في المفهوم العام للحصانات/فرانسوا ضاهر
القاضي السابق والمحامي فرانسوا ضاهـر:
إنّ الحصانات حيال الملاحقات الجزائية التي أقرّها المشرِّع، إنْ بصفته مشرّعًا عاديًا وإنْ بصفته مشرّعًا دستوريًّا، في حالات معيّنة، لمصلحة الموظّفين التابعين لمؤسّسات القطاع العام الإدارية أو الأمنية أو العسكرية أو لمصلحة الذين يضطلعون بمسؤوليات دستورية أو لمصلحة الذين ينتمون إلى المهن الحرّة المنظّمة بقانون، تهدف إلى تحصينهم في المواقع والمراكز والمناصب التي يتولّونها، وفي ممارسة المسؤوليات التي يضطلعون بها، تجاه من يريد الإضرار بهم أو التعرّض لهم أو التعدّي على حرمة مكانتهم العامة.
وليست سبيلًا أو وسيلةً لتبرّوئهم من المسؤوليات أو لتبرئتهم من الملاحقات أو مخرجًا لكفّ يد القضاء عن إتمام تلك الملاحقات بحقّهم وتمكينهم من التفلّت من المساءلة والعقاب. لأنّ في ذلك تعرّضًا وتقويضًا لعمل السلطة القضائية ولدورها في إحقاق العدالة وفي ردع المسؤول ومعاقبته على أفعاله أو امتناعه عن الفعل.
لــذا، يكون إعطاء الإذن بالملاحقة الجنائية حتميًّا وحكميًّا، من قبل المرجع المختص بإعطائه، كلّما كان الفعل موضوعه يحتمل أو يرجّح في الظاهر، ملاحقةً قضائية، وذلك حتّى لا يقترف هذا المرجع، هو بنفسه، جرم التدخّل في تعطيل ملاحقة ومساءلة مرؤوسه.
وفي أيّ حال، إنّ المادة 13 أ.م.ج. حسمت هذا الجدل بين المرؤوس المتحصّن بالحصانة والإدارة التي ينتمي إليها والتي تمتنع عن رفعها عنه، بقولها ” أنّه يكون للنائب العام لدى محكمة التمييز خلافًا لأيّ نصّ عام أو خاص، أمر البتّ نهائيًا في هذا الموضوع”.
كما يمكن القول، من ناحيةٍ أخرى، إنّ الحصانات التي أقرّها المشترع لا يمكن أن تكون حائلًا دون الملاحقة القضائية أو أن تحدّ من سلطان القاضي في تعقّب وملاحقة ومعاقبة الذين يقترفون أفعالًا جرمية معاقبًا عليها في القانون، ذلك أنّ غاية هذه المؤسّسة الحقوقية (الحصانة) ليست التفلّت من الملاحقة الجنائية ومن المسؤولية المرتبطة بها، بل تحصين الذين يضطلعون بها من استباحة حرمة منصبهم ومكانتهم ومهامهم العامة. حتّى ينحصر دورها بتصويب الملاحقة الجارية بحقّهم والتأكّد من جدّيتها والحؤول دون مجانيتها.
حتّى بات يصحّ الإستنتاج، في المحصّلة، أنّ سلطة القاضي الدستورية، كما سلطانه الدستوري أيضًا في إحقاق العدالة، لا يمكن تقييدهما بأيّة حصانة، ولو كان مصدرها القانون، وذلك سندًا لنصّ المادة ٢٠ من الدستور(“…القضاة مستقلّون في إجراء وظيفتهم…”). إذ إنّ الدستور يعلو القانون، عملًا بمبدأ تراتبيّة القواعد الوضعية.
“محكمة” – الإثنين في 2021/7/12