستور).
علماً أنه على الحكومة أن تتقدّم من مجلس النواب ببيانها الوزاري لنيل الثقة في مهلة ثلاثين يوماً من تاريخ صدور مرسوم تشكيلها (2/64).
بحيث يُسأل الوزراء عن ممارستهم لأعمالهم الوظيفية خلال الفترة الفاصلة بين صدور مرسوم تعيينهم ونيلهم الثقة من المجلس النيابي، وفق القاعدة الدستورية العامة التي نصّت عليها المادة 66 دستور والتي تقول ” يتحمّل الوزراء إجمالياً تجاه مجلس النواب تبعة سياسة الحكومة العامة ويتحمّلون إفرادياً تبعة أفعالهم الشخصية.” على اعتبار أنه ” يُناط بهم تطبيق الأنظمة والقوانين كلٌّ بما يتعلّق بالأمور العائدة الى إدارته وبما خصّ به” (66 دستور).
إذ إنه يعود “لمجلس النواب أن يتّهم رئيس مجلس الوزراء والوزراء بارتكابهم الخيانة العظمى أو بإخلالهم بالواجبات المترتّبة عليهم…” (مادة 70 دستور). وذلك دون أي تمييز بين وضعيتهم الدستورية، أكانوا في وضعية الوزراء العاملين أم في وضعية الوزراء الذين يمارسون تصريف الأعمال. وذلك إستناداً الى الطابع الشمولي الذي يكتنز حكم المادة 70 من الدستور الآنفة الذكر.
2- أما بعد نيل الحكومة الثقة من المجلس النيابي، وفق آلية الفقرة 2 من المادة 64 دستور، فإنها تصبح في وضعية الحكومة العاملة التي تضطلع بكامل صلاحياتها الدستورية. وتكون بالتالي خاضعة للمساءلة أمام المجلس النيابي. الذي يعود له، إستناداً الى حكم الآلية التي نصّت عليها المادة 37 دستور، أن ينزع الثقة منها بمبادرة منه أو بناءً على طرحها الثقة بنفسها (69/و دستور).
كما يمكن المجلس النيابي أن يقرّر مساءلة أحد الوزراء أو أي وزير على انفراد “بعدم الثقة به” أو “بحجب الثقة عنه”، وفق ذات الآلية المنصوص عنها بالمادة 37 من الدستور، وذلك إستناداً الى المادة 68 منه.
كما وان هذه المساءلة الدستورية السياسية لا تحجب إمكانية المساءلة الوظيفيّة القضائية، إستناداً الى حكم المواد 70 و71 و72 و80 من الدستور. علماً أن مبادرة الوزير الى الإستقالة لا تحول ولا تشكّل سبباً لعدم إقامة دعوى المسؤولية الوظيفية عليه أو لوقف المعاملات القضائية بحقّه (72 دستور).
3- أما بعد استقالة الحكومة أو إعتبارها مستقيلة، وفق الحالات (أ) و(ب) و(ج) و(د) و(هـ) و(و) المنصوص عنها بالمادة 69 دستور، فإنها تصبح في وضعية تمارس فيها صلاحياتها بالمعنى الضيّق لتصريف الأعمال (2/64 دستور).
وإن وضعيتها المستجدّة هذه تحول دون مساءلتها السياسية الدستورية بمفهوم نزع الثقة منها من قبل المجلس النيابي بمبادرة منه أو بناءً عى طرحها الثقة بنفسها، وفق حكم الفقرة (و) من المادة 69 دستور أو بمفهوم نزع الثقة بأحد وزرائها وفق حكم المادة 68 من الدستور. ذلك أن هذه الفئة من المساءلة السياسية الدستورية تتناول حصراً الحكومة العاملة وليس الحكومة المستقيلة أو المعتبرة مستقيلة.
يبقى أنه بالإمكان مساءلة حكومة تصريف الأعمال رئيساً وأعضاءً مساءلة وظيفية قضائية إستناداً الى حكم المواد 70 و71 و72 و80 من الدستور. ذلك أن تلك المواد – كما أسلفنا – لها الطابع الشمولي، ولا تميّز، لا صراحةً ولا مدلولاً ولا إيحاءً، بين أعضاء الحكومة العاملين وأعضاء الحكومة المستقيلين أو المعتبرين مستقيلين، بحيث تتناول أولئك دون هؤلاء.
4- بحيث يصحّ الإستنتاج على وجهٍ ثابت ومؤكّد أن حكومة تصريف الأعمال رئيساً وأعضاءً تبقى خاضعة للمساءلة الوظيفية القضائية. بدليل أن نص المادة 72 من الدستور قد لحظت صراحةً أن استقالة رئيس مجلس الوزراء أو الوزير لا يمكن أن تكون سبباً لعدم إقامة دعوى المسؤولية الوظيفية عليه أو لوقف المعاملات القضائية بحقّه.
ويكون بالتالي الرأي الشائع، الذي يقول بأن حكومة تصريف الأعمال لا تُسأل ولا يمكن مساءلتها، رأياً خاطئاً، لكونه لا يستند الى أي نص دستوري. بل إن مساءلتها السياسية الدستورية هي التي تصبح غير جائزة، وتبقى مساءلتها الوظيفية القضائية ممكنة لإسنادها الدستوري.
“محكمة” – الثلاثاء في 2024/7/30

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!